نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرا لمراسلها سام ماسترز، حول الأوضاع في
غزة، بعد عام من
الحرب الإسرائيلية عليها في الصيف الماضي. يرسم فيه صورة سوداوية بالنسبة للشباب العاطل عن العمل، الذي يغامر بحياته للحصول على أي عمل يقتات منه، ويقابل أحد هؤلاء الشباب.
ويقول الكاتب: "على الشارع الرملي المحاط بأشجار الزيتون تجلس عدد من البقرات في ظل الأشجار، وهذه الصورة بمقاييس غزة وردية جدا، ولكن أنور الزوارع، البالغ من العمر 22 عاما، مع أنه يظهر أصغر من ذلك بسبب شاربيه الخفيفين، يريد المغادرة. وعلى بعد ثلاثة أميال هناك نقطة ضعيفة على الحدود بين غزة وإسرائيل، ولكنها محاطة بالخطر، فأي شخص يدخل على مسافة نصف ميل من الحدود يغامر بحياته".
وينقل التقرير عن الزوارع قوله: "كنت قلقا لأنني لم أصل قبل الذهاب، فلا أريد الموت دون صلاة". مشيرا إلى أن الزوارع أراد الدخول إلى إسرائيل بهدف العمل، لكسب ما يكفي من المال ليتزوج، وليحصل على الاستقلالية، التي يرنو إليها سكان غزة جميعهم، والبالغ عددهم 1.8 مليون شخص، وغالبيتهم تحت الثلاثين من العمر.
ويذكر ماسترز أن البنك الدولي يقدر بأن نسبة البطالة في قطاع غزة هي الأعلى على مستوى العالم، حيث تصل إلى 43%. ويقول البنك إن ما يزيد من القلق هو ارتفاع هذه النسبة بين الشباب، حيث وصلت إلى 60% في نهاية العام الماضي.
ويورد التقرير أن أم أنور الزوارع، سلوى، البالغة من العمر 50 عاما، تعيش وبقية العائلة، وهم أختان وأخ، على أطراف مخيم
المغازي، حيث يزرعون الفواكه والخضار. وتقع المنطقة العازلة بين غزة وإسرائيل في نهاية الشارع الرملي.
وتبين الصحيفة أن العائلة اضطرت إلى ترك بيتها للذهاب إلى الملاجئ ثلاث مرات خلال الحروب الثلاثة بين إسرائيل وغزة. وخلال الحرب الأخيرة اضطرت العائلة للبقاء بعيدا عن بيتها 50 يوما.
وينقل الكاتب عن شقيقة أنور البالغة من العمر 17 عاما، وتدعى أسماء، قولها: "كنا قلقين من أن يصلنا الاجتياح البري، وكان الأمر مخيفا جدا". وقالت أمه إن زوجها، الذي لم يكن في البيت عند زيارة الصحيفة، كان سجينا لدى إسرائيل سابقا.
وتقول أم أنور الزوارع للصحيفة: "لا أحد من أبنائي يعمل، وفي تشرين الأول/ أكتوبر، قال أحمد إنه ذاهب لجني الزيتون، ولم يعد في ذلك اليوم، ولم ندر إلى أين ذهب، وبعدها زارنا الأمن الداخلي، وقالوا لنا إن أحمد حاول اجتياز السياج وإنه قد تم اعتقاله، وبدأت بالبكاء وبقيت أبكي طيلة الليل. ولم أتوقف عن التفكير في ماذا سيحصل له في إسرائيل. لقد كان أسوأ يوم في حياتي، ودعوت ألا يحكم عليه فترة طويلة، لقد كانت أوقاتا سيئة".
ويلفت التقرير إلى أنه قد تم سجن أنور في سجن عسقلان لمدة سبعة أشهر وعشرة أيام، وسمح لعائلته بزيارته، وتقول الأم إنها أحست بألم مضاعف عند زيارته، حيث عادت بها الذكريات إلى زيارة والده في السجن ذاته قبل ذلك. وتقول: "خلال زياراتي كان يسألني الضباط الإسرائيليون عن سبب رغبة الغزيين في دخول إسرائيل، فكنت أجيبهم: (بسبب حصاركم)".
وينوه ماسترز إلى أن إسرائيل قامت بفرض حصار اقتصادي على غزة منذ تسلم حركة حماس الحكم في عام 2007، وتم الحد من سفر الفلسطينيين من غزة بشكل كبير.
