كتب سرمد الطائي: يسأل
العراقيون: بمن نثق اليوم، بواشنطن أم بموسكو، في حربنا على داعش؟ ويبدو لي أنه سؤال خاطئ، لأن موسكو وواشنطن لا ينتظران منا أن نثق بهما، بل هما يدخلان ويخرجان كما يحلو لهما.
تعلم موسكو أن بغداد عاجزة عن قبول أو رفض، ما تريده واشنطن، رفضا أو قبولا جديا. وتعلم واشنطن أن بغداد عاجزة عن رفض موسكو أيضا. أما طهران فهي الأكثر خبرة بنا من الطرفين، وهي بلد يتعاون مع موسكو ويشجعنا على ذلك، ويتقرب من واشنطن ولا يشجعنا على ذلك. ونحن بلد التزم بتعهدات متناقضة مع الثلاثة، ولا نعرف كيف نلتزم بذلك.
أمريكا (وروسيا أيضا) ليست جمعية خيرية لتساعدنا. نعم، وهي كذلك ليست جمعية خيرية لتتفرج مكتوفة الأيدي على بلد حيوي كالعراق. ولذلك فإنها ستتدخل شئنا أم أبينا، حين تجد فراغا سياسيا كالذي تركه صدام حسين، أو نوري المالكي. والمقصود بالفراغ انعدام التدابير اللازمة لإدارة القضايا الأساسية.
ولذلك من الخطأ أن نسأل: هل نثق بأمريكا أم لا؟ بل ينبغي أن نسأل: سواء وثقنا بها أم ارتبنا، هل يمكن وضع خطة لتقليص الضرر مع دولة تنام في مخدعنا وفي مخدع معظم بلدان العالم، وهي صاحبة أكبر حلف علمي واقتصادي وعسكري في الدنيا؟ إن جوارنا الإيراني لا غيره، قدم مليون تنازل للتصالح مع أمريكا، ووافق على صب الإسمنت في مفاعل أراك النووي لتعطيله، بهدف إرضاء واشنطن (حسب نص الاتفاق النووي المنشور بنسخته الروسية)! لكننا لم نشهد سجالا وطنيا بين الخبراء والساسة يمتلك جدية في هذا الإطار.
أهل العراق يسألون الآن: موسكو أفضل أم واشنطن؟ ولكن يمكن لإيران جزئيا، أن تمنحنا نوعا آخر من القواعد، فهي تعمل بجد مع
روسيا، وتقترب أشد الاقتراب من أمريكا. من يضبط هذه المعادلة في العراق؟ الدولة، أم "اللادولة"؟ إفلاس الاقتصاد، أم غموض الإصلاحات، أم ناقصو الخبرة المتنفذون؟
قبل ثلاثة أعوام كنت زائرا لأمريكا ضمن وفد، للاطلاع على الانتخابات الرئاسية حيث فاز أوباما. وضمن البرنامج التقينا سيناتورات حزب الرئيس، في نيويورك وأطلنطا ونيوهامبشير. وكانت أمريكا قد سحبت قواتها توا من العراق (لتسمح للمالكي بالبدء باحتفالات الأخطاء الرهيبة). كنت أقول للسيناتورات:
ستعود فيالقكم إلى العراق. وكانوا يردون بغضب: أرجوك، لن نعود. وأتذكر أنني تراهنت مع عجوز فاضلة يسارية تقول إنها صديقة لأوباما، بشأن عودة عساكر أمريكا، ولم أكن كاهنا أقرأ الطالع، بل طلبت منها أن تتذكر أن العراق خط تماس حدودي بين نفوذ روسيا ونفوذ المعسكر الغربي: إذا تركتموه للفوضى سيهبط فيه الدب الروسي.
وقد تركونا للفوضى حقا، بين 2012 و2014، وبدم بارد. وعلينا امتلاك خطة لتقليل الخسائر، ونحن مقبلون على موسم خسارات معتبرة كما يبدو، في عموم المنطقة.
(عن صحيفة المدى العراقية- 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)