سيطر
تنظيم الدولة على مدينة
الرمادي، مركز محافظة
الأنبار، منذ أكثر من شهر، وحوّلها إلى مركز لـ"ولاية الأنبار"، حسب التقسيمات الإدارية لتنظيم الدولة. ومنذ ذلك الحين، يحاول التنظيم الدولة طرح نفسه بديلا ناجحا لأهالي الرمادي.
فقد سارع إلى تنظيف أحياء المدينة وشوارعها، وتوزيع المساعدات الإغاثية، وإدخال الوقود، وتشغيل المولدات الكهربائية الأهلية لتعويض النقص في الكهرباء الوطنية، كما خصص مولدات كبيرة لمضخات مشاريع تنقية المياه. وقد نجح فعلا في توفير حل جدي لمشكلة المياه، كما يقول مهندس الكهرباء قصي العلواني في حديث خاص لـ"عربي21".
وأضاف العلواني: "لقد نجح التنظيم في كسب الكثير من أبناء الرمادي إلى جانبه، بعدما أعطى صورة مغايرة عن تلك الصورة الراسخة في عقول الناس، بأن التنظيم يقتل مخالفيه في الرأي، أو السلوك، فقد أصدر عفوا عمن قاتل مع الجيش والحشد من أهالي المدينة، وشكل لجنة لدفع التعويضات للذين تدمرت بيوتهم، أو تضررت جراء العمليات القتالية، في حين قام بتوفير سكن لائق للكثير من العائلات المتضررة، أو التكفل بنقلهم وإيوائهم مجانا بشكل مؤقت في مدن سيطرته غرب الأنبار، كمدن هيت وعانه وراوة والقائم".
يدرك تنظيم الدولة أهمية دور العشائر ورؤوسها في الأنبار، وقد أبدى اهتماما كبيرا بالعشائر التي ساندته قبل سيطرته على الرمادي، والأخرى التي التحقت به فيما بعد.
ويرى المهندس قصي العلواني، في معرض حديثه الخاص بـ"عربي21"، أن "تنظيم الدولة الإسلامية تمكن من كسر الحاجز النفسي بينه وبين أبناء الرمادي، بعد أن بادر بتشكيل لجنة لإدارة المدينة من أكاديميين وكفاءات وشيوخ عشائر، وتولى التنظيم مهمة الإشراف العام على عمل اللجنة، فيما حصر إدارة الملفين الأمني والعسكري بمقاتليه".
ويضيف العلواني: "قيام تنظيم الدولة بتوفير مستلزمات إدارة المدينة، ومشاركة أبنائها في إدارتها، جعل منه القوة التي تدافع عنهم دون الطمع في حكمهم، كما ينظر إليه اليوم، كما أن تعامل الحكومة الطائفية مع النازحين ساهم وبشكل كبير بتقبل الناس للتنظيم، وانحيازهم له، حيث وفر لهم البدائل الممكنة".
وردا على سؤال لـ"عربي21"، حول ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أن زعيم تنظيم الدولة "أبو بكر البغدادي" قد أصدر عفوا عن الجميع دون استثناء، وقبول توبتهم دون شروط، يقول المهندس قصي العلواني: "هذا صحيح، وهو أمر لا يزال معمولا به لمن يعلن توبته ويسلم سلاحه من الشرطة والصحوات".
ويستدرك بالقول: "لكن من جانب آخر، يرى فيه الكثير ممن قاتلوا التنظيم ثم أعلنوا توبتهم، أنه يمثل خدشا لكبريائهم، وهم أبناء عشائر متمسكون بقيم عشائرية معروفة، لكن مع هذا، فالتنظيم لن يتنازل عن شروطه".
وتعد المشاركة في إدارة المدن تجربة جديدة يخوضها تنظيم الدولة. ووفق معطيات من داخل مدينة الرمادي، فإن الكثير من الدلائل تشير إلى عمل جدي باتجاه إعادة إعمار المدينة، ورفع الكتل الأسمنتية التي كانت موضوعة حول المباني الحكومية الحساسة وبيوت المسؤولين الحكوميين، أو قيادات الصحوات وغيرهم، وفتح الطرق الرئيسية والفرعية المغلقة.
"كما أن الوضع الأمني مستقر جدا، حيث اختفت نهائيا أصوات الاشتباكات أو قذائف الهاون، أو غيرها، لكن ما يعكر هذه الأجواء الأمنية هو القصف الانتقامي الذي تشنه الطائرات الحربية، أو قصف وحدات الجيش المتمركزة في ناحية الخالدية براجمات الصواريخ والمدفعية بعيدة المدى"، بحسب العلواني.
ويختم المهندس قصي العلواني حديثه لـ"عربي21" قائلا: "أنا أرغب بمزاولة عملي في خدمة أهلي ومدينتي، ومن يحكم المدينة ويحترم أهلها، ويوفر لها مقومات الحياة، لا خلاف لي معه، وإن كنت أخالفه فكره أو توجهه". ويضيف: "المهم عندي أن يعيش المدنيون بأمن وسلام، بعد معاناتهم الطويلة بسبب الاحتلال وإفرازاته، ومن ثم على يد حكومة المليشيات، وسيطرة الصحوات والصراع على النفوذ والتنافس الأعمى بينهم على حسابنا"، كما يقول.