يقول روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت": "لم يرسل فلاديمير
بوتين جنوده إلى
سوريا لمجرد إظهار تضامنه مع بشار
الأسد، ولم ينقلهم جوا إلى قواعد حول طرطوس لإبقاء الأسد في الحكم، فهذا مفروغ منه، وبوتين ليس قلقا بأنه سيخسر الميناء الوحيد الذي تسيطر عليه
روسيا على المياه الدافئة للبحر الأبيض".
ويضيف الكاتب أن "بوتين يسعى إلى تحقيق انتصار؛ فالجيش السوري، الذي هو المؤسسة الوحيدة التي يعتمد عليها النظام، بل وأجهزة الدولة كلها، تتم إعادة تسليحه وتدريبه لهجوم عسكري خطير على
تنظيم الدولة، هجوم يكون له صدى رمزي لا على مستوى الشرق الأوسط فقط، بل على مستوى العالم. ودائما ما يتم تأخير الخطط، وعند إطلاق أول قذيفة مدفعية تتعثر تلك الخطط. ففي سوريا تتغير تفاصيل العمليات كل يوم وكل ليلة. ولكني أميل للرهان على تخمين مستنير بأنه يتم إعداد الجيش السوري لاستعادة مدينة تدمر الرومانية القديمة من الإسلاميين".
ويشير فيسك إلى أنه "يتم إعداد الطائرات الروسية المقاتلة والصواريخ المضادة للدروع، وربما دبابات (تي-90) الروسية للتضاريس الصحراوية. وتقع إحدى أحدث قواعد الطيران السورية على بعد أقل من 50 ميلا من تدمر على الشارع الرئيسي شرق حمص، وكان الجيش السوري يخطط لأشهر طويلة لهجوم حول المدينة. وقبل أسابيع قليلة أجل هجوما؛ خوفا من قيام تنظيم الدولة بتدمير بقية المدينة الرومانية. ولكن هذه المخاوف تضاءلت قيمتها الآن؛ لأن تنظيم الدولة أظهر بأنه لا مانع لديه من تدمير المعابد الرومانية ودون وجود أي هجوم عسكري على قواته".
ويقول الكاتب إنه "يجب التذكير الآن أنني ملتزم (بالتخمين المستنير)، الذي ذكرته آنفا. على النظام الحفاظ على حلب حتى لا تقع في يد تنظيم الدولة، وتعلن مباشرة عاصمة للخلافة في سوريا. كما أن على الجيش السوري الإبقاء على الطريق إلى لبنان وجبال القلمون على الحدود اللبنانية مفتوحا. وألا يسمح لتنظيم الدولة باحتلال أي بلدات، ولكن تدمر على رأس القائمة لنيل شرف (التحرير) من تنظيم الدولة".
ويجد فيسك في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "يمكن للتاريخ أن يتشكل خلال الثلاثة أسابيع القادمة، ولكن لأن معارك الشرق الأوسط كلها يتغير توقيتها، فقد لا تقع المعركة حتى بدايات تشرين الثاني/ نوفمبر، قبل أن تجتاح الأمطار القادمة من العراق الصحراء. فمدينة تدمر لؤلؤة يجب استعادتها؛ لأن العالم أبدى قلقه وبكل تبلد على الآثار الرومانية فيها، أكثر من قلقه على سكانها، وسجل سقوط المدينة في يد تنظيم الدولة في شهر أيار/ مايو الماضي انتصارا كبيرا للتنظيم".
ويستدرك الكاتب بأنه بالنسبة لبوتين فإن "هجوما مثل هذا سيشكل رمزا مهما للنفوذ الروسي الجديد في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لأوباما وكاميرون وبقية الزعماء الغربيين، الذين تخبطوا في سوريا لأربع سنوات دون خلع الأسد أو هزيمة تنظيم الدولة، فستكون استعادة تدمر بمساعدة روسية درسا مهينا لهم. فقد يكون وضع الثقة في موسكو، ولنذكر أن السيسي استضاف بوتين في دار الأوبرا في القاهر قبل عدة أشهر فقط، لأي زعيم في الشرق الأوسط خيارا أفضل له من الاعتماد على الدعم الغربي".
ويرى فيسك أنه من ناحية سياسية فإن "انتصارا في تدمر سيشعر الأسد بأمن في نصفه من سوريا، وقد بدأ الأمريكيون والبريطانيون بالمراوغة حول دور انتقالي للحكومة الروسية، والمرحلة الانتقالية كما نعرف كلنا قد تستمر سنوات. ولا يمكن لبوتين أن يلقي بالمساعدات الروسية في خندق الموت السوري، ليسمح بخلع حليفه في دمشق. حليفه في أوكرانيا هرب، ولكن الأسد لم يهرب إلى روسيا خلال أربع سنوات، ولم يبق في دمشق حتى يحال على التقاعد، ويؤدي دورا انتقاليا فقط".
ويتساءل الكاتب: "ماذا بعد تدمر؟ استعادة معظم مدينة حلب، وهو مشروع أكثر خطورة، أو العودة إلى مدينة إدلب، أو حتى محاولة أخذ الرقة، (عاصمة) تنظيم الدولة. وبالتأكيد مساعدة الحامية المحاصرة في مدينة دير الزور الصحراوية. ولكن هناك جنيا أسود يتحرك في صحراء سوريا ولا يعطي الميداليات للشجعان ولا للمتهورين. فإن كانت روسيا وسوريا قد جهزتا خططا، فلابد أن تنظيم الدولة لديه عمليات آخرى في باله، مثل هجمة في وسط دمشق، كما حاول الثوار قبل ثلاث سنوات".
ويبين فيسك أن السؤال الآن "هل بإمكان روسيا أن تنسى أشباح أفغانستان في سوريا. فلا يمكن السيطرة على صحراء، ولا يستطيع أسطول الطيران الروسي هزيمة تنظيم الدولة وحده. وعلى الأقل يجب ألا يتشابك مع جيران سوريا، وهو السبب في الغالب للقاء نتنياهو مع بوتين؛ وذلك لضمان عدم إساءة فهم إسرائيل لمعنى طيران روسي مرتفع إلى الشمال الشرقي من الجولان. إن استعادة سيطرة النظام، حتى على تدمر، لن تقود إلى المرتفعات المشمسة. إن بوتين والأسد لا يخططان لأي ديمقراطية برلمانية في الطريق إلى دمشق".
ويخلص الكاتب إلى أنه "إذا تم تقليم أظافر تنظيم الدولة، ومعه مقاتلو الشيشان الذين يكرهون بوتين، سيصبح لزاما على أمريكا والناتو أن يتفاوضا من موسكو على مستقبل سوريا. وذلك كله سيكون وكأنه لعنة بالنسبة لمئات آلاف اللاجئين السوريين، الذين ينزفون من بلدهم في رحلة طويلة إلى الشمال عبر البلقان".