يصفه من يعرفونه بطول قامته البالغة نحو 1.98 سم، وبعنفه في القيادة، خاصة خلال القتال الذي دار بين "المجاهدين الأفغان" والقوات السوفييتية أواخر السبعينيات لدى احتلالها لأفغانستان وحتى انسحاب القوات الروسية من البلاد في التسعينيات، وتقول روايات متقاربة إنه فقد إحدى عينيه في إحدى المعارك إبان الغزو السوفييتي لبلاده.
لم يتمتع بأي ظهور إعلامي يذكر في فترة ترؤسه للجمهورية الأفغانية، وقلما التقى مع غير المسلمين، ولم تتداول الأوساط الإعلامية صورا له باستثناء صورة يتيمة.
ظل مصيره مجهولا ومشابها لمصير
أسامة بن لادن، بفارق بسيط وهو ظهور أسامة بن لادن بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام العالمية بأشرطة فيديو ورسائل صوتية، إلى حين الإعلان عن مقتله في باكستان.
ولد الملا محمد عمر عام 1959 لعائلة قروية غارقة في الفقر تسكن الأكواخ المبنية من الطين في قرية قرب قندهار، وفقد أباه في مرحلة عمرية متقدمة، وآلت إليه أعباء إعالة عائلته، ولم يكن
الملا عمر من أعلام أفغانستان المعروفين أو الشخصيات "الجهادية" البارزة، لكن في عام 1994 سنشهد ظهوره غير المتوقع.. فمن خلال الانسحاب السوفييتي من أفغانستان، عمل الرجل على تجنيد طلاب المدارس القرآنية والشباب من مخيمات اللاجئين في محاولة لحفظ الأمن، وهم الذين عرفوا باسم "طالبان" أي طلاب العلم.
وكان جليا منذ البداية عدم اهتمامه بأمور السياسية وتفرغه للقضايا التي تعنى بالدين الإسلامي، وخير دليل على ذلك بقاؤه في مدينة قندهار بعد الإطاحة بالحكومة بقيادة برهان الدين رباني، وعدم انتقاله للعاصمة كابول، بحسب ما تقتضيه الأعراف الدولية.
بعد سقوط الجمهورية الديموقراطية الأفغانية المدعومة من قِبل الاتحاد السوفييتي في عام 1992 بأيدي "المجاهدين"، تردت الأوضاع في أفغانستان وشاعت الفوضى.
وفي ربيع عام 1994، شاع خبر اختطاف واغتصاب فتاتين أفغانيتين عند إحدى نقاط السيطرة التّابعة لإحدى الفئات الأفغانية المتناحرة في قرية "سانج هيسار" قرب مدينة قندهار، ونما إلى الملا خبر اختطاف الفتاتين فألف قوة من 30 رجلا وسعى إلى تخليص الفتاتين ونجح في ذلك، وقام بدوره بتعليق قائد عملية الخطف والاغتصاب على المشنقة. من هذه اللحظة، ولدت "طالبان" وزعيمها بعد إضفاء نوع من العدالة والأمن بين القرويين الذين كانوا في أمسّ الحاجة لهذه "الأفعال البطولية".
فرّ الملا عمر بعد هذه الحادثة إلى "بلوشستان" الواقعة في باكستان وعاود الظّهور مرة أخرى في أفغانستان مدججا بـ 1500 من الرجال المسلحين، بهدف توفير الحماية لقوافل التّجار الباكستانيين لعبور الأراضي الأفغانية مرورا إلى تركمانستان، إلا أن التقارير كانت تفيد بأن هذه القوافل لم تكن إلا مقاتلين باكستانيين متخفين كقوات "طالبان" بعد أن تلقت دعما ماديا، وعتادا من الباكستانيين.
بعد السيطرة على قندهار وما حولها، هاجمت" طالبان" قوات إسماعيل خان المتمركزة في غرب البلاد وتمكنت من السيطرة على مدينة هيرات في أيلول/ سبتمبر عام 1995.
وفي شتاء نفس العام، حاصرت "طالبان" العاصمة كابول وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطعت الطرق التجارية المؤدية إلى كابول، ما استدعى كلا من رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار المتناحرين إلى التوقف عن القتال فيما بينهما وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك "طالبان" في أيلول/ سبتمبر عام 1996، وترك حكمتيار ورباني كابول واتجها شمالا وتخليا عنها لتقع في يد "طالبان" التي تسلمت مقاليد الأمور في العاصمة وأنشأت "إمارة أفغانستان الإسلامية".
