هذا هو حال حرب انخرط فيها
العراق منذ نحو 40 عاما، مهما اختلفت الجبهات التي كانت مشيدة بتلال من الكذب.
يتمنى "المحاربون" أن تنقسم صفوف الخصم ويتفرق أهله إلى أقسام، كي يضعف. أما داخل المواجهة
الطائفية في المنطقة، فيظهر أمامنا نموذج مختلف. فالسني المتحمس للقتال، لا يريد أن يصدق بوجود اتجاه شيعي معتدل يعول على دوره، سواء اليوم أو غدا. وبالمقابل فإن الشيعي يتمنى أن يتوحد السنة! فحين نقول له أن المجتمع السني منقسم، فريق يؤمن بداعش ولا نحاوره، وفريق مناهض لداعش يجب أن نتفهمه... فإن صاحبنا يرفض ذلك، ويأخذ بتأكيد أن الحل السياسي معناه التفاوض الخياني مع داعش!
إنسان الشرق الأوسط هذا، لا يتمنى أن يكون خصمه الطائفي منقسما بين متشددين ومعتدلين. يريد أن يرى السنة "موحدين" تحت راية داعش. وهي تعكس رغبة بمحو كامل للطائفة الأخرى، لان مستوى الكراهية المتبادلة بلغ حد الانفلات.
وربما يتطلب الأمر أن نتفق على أننا بحاجة إلى حوار مع المجانين الشيعة والمجانين السنة، الموصوفين أعلاه، لانهم مصدر المال والدم والحماسة الطائفية التي تديم النزاع وتؤججه. بيد أنه يجب أن نطرح سؤالا كبيرا: هل يمكن الحوار مع المجانين الموصوفين هنا؟
إن القضية تتعقد، وتكشف لنا أنه يجب التفكير كثيرا في الوسائل التي تنتج الهستيريا الجماعية الدموية داخل الجماعة السياسية. وهذا يحتاج حوارا متواصلا مع المجانين المنتجين للهستيريا. خاصة أن هذا النوع من الجنون سيقتل داخل الطائفة أكثر مما يقتل خارجها، في معظم الحالات. ومعظم ضحايا داعش في هذه الحرب مثلا سنة!
إننا نعتب على المجانين ونرمي بالذنب عليهم في الحرب. إلا أن علينا أن نستفهم: ماذا عن عجز
العقلاء؟ ففي المحصلة يمكن القول داخل مجتمع يحارب منذ نحو 40 عاما، إن أنصار الحرب فشلوا في الوصول إلى نتيجة تستحق. لكن في المقابل فإن أنصار السلام لم ينجحوا أيضا في تحقيق متطلبات السلام.
معنى هذا أننا لسنا وحسب أمام مشكلة رجحان كفة الجنون على العقل، بل أإن العقلانية العراقية نفسها لا تمتلك سوى طموحات بسيطة، لذلك لم تتحول العقلانية السياسية والاعتدال واللاتعصب إلى تيار اجتماعي قوي، وأحد المؤشرات على ذلك أن كثيرا من الزعماء المتعقلين في كل الأطراف يتحدثون عن التعقل بحياء شديد، ويصمتون في العديد من اللحظات الصعبة.
ولأن فاتورة الحرب بالنسبة لدول فقيرة وضعيفة ومستهدفة أمر لا يطاق، فإننا عما قريب ربما سنجد كثيرا من المتشددين يتحدثون عن ضرورات السلام. وحين يبرمون صفقة التنازلات "الانبطاحية" سيطرح كثير من ضحايا الحرب سؤالا مدويا: لماذا إذن لم تتصالحوا مبكرا؟ ولأن المجنون "تيار، لا فرد" فإنه لن يضطر لتوفير إجابة، لأن هذا التيار سيأخذ استراحة قصيرة ثم يشن حربا جديدة، كما حصل دائما معنا.
(نقلا عن صحيفة المدى العراقية)