نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول تعرض امرأة للاستبعاد من هيئة محلفين في محكمة في جنوب
فرنسا، مع إجبارها على دفع غرامة بألف يورو، لأنها رفضت نزع غطاء رأسها أثناء أداء القسم.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن قاضي محكمة الجنايات بمنطقة بيريني أورينتال قام بالتحضير للجلسة طبقا للإجراءات المعمول بها، ثم قام بإجراء القرعة لاختيار المحلفين الذين سينظرون في قضية رجل يمثل أمام العدالة بتهمة "ممارسة العنف الذي تسبب بعاهة مستديمة"، ثم طلب من الجميع القيام بالقسم، واقفين ورافعين اليد اليمنى، ولكن إحدى أعضاء هيئة المحلفين رفضت نزع حجابها والكشف عن شعرها، رغم إصرار هنري بونس، رئيس المحكمة، على ضرورة قيامها بذلك.
وذكرت الصحيفة أن هذه المرأة تم استبعادها من الهيئة، بناء على القانون الفرنسي الذي يفرض على أعضاء هيئة المحلفين "القيام بالقسم وهم مكشوفو الرأس". وأضافت أن الفصل 304 من قانون العقوبات يحدد بدقة أن المحلفين يجب أن يكونوا "واقفين وعاري الرأس عند أداء القسم". وأمام رفض هذه عضو الهيئة الانصياع لطلبه، قرر رئيس المحكمة إقصاءها من الهيئة، كما فرض عليها غرامة بألف يورو، بناء على توصية من النائب العام.
وأشارت الصحيفة إلى أن ارتداء
الحجاب ليس ممنوعا داخل المحاكم الفرنسية، لذلك كان بإمكان هذه المرأة نزع حجابها للحظات لأداء القسم، ثم إعادة ارتدائه والمشاركة في المداولات، ولكنها فضلت التمسك بقناعاتها الدينية.
وتساءلت الصحيفة إن كان رئيس المحكمة قد تجاوز صلاحيته باتخاذه لهذا القرار، وقال أن آراء خبراء القانون متضاربة في هذا الشأن.
ونقلت عن سليم بن عاشور، المتخصص في قضايا المساواة والتمييز، قوله إن هذا القرار تم اتخاذه بدون سند قانوني. ويؤكد بن عاشور أنه "بهذا التصرف نحن بصدد تطبيق نظام لائكي متشدد وإقصائي، وهو ما يعد مخالفة لقانون 1905 والفصل الأول من الدستور الفرنسي. فالعدالة يتم تطبيقها باسم الشعب الفرنسي بتنوعه واختلافاته، وليس باسم الشعب اللائكي". وأضاف: "لا يجوز إقصاء قاض لأسباب متعلقة باللائكية والانتماءات الدينية، بحسب الفصل 1-258 من قانون العقوبات".
كما نقلت الصحيفة عن جون ميشال ديكونت، أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة تولوز، والمتخصص في قضايا
العلمانية، تقديره بأن "العقوبة التي تعرضت لها هذه (المرأة) مطابقة للقانون"، ولكنه أثار تساؤلات حول جدوى هذا الفصل الذي ينص ضرورة كشف المرأة لرأسها، ويقول: "في هذه المناسبات المهيبة، يفترض أن نقف مكشوفي الرأس كنوع من التأكيد على النزاهة والصدق، ولكن في نهاية الأمر يبقى هذا الأمر مجرد عادة ذات بعد رمزي لا غير، وأنا لست ضد رموز الجمهورية، ولكن لا يمكننا أن نجبر الناس على التخلي عن هوياتهم وقناعاتهم باسم التجانس والانضباط".
في المقابل، توافق المحامية إيمانويل بوسار رئيس المحكمة في قراره، حيث تقول هذه المحامية المتخصصة في قضايا التمييز: "الدخول لقاعة المحكمة كزائر ليس كالدخول لها كقاض في هيئة المحلفين، فالقضاة هم في النهاية موظفون عموميون يمارسون عملا لمصلحة الدولة، ويصعب علينا تخيل وجود قضاة يرتدون الحجاب خلال أعمال الجلسة، فخلال ممارسة هذه المهنة يكون الإنسان في خدمة العدالة باسم الجمهورية، لذلك يجب أن يكون محايدا" حسب قولها.
وأشارت الصحيفة في نفس السياق إلى أن مجلس الدولة الفرنسية أصدر في سنة 2000 قرارا يلزم الموظفين العموميين، المطالبين بالتزام الحياد، بالامتناع عن إظهار انتماءاتهم الدينية وآرائهم السياسية.
وأضافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تثير مسألة ارتداء الحجاب جدلا في قاعات المحاكم الفرنسية، فقد شهدت مدينة بيزيي في سنة 2011 إجبار المحكمة لشاهدة ترتدي الحجاب على نزعه خلال جلسة استماع. وكانت المرأة قد قبلت بنزعه للإدلاء بشهادتها، ولكن يؤكد جون ميشال ديكومت أنه "لا يوجد قانون يمنع ارتداء الحجاب داخل المحاكم الفرنسية. يجب فقط كشف الوجه لإظهار الهوية، وهذا هو ما نص عليه قانون سنة 2010، ولكن البعض يتعمدون إثارة المشاكل عبر الخلط بين ارتداء الحجاب ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه كليا، والذي هو ممنوع بالطبع في الأماكن العامة"، حسب ما تنقل الصحيفة.