بلغة الإشارة، حاول الطفل "الأصم" عبد الله غزال (14 عامًا)، أن يستعير من زميله الجالس على مقعد مقابل له في مدرسة "جمعية أطفالنا للصم"، لاصقًا ورقيًا، كي يضع اللمسات الأخيرة على لوحة كرتونية، ستكون في وقت لاحق، جزءًا مهمًا من فيلم كرتوني "صامت" يعدّه غزال مع أصدقائه.
ويعمل غزال مع زملائه على تصميم وإعداد
أفلام كرتونية ورقية "صامتة"، تعبّر عن قصص واقعية عاشها أحدهم خلال الحرب الأخيرة، التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة.
ويقول غزال: "كانت عملية توفير الطعام لي ولعائلتي خلال الحرب من أبرز وجوه المعاناة التي تعرضنا لها، خاصة وأن عائلتي جُلّها من
الصم، فقد كنا نخرج صباحًا إلى المخبز لنحصل على رغيف خبز، ونقف في طابور طويل، يُنظم أمام باب المخبز".
واتفق غزال مع أصدقائه الصم على اختيار شخصية "الأرنب"، كونه من أحد الحيوانات المسالمة والمُحبّبة إلى قلوب
الأطفال، ليكون بطل الفيلم، وليجسد معاناة قد يراها المشاهد الذي لم يعشها "بسيطة"، لكنّها كانت وجها بارزا للمعاناة الإنسانية بغزة، كما يوضح غزال.
وتابع حديثه بلغة الإشارة: "الفيلم يتحدث عن أرنب صغير، يستيقظ باكرًا ويخرج بالتزامن مع القصف الإسرائيلي خلال الحرب العسكرية، متوجهًا نحو مخبز قريب من المنزل، لينضم إلى طابور طويل، ليحصل في النهاية على خبزٍ له ولأفراد عائلته، ليكون فطورًا لهم في شهر الصيام".
ويوضح غزال أن فقده لسمعه ونطقه، زاد من معاناته خلال الحرب، حيث إنه كان يشعر باهتزاز المنزل جراء القصف الإسرائيلي، إلا أنه لم يكن يدرك أين تسقط تلك الصواريخ، مشيرًا إلى أن ذلك الشيء "أتعب حالته النفسية".
ويذكر أن مشاركته بتصميم الأفلام الكرتونية الصامتة، ساهمت في التفريغ عن حالته النفسية، وأضافت جوّاً من السعادة له ولزملائه.
أما آية أبو طويلة (12 عامًا)، التي تعاني من فقدان جزئي للسمع والنطق، فقد عاشت أيامًا وصفتها بـ"الصعبة"، في منطقة سكنها بحي الشجاعية، شرق غزة، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وتقول: "أصيب أبي خلال الحرب بشظايا في قدمه، وأمي ذهبت إلى المستشفى للعناية به، وأنا قضيت يومًا كاملاً أعتني بإخوتي الصغار، بواسطة لغة الإشارة، وكنت أطمئنهم وأخفف من خوفهم، وأحميهم أيضًا".
وتابعت: "أخي أصم مثلي، كنت أشرح له بلغتنا عن الوضع الدائر في المنطقة، كما أني كنت أعمل كوسيط بينه وبين إخوتي الناطقين لأنني أحتفظ ببقايا سمع ونطق".
وتبيّن أبو طويلة أنها تحمست للمشاركة في تصميم الأفلام الكرتونية، مشيرةً إلى أن الأطفال الصم في قطاع غزة، لأول مرة، يشاركون في نشاط الرسوم المتحركة.
وأضافت قائلة: "ساعدتني المشاركة في ذلك التصميم والإعداد، بترجمة أفكاري والتفريغ عن حالتي النفسية التي أتعبتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كما أنها ساهمت في تصفية ذهني، خاصة وأنني أملك مهارات
الرسم".
وقالت إن "تلك الأنشطة كان لها أثر إيجابي كبير علينا، نحن الأطفال الصم، حتى عندما كنا نمارس ذلك النشاط أنا وصديقاتي الصم، كنا عندما نرسم شيئا يتعلق بالحرب، كانت دموع صديقاتي تُذرف، وأنا كنت أدعمهن نفسيًا وأطلب منهن أن ينسين أيام القتل والحرب، وأن يعشن الحياة الجميلة من جديد".
وفي السياق ذاته، تُشير سعاد عوض، مدرسة الفنون في جمعية أطفالنا للصم، إلى أن هذه الأنشطة تساعد في تفريغ حالة الكبت التي يعانيها الأطفال جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وقالت: "لجأنا إلى إعداد ورشات فن الرسوم المتحركة، لإعطائهم مجالا لتفريغ ما يعتمل في أنفسهم".
وأوضحت أن الأطفال الصم كونهم من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن لديهم معاناة تختلف عن بقية السكان في القطاع، وكذلك معاناتهم خلال الحرب تكون مضاعفة لأنهم غير قادرين على التعبير عن خوفهم، أو عن المواقف الصعبة التي مروا بها.
وأضافت: "أسقطنا أحداثا واقعية حدثت أثناء الحرب تعبّر عن معاناة أهل قطاع غزة، على مجموعة من الحيوانات الكرتونية، إذ إن الحيوانات الكرتونية الملونة تعتبر ذات تأثير على مشاعر الأطفال الناطقين أو الأطفال الذين يعيشون خارج قطاع غزة ولم يتعرضوا لمعاناة مماثلة".
وتبيّن عوض أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في قطاع غزة، يزيد من معاناة الأطفال الصم الذين يتواصلون عن طريق لغة الإشارة.
وتابعت: "عند انقطاع التيار الكهربائي، تنقطع وسيلة التواصل الخاصة بهم، لأن حركات الإشارة الخاصة بلغتهم لا تكون مرئية".
وذكرت أن الأطفال الصم كانوا يشعرون بالخوف من القصف الإسرائيلي، عندما يشاهدون ذلك الخوف في عيون الأشخاص الأصحاء.
وشنت إسرائيل في السابع من تموز/ يوليو الماضي حربا على قطاع غزة استمرت 51 يوما، أدت إلى استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني، وإصابة نحو 11 ألفًا آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.