نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا عن الأوضاع الميدانية في
سوريا وتطورات الموقف الفرنسي، حذرت فيه من أن
تنظيم الدولة يمكن أن يكون المستفيد الأبرز من تدخل بري فرنسي ضده، على اعتبار أن ذلك سيمنحه شرعية هو يبحث عنها، وسيمكنه من تقديم نفسه في ثوب المدافع عن المسلمين من الغزو الغربي، وهو ما حصل في العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث انتعشت الحركات المسلحة بسبب التدخل الأجنبي وبسبب الفوضى.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته"عربي21"، إن القرار الفرنسي القاضي بالمشاركة في الضربات الجوية في سوريا، بالإضافة إلى مشاركتها في الضربات في العراق منذ أيلول/ سبتمبر 2014، يُعدّ نتيجة للتطورات الجديدة للصراع الدائر في سوريا، فهذه الصراعات بين التنظيمات المسلحة والنظام الذي استعمل أسلحة كيميائية في آب/ أغسطس 2013، تجاوز تأثرها النطاق المحلي، وتحولت إلى صراعات دولية أيضا.
فقد ساندت
فرنسا بشدة موقف المعارضة السورية، ودفعت باتجاه تكوين حلف دولي ضد النظام السوري، قبل أن يتراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بصورة مفاجئة، عن موقفه بعد استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، نتيجة المفاوضات الأمريكية الروسية.
كما أن الصراع الدائر في سوريا لم يؤثر على دول الجوار السوري فقط، بل كانت له تداعيات أيضا على قلب أوروبا، من خلال الموجات الهائلة من الوافدين الذين يسعون لطلب اللجوء.
وقالت الصحيفة إن هذا الوضع الجديد يتطلب استجابة سياسية من الاتحاد الأوروبي من أجل التحكم في العدد الهائل لطلبات اللجوء، بينما تدعم فرنسا وبريطانيا بشدة تدخلا عسكريا، باعتباره الحل لمجابهة تنظيم الدولة، رغم ما تشهده أوروبا من انخفاض حاد في ميزانيات الدفاع.
وقال التقرير إن الخطاب المعلن الداعي إلى ضرورة "التصدي للإرهاب" في سوريا يبدو أمرا ذا أهمية كبرى للدول الغربية، في ظل وجود مقاتلين أوروبيين في صفوف تنظيم الدولة، بالإضافة إلى الإشارة السيئة التي تحملها تصرفات التنظيم الأخيرة، خاصة بعد قيامه بتدمير آثار قديمة في تدمر.
وقد تعودت فرنسا خلال السنوات الأخيرة على المشاركة في الضربات العسكرية تحت شعار محاربة الإرهاب، على غرار تدخلها في مالي والعراق، وإصرارها الكبير على ضرورة توجيه ضربات في ليبيا، في الفترة الممتدة بين أيلول/ سبتمبر 2014 وكانون الثاني/ يناير2015.
وذكرت الصحيفة أن هذا التدخل الفرنسي سيسبب تعقيدات كثيرة، لأن أي تدخل عسكري يعدّ وقوعا في فخ تنظيم الدولة، الذي سيسوق نفسه حينها على أنه تنظيم يدافع عن السوريين ضد التدخل الأجنبي.
ويذكر أن أول لظهور لهذا التنظيم كان في العراق، إثر التدخل الأمريكي في سنة 2003، وما نجم عنه من فوضى. ويعدّ تنظيم الدولة تنظيما فقاعيا، يكبر ويتغذى من التغاضي المتواصل للدول الكبرى عن النزاع الدائر في سوريا، والتدمير الذي شهده العراق إثر سقوط نظام صدام حسين، كما تقول الصحيفة.
واعتبر التقرير أن حل هذه المعادلة يبدو أمرا معقدا؛ إذ تطرح التجاذبات الأمريكية الأخيرة تساؤلات حول جدوى العمليات الجوية ضد تنظيم الدولة في العراق. فعلى أرض الواقع، تسبب هذه الضربات أضرارا جانبية هائلة، وهي أضرار ناجمة عن محاولات مفترضة لاستعادة مدينة الموصل ومصفاة بيجي النفطية الاستراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه الجيش العراقي صعوبات جمة رغم الدعم الذي توفره له المليشيات الشيعية التي لا تتوانى عن ارتكاب انتهاكات خطيرة، في غياب إصلاحات عميقة داخل جهاز الدولة العراقية، والعجز عن تحسين الحياة اليومية للمدنيين، بالإضافة إلى أزمة انقطاع الكهرباء المتواصلة خلال هذا الصيف في العراق.
وذكر التقرير أن روسيا قامت مؤخرا بطرح مشروع تحالف منافس لمشروع التحالف التركي، لمجابهة تنظيم الدولة، يضم كلا من النظام السوري وتركيا والسعودية، إلا إن هذا المقترح جوبه بالرفض.
كما راجت مؤخرا معلومات حول تقديم روسيا لدعم جوي للنظام السوري بقيادة طيارين عسكريين روس. وتفيد التحليلات الأولية للاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في تموز/ يوليو الماضي، بوجود تقارب أمريكي إيراني، رغم المخاوف من أن إيران تحمل مشروعا توسعيا لإقامة الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي تضم داخل حدودها المملكة العربية السعودية. وتعتبر إيران أن سوريا هي نقطة ارتكاز مهمة تمكنها من تدعيم نفوذها في المنطقة.
واختتمت الصحيفة بالقول إن التصعيد الأخير في الموقف السياسي الفرنسي سيكون له تأثير محدود، وإن تداعياته السلبية على فرنسا ستكون كبيرة، ما لم تسارع هذه الأخيرة بإعادة النظر في أبعاد مشاركتها في الحلف الأمريكي ضد تنظيم الدولة.