كشف ناشطون في
دمشق عن تكليف النظام السوري لجنة مختصة، تابعة لوزارة العدل، لتقصي المنازل الفارغة ضمن أحياء العاصمة دمشق، ممن هجر أصحابها بفعل الحرب الدائرة في البلاد، أو اعتقلوا أو قتلوا، لتسليم هذه البيوت للمقاتلين
الشيعة وعائلاتهم القادمين من إيران والعراق ولبنان، ودول أخرى.
وذهب الناشط الإعلامي "عاصم" من مدينة دمشق، وهو أحد العاملين ضمن مكاتب العقارات، إلى أن ما تم تسليمه من منازل ضمن أحياء دمشق؛ للمقالتين الشيعة وعائلاتهم، كان بشكل شبه سري وغير قانوني، حيث تم ذلك عبر لجنة مكلفة بالبحث عن البيوت الفارغة بعد مراقبة المكان، ثم تقصي أوضاع المنزل، ومكان أصحابه، ومن ثم تسليمه إلى أحد المقاتلين.
وأكد عاصم لـ"
عربي21"؛ أنه خلال الفترة الأخيرة تم تسليم العديد من المنازل ذات المواقع المميزة، مثل شارع "برنية" وأزقة دمشق القديمة، عقب مراقبة المقاتلين وأفراد اللجنة لهذه المنازل، مشيرا إلى أن "تسليم البيوت الدمشقية إلى المقاتلين الشيعة من أصحاب الجنسيات المختلفة، هو أمر يجري في غاية التكتم والسرية، ونحن نستطيع كشف ذلك بحكم عملنا ضمن مكاتب العقارات وتأجير المنازل، وتواصلنا مع بعض أصحاب هذه البيوت من المهجرين إما داخل
سوريا أو خارجها"، بحسب قوله.
ويضيف عاصم: "ما تم تسليمه من منازل بشكل علني إلى الجنسيات العربية والآسيوية من الشيعة، كان في بلدة السيدة زينب، وبلدات حجيرة والذيابية والحسينية والبويضة والبلدات القريبة منها، حيث بات يعرف ريف دمشق الجنوبي والشرقي والبلدات الخاضعة لسيطرة قوات النظام والقوات المساندة له من قبل أتباع المذهب الشيعي، ضمن محيط العاصمة دمشق، باسم "حرم المقام" نسبة إلى مقام السيدة زينب".
وتتمتع هذه المناطق بقدسية لدى هذا الطيف المسلح؛ الذي يتذرع بالدفاع عن المقدسات، و"حماية العقيلة زينب". ومع مرور سنوات الحرب الأربعة، استقطبت تلك المناطق مسلحي الشيعة، لتصبح معقلا أساسيا لمقراتهم ومعسكرات التدريب وتخريج المقاتلين قبل توزيعهم على كافة الجبهات السورية، لمواجهة كتائب الثوار.
وكان النظام السوري قد أصدر قانونا يسمح فيه بمصادرة أملاك من يسميهم بـ"مساندي الإرهاب"، أي المعارضين للنظام، كاستملاك منزل الإعلامي فيصل القاسم، والمعارض ميشيل كيلو، ورجل الدين المنشق محمد حبش، والإعلامي المنشق توفيق الحلاق، والإعلامية علا عباس، والفنانة مي سكاف، وغيرهم. فقد تم استملاك هذه العقارات وتوزيعها على الضباط من الطائفة العلوية، وقيادات حزب الله وإيران الذين أصبحوا يمتلكون بطاقات هوية سورية، بالإضافة إلى بطاقاتهم اللبنانية أو العراقية أو الإيرانية.
ولا تعد دمشق هي المدينة الوحيدة التي برزت فيها ظاهرة استملاك وتوطين الشيعة، بل شملت هذه السياسة أيضا محافظة حمص التي كان لها هي الأخرى نصيب واسع من المصادرات، منذ سقوط بلدة القصير الواقعة جنوب غربي مدينة حمص، والتي تبعد عن الحدود السورية اللبنانية قرابة 15 كيلو مترا، بيد قوات النظام السوري وحزب الله، كما اتهم ناشطون نظام بشار الأسد بطمس وثائق مناطق حمص، من خلال إحراق قواته لمبنى العقارات وإتلاف كافة المحتويات والوثائق التي تثبت ملكية الأراضي الزراعية والعقارات لأبناء حمص، بحسب ما أكد الناطق الإعلامي بيبرس التلاوي.
وأضاف التلاوي لـ"
عربي21"، أن "نظام الأسد، تطبيقا للمشروع الإيراني في سوريا، عمد إلى إتباع سياسة التهجير القسري ضد أهالي المدن التي تسيطر عليها قواته، ليوطن عوضا عنهم الأسر الشيعية، بعد السماح بتوافدهم عبر الحدود مع لبنان إلى الداخل السوري، وتقديم إيران الدعم المالي لما يلزم لتشجيعهم على البقاء في المدن السورية، وتوسيع النفوذ الإيراني على الحدود السورية اللبنانية من خلال تقديم مغريات السكن والعيش في تلك المدن"، بحسب قوله.
وفتح النظام السوري، بدوره، الطريق أمام عائلات شيعية للدخول إلى مدينة حمص وريفها، بهدف بناء حاضنة شيعية في أماكن تواجده عوضا عن الأهالي الأصليين، وذلك بعد الاتفاقية التي أبرمت بين كتائب الثوار وقوات النظام، والتي أفضت إلى خروج الثوار والمدنيين من مدينة حمص إلى ريفها الشمالي الذي يتعرض الآن هو الآخر لحملة عسكرية بمشاركة الطائرات الروسية.