يجد الخبراء الأميركيون أن الوجود العسكري الروسي في سوريا من حيث المستوى والنوع بأنه يهدف بالأساس إلى حماية القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية، وقد أثار وجود الطائرات الروسية في سوريا بعض التساؤلات الأمريكية عن نوايا موسكو التي اعتمدت- حسب تقديراتهم- على قرارات
روسيا على المدى البعيد.
على الصعيد السياسي مازالت المباحثات مستمرة بين وزير الدفاع الأمريكي "آشتون كارتر" ونظيره الروسي "سيرغي شويجو" بشأن سوريا، وحسب تصريح جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "بيتر كوك" أن أي إجراء لموسكو لا يتوافق مع مجابهة تنظيم الدولة الإسلامية والدفع بحل دبلوماسي للأزمة في سوريا لن يتم التعامل معه.
"كارتر" الذي يبحث اليوم مع روسيا عن آليات تفادي الصدام في سوريا وكيفية التصدي لتنظيم الدولة، هو بعبارة أخرى يحاول الالتفاف حول واقع التواجد الروسي في سوريا وتوظيفه لما يخدم عمليات التحالف ضد تنظيم الدولة، فالتصريحات الخارجة عن البيت الأبيض فضفاضة وغير مريحة لحلفاء واشنطن سواء من الدول العربية أو الغربية المتأثرة من أزمة الصراع في سوريا.
الوضع غير متشابه إطلاقا مع ما جاء عن حكومة نتنياهو التي بدورها تخوض نفس المعارك الدبلوماسية مع روسيا، وتحت نفس العنوان "تفادي الصدام" و"التصدي لتنظيم الدولة".
ففي الوقت الذي يهرول فيه نتانياهو لإغراء الدب الروسي بالعسل الأسود على الأراضي السورية مقابل حفظ الأمن والاستقرار لحدود مستعمرته الشمالية في سوريا ولبنان، تحاك اتفاقيات لتوحيد الأهداف وتنسيق العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، وفقا لما جاءت به الصحف العبرية حول موضوع الزيارة التي قام بها نتنياهو لروسيا الأسبوع الفائت، فالهدف الأول منها يكمن في الوصول إلى اتفاق يمكّن من تنسيق التحركات العسكرية في سوريا، للحؤول دون وقوع صدامات بين قوات الجانبين في الأجواء السورية، وأما الهدف الثاني فيتمثل بمنح الطيران الحربي الإسرائيلي حرية الحركة في الأجواء السورية لإحباط أي محاولة لتسريب أسلحة إلى المنظمات الإرهابية في سوريا وتحديدا "حزب الله".
فما أُعلن على أنه مطالب نتنياهو لبوتين يظهر لنا نية إسرائيل تنفيذ ضربات جوية على الأراضي السورية في الفترات القادمة، والأكثر من هذا فهي -كما أشرنا في مقالات سابقة – تسعى لكسب تأييد وشرعية لتدخلها في القرار السوري، كيف لنا أن نتوقع غير ذلك ونحن نعلم كم يسيل لعابها على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية منذ نشأتها، عسى أن تحقق أحلامها العتيقة وتنتقل من إسرائيل الدولة الفتية إلى إسرائيل الكبرى.
وما نستغرب له أن إدارة أوباما مازالت تتحايل على حلفائها العرب باستخفاف، متجاهلة أن سياستها باتت مكشوفة وتصريحاتها فقدت أي وزن لها، أما دبلوماسيتها اليوم فلم تعد بمرونة الأمس، بل باتت تمثل سياسة كسيحة، عاجزة حتى عن حفظ توازنها.
ففي حين يخرج علينا السيد كيري ليقول إن التعزيزات الروسية هي تحديدا لحماية القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية، نجد حكومة نتنياهو تعلن جزءا مما تضمنته ورقة مفاوضات مع بوتين كان منها مطلب بمنح الطيران الحربي الإسرائيلي حرية الحركة في الأجواء السورية هذا المطلب تحديدا يمكن أن نعتبره مؤشرا على حقيقة النفوذ الروسي اليوم على سوريا فهو أولا: إقرار رسمي بسيطرة كاملة للقوات الروسية على الأجواء السورية، وثانيا: هو إقرار كامل بأن روسيا اليوم هي صاحبة القرار الفصل في أي عبور جوي أو بحري إلى داخل سوريا، واعتراف من قبل إسرائيل بالمستعمرة الروسية الجديدة على الأراضي السورية.
وهنا قد نتساءل: أوليست هذه بداية أفول نجم البيت الأبيض لحساب القيصر الروسي؟
إذ لم يعد وصف التصريحات الخارجة عن البيت الأبيض بالضيقة والمضطربة دقيقا بالحد المطلوب وإنما أقل ما يمكننا أن نصفها به، أنها تصريحات "فاضحة"، " كسيحة"، و"مخلة" بآداب وقواعد الحلفاء المتعاهد عليها.
وعلى هذا باتت روسيا اليوم صاحبة القرار الحاسم في سوريا، وأغلب السياسات الدولية اليوم تسعى للتفاوض معها، إما بذريعة تجنب الصدام أو بحجة تنسيق العمليات لصد الطريق أماما تنظيم الدولة والتنظيمات الإرهابية التي تثير قلق المجتمع الدولي، وتحجيمها بغية القضاء عليها لاحقا. أما الأسد الذي يَعتقد حسب وصف وزير الخارجية البريطاني الأسبق "دايفيد ميليباند" أن التواجد الروسي ما هو إلا حبل لإنقاذه، يبدو أن ذلك الحبل لف حول عنقه إلى أن قطع آخر نفس له.
تحدث السيد ميليباند في لقاء صحفي مع "سي إن إن" قائلا: إن خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العسكرية في سوريا تعتبر دليلا على الضعف الذي وصل إليه نظام
بشار الأسد الذي ينظر إلى ذلك على أنه حبل الإنقاذ.
وأكمل؛ أنه لا يستبعد فكرة أن الروس يحضّرون لنقاش جدي مع أمريكا حول خروج بشار الأسد، فالأسد اليوم حسب تعبيره أصبح مشكلة للروس فيما يتعلق بالإسلام المتطرف الذي يأتي من سوريا، والطريقة التي قوّى فيها الأسد نفوذ المتطرفين بل راعى ظهور تنظيم الدولة، وهو الأمر الذي يعتبر الأهم بالنسبة لروسيا.
إذا؛ فعلى ما هو واضح اليوم أن الأسد لم تعد أيامه معدودة كما قال أوباما قبل أربع سنوات، ولم يعد الكيماوي- الذي قدمه عربون بقائه على رأس العصابة الحاكمة في سوريا- خطا أحمر لرحيله، وإنما مازال رأسه واجهة شرعية للاستعمار
الإيراني- الروسي لسوريا إلا أن تُخط صيغا أكثر لباقة للاستعمار الروسي – الإيراني وربما الإسرائيلي لاحقا.