بعد وصول طالبان إلى كابول، انتخب الملا عمر بالإجماع أميرا للحركة رسميا ولقب بـ"أمير المؤمنين"، ومنذ ذلك اليوم تعتبره الحركة أميرا شرعيا لها، له في نظر أتباعها جميع حقوق الخليفة، فلا يجوز مخالفة أمره، وهذا ما أعطاه صبغة دينية، وقد حجبوه عن أنظار عامة الناس ليحافظوا على هيبته بين العامة.
واعترفت باكستان بـ"طالبان" كحكومة شرعية في أفغانستان وتلتها العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكانت "طالبان" تتحكم بمعظم الأراضي الأفغانية باستثناء الجزء الشمالي الشرقي الذي فرضت قوات "التحالف الشمالي" سيطرتها عليه.
لم تعترف باقي دول العالم بـ"طالبان" كممثل شرعي في أفغانستان، ومن بينها الأمم المتحدة التي كانت لاتزال تنظر إلى برهان الدين رباني كرئيس.
وفي عام 2001، أثار الملا عمر زوبعة عالمية عندما أصدر أمرا بهدم التماثيل البوذية القابعة في مدينة باميان لتناقض التعاليم الإسلامية والأصنام، وفقا لبيان "طالبان"، ولم يعر الملا عمر بالا للمطالب الدولية وحتى الإسلامية بعدم هدمها كونها معالم أثرية.
في أيلول/ سبتمبر عام 2001 ونتيجة ضغوط دولية من أطراف عديدة سحبت كل من السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة "طالبان" ما ترك باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001، قامت الولايات المتحدة مدعومة من قبل بلدان أخرى بغزو أفغانستان لرفض حركة "طالبان" تسليم أسامة بن لادن بعد ادعاءات أمريكية بتورط ابن لادن بتفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001، وقامت قوات تحالف الشمال بخوض معارك برية واحتلت أفغانستان وأزاحت حركة "طالبان" من دفّة الحكم.
ومع سقوط "طالبان"، فقد اختفى الملا عمر، ولم يعرف عنه شيء منذ ذاك الوقت، وتفيد مصادر متطابقة بأن الملا عمر لجأ إلى باكستان بعد سقوط نظام طالبان عام 2001.
ونشرت "طالبان" في نيسان/ أبريل الماضي، سيرة ذاتية مفصلة لزعيمها الملا عمر، في خطوة مفاجئة، يعتقد أنها كانت تهدف إلى مواجهة تزايد نفوذ "تنظيم الدولة" بين عناصرها وتبديد الشكوك حول وفاته.
واحتفالا بمرور 19 عاما على تولي الملا عمر زعامة الحركة، نشرت الحركة السيرة الذاتية على موقعها.
وجاء في السيرة الذاتية أنه "رغم رصد العدو المنتظم له، فلم تحدث تغيرات كبيرة أو عرقلة في الأعمال الروتينية التي يقوم بها الملا عمر من حيث تنظيم النشاطات الجهادية كزعيم للإمارة الإسلامية".
وأضافت أنه "يتابع النشاطات ضد الغزاة الأجانب المتوحشين الكفرة".
ووصفته بأنه "صاحب شخصية كارزماتية"، وأدرجت عددا من الحكايات التي تصف شجاعته في ميدان القتال، وذكرت أن سلاحه المفضل هو قاذفة الصواريخ "آر بي جي 7".
وبعد ثلاثة أشهر على نشر السيرة الذاتية للملا عمر ونحو 14 عاما على اختفائه، أعلن المتحدث باسم الاستخبارات الأفغانية حسيب صديقي، أن الملا عمر زعيم " طالبان" توفي قبل عامين.
وقال صديقي: "الملا عمر مات، لقد توفي في مستشفى في كراتشي في نيسان/ أبريل 2013 في ظروف غامضة".
وكان مسؤول كبير في الحكومة الأفغانية أعلن في وقت آخر أنه "توفي نتيجة المرض قبل عامين ودفن" في جنوب أفغانستان حيث يتحدر.
ومع رحيل الملا عمر، يتوقع مراقبون أن تتفكك "طالبان"، وأن يلتحق أتباعها بتنظيمات أخرى وتحديدا "تنظيم الدولة" و"القاعدة" لأن الحركة بدونه لن تقوى على الصمود طويلا.
وزعمت تقارير صحفية أن ابن الملا عمر في وضع يؤهله لقيادة الحركة التي تحارب الحكومة المدعومة من الغرب.. غير أن "طالبان" قطعت الشك باليقين حين أعلنت انتخاب الملا أختر محمد منصور نائب الملا عمر، زعيما جديدا لطالبان، بعد تأكيد أنباء وفاة الأخير.
وعلى أثر تأكيد الخبر، فقد تأجلت الجولة الثانية لمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وكان من المقرر أن تنعقد في باكستان أواخر الشهر الماضي.