وتنقل الصحيفة عن المشارك في تأسيس منظمة "غيشا" لحقوق الإنسان، التي تدافع عن حق الفلسطينيين في التنقل، ساري باشي، قوله: "لم يحصل وإن كانت آفاق الشباب في غزة أكثر محدودية مما هي الآن. فهناك أكثر من نصف الشباب الباحثين عن العمل في غزة لا يستطيعون إيجاد فرصة عمل، ومن يجد عملا يتقاضي عليه أقل من الحد الأدنى للأجور، ومنذ نهاية حرب الصيف الماضي اعترف المسؤولون الكبار في جيش الاحتلال، وبينهم وزير الدفاع ورئيس الأركان، علنا بأن تحسين الوضع الاقتصادي في غزة يحسن من الاستقرار، وعليه فتكون إسرائيل أكثر أمنا. ومع هذا فإن تسهيل السفر لم يتجاوز كونه رمزيا. وتحد إسرائيل بمنعها السفر من آفاق الشباب في غزة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن النقطة التي قطع منها أنور مع صديق له تقع على بعد نصف ساعة سيرا على الأقدام من بيت عائلته في المغازي، حيث يقول: "لا يوجد عمل هنا، فقلت لصديقى أريد محاولة عبور الحدود للحصول على عمل، وفي يوم من الأيام قال لي صديقي: (دعنا نذهب)، مشينا حتى وصلنا إلى السياج، ولم أكن خائفا. وعندما حاول صديقي عبور السياج قام بلمسه، وعرف الإسرائيليون أننا موجودون، فهو سياج كهربائي. وقفزنا من فوقه، فارتفاعه يبلغ طول شخص تقريبا، وبدأنا بالمسير وعندما بدأ إطلاق النار بدأنا بالركض. في البداية كان إطلاق النار في الهواء، ثم بدأ الرصاص يأتي باتجاهنا، وعندما كانوا يطلقون النار علينا ظننت أني قد أقتل، ولكنني استمررت في الركض".
ويضيف أنور للصحيفة أنه في النهاية حاصرتهما ثلاث عربات للجيش، ويقول: "لم أشعر بالخوف حتى عندما كانوا يطلقون النار، كنت مضطرا وأفعل أي شيء للخروج، حملونا في مؤخرة سيارة جيب، وأخذنا إلى قاعدة عسكرية، وتم التحقيق معنا لمدة ساعتين أو ثلاث، وسألونا إن كنا دخلنا إسرائيل لارتكاب أعمال إرهابية، فقلت لهم لم يرسلني أحد، وإنني أردت العمل في إسرائيل، وظنوا أنني أردت أن أفعل شيئا آخر".
وتقول أمه: "الشباب يقطعون الحدود ومعهم سكين، بحيث إذا تم ضبطهم فإنهم يأخذون حكما طويلا في السجن"، بحسب الصحيفة
ويورد الكاتب أن عائلة أنور تقول إن أخاه أنس البالغ من العمر 18 عاما، لن يسير على خطى أخيه أنور. ولكن عند سؤال الأم إن كان ابنها أنور سيحاول العبور مرة أخرى، أجابت: "لست متأكدة، ولكن ما أعرفه هو أنه لو رفع الحصار فإنه لن يحتاج إلى ذلك؛ لأن العمل سيكون متوفرا للجميع".
ويشير التقرير إلى أن إسرائيل ليست وحدها من تقيد الحركة على
معابر غزة، فالمعبر الرسمي بين
مصر وغزة مغلق أيضا لفترات طويلة. وفتح الشهر الماضي لمدة ثلاثة أيام لأول مرة منذ ثلاثة أشهر، بأمر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قال إن ذلك يأتي "تضامنا مع الإخوة الفلسطينيين في قطاع غزة، وللتخفيف من معاناتهم".
وتستدرك الصحيفة بأن المعبر أغلق مرة أخرى، ويقول نسيم (25 عاما) إنه قد حاول العبور على مدى الأسبوع الماضي، وإنه كان يريد الذهاب للعمل، ولا يريد العيش في غزة.
ويذكر ماسترز أن حسام (16 عاما)، وهو على كرسي متحرك، أمله ضئيل في مغادرة غزة، حيث تم قصف المؤسسة التي تعنى بذوي الإعاقات البدنية الصيف الماضي.
وينقل التقرير عن حسام قوله: "لا شيء هنا للشباب، ولا أدري ما هو مستقبلي، وليس لي ولا لغيري مخرج من هنا. نعيش أياما صعبة، ولا ألوم الإسرائيليين. آمل يوما أن ينتهي هذا الوضع، وآمل أن أستطيع السفر. وأطلب من أي شخص مساعدتي في الخروج. قد حاولت على مدى السنوات السبع الماضية إجراء عملية، وقال لي الأطباء إنها قد تساعدني على المشي ثانية، فحلمي هو السفر والخروج من هنا".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه في المغازي عندما سأل الكاتب أنور إن كان سيقفز من فوق السياج مرة أخرى، قام بذكر أصدقاء له جربوا الأمر وأصيبوا بالرصاص الإسرائيلي خلال محاولاتهم. وبينما كان يفكر في الجواب، لم ينظر إلى أمه، التي كانت تنتظر أن تسمع جوابه، ثم قال "لا، إنها محاولة خطرة جدا". وتشير الصحيفة إلى أن جوابه صعب التصديق في ظل الآمال الضئيلة لمستقبل غزة.