نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده آدم تيلور، حول فرص المسلمين في
بريطانيا بالحصول على وظائف مهمة، حيث ذكر أنه بالرغم من أن المسلمين يشكلون حوالي 4% من المجتمع البريطاني، إلا أن غيابهم عن الوظائف العليا واضح جدا.
ويقول الكاتب: "إن صحت المعلومات التي صدرت هذا الأسبوع عن مركز (ديموز)، فإن الوضع صارخ، فبينما يحتمل حصول 30% من المجتمع البريطاني على وظيفة تصنفها الحكومة البريطانية من الوظائف العليا، فإن هذا الاحتمال صحيح لـ 16% من البريطانيين المسلمين، وهي أدنى نسبة لأي مجموعة
دينية في بريطانيا. كما كشف مركز (ديموز) عن أن احتمال
البطالة بين المسلمين أكبر".
ويجد التقرير أن هذا الوضع مقلق، وتبنى عليه معان كثيرة، ولا يتوقع أن يكون له حل سهل. مستدركا بأن مركز "ديموز" أشار في تقريره هذا الأسبوع إلى اقتراح سهل يمكنه أن يساعد المسلمين البريطانيين، وهو أن على الحكومة البريطانية أن تسن قانونا يفرض بأن يكون المتقدمون للوظائف في الشركات الكبيرة مجهولي الهوية.
وتشير الصحيفة إلى أن هناك عددا من الدراسات قالت إن هناك تمييزا ضد المسلمين عندما يتقدمون للوظائف في بريطانيا. ففي العام الماضي استنتج باحثون في جامعة برستول أن الدين كان أهم من لون البشرة عندما يتعلق الأمر بفرص التوظيف في بريطانيا. وتبين أن المسلمين هم الأكثر معاناة، حيث فرص الرجال منهم بالحصول على عرض وظيفة أقل من نظرائهم المسيحيين بـ 76%. بينما فرص المسلمات أقل من فرص المسيحيات في الحصول على وظيفة بـ65%.
ويذكر تيلور أن السبب خلف هذا التباين ليس واضحا، مستدركا بأنه في مقابلة مع صحيفة "إندبندنت" قدم نبيل خطاب، وهو أحد الباحثين، بعض الأفكار، فقال إن المسلمين "ينظر إليهم على أنهم خونة، ويشكلون تهديدا، بدلا من النظر إليهم على أنهم أقلية محرومة... وفي هذا المناخ سيتردد الكثير من أرباب العمل في توظيف مسلمين مؤهلين، خاصة إن كان هناك أشخاص من مجموعتهم، أو آخرين من مجموعة تعد أقل خطرا يستطيعون سد الشاغر".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الاسم، الذي قد ينبئ بأن حامله مسلم، يؤثر على فرص مقدم الطلب في الحصول على وظيفة في بدايات العملية. وتوصل تقرير برلماني عام 2012 إلى أن بعض النساء من الأقليات العرقية حاولن تغيير أسمائهن كي تظهر وكأنها "بريطانية"، لدرجة أن مسلمة قامت بتغيير اسمها في الدوائر الحكومية لتحسين فرص حصولها على وظيفة.
وتبين الصحيفة أن الحكومة البريطانية كانت قد اقترحت نظاما لتقديم طلبات الوظائف التي لا يذكر فيها اسم مقدم الطلب ولا المدرسة التي درس فيها. ووافقت مئة شركة بريطانية على النظام الذي حظي بتأييد نائب رئيس الوزراء السابق نك كليغ عام 2012، وتوجد برمجيات حاسوب لدى بعض الشركات تقوم بعملية حجب المعلومات المتعلقة بهوية مقدم السيرة الذاتية. كما أن مركز "ديموز" أشار إلى استراتيجية أخرى توظفها شركة القانون "هوغان لوفيلز"، وتسمى "التوظيف السياقي"، وتأخذ في الحسبان العوامل الاقتصادية والظروف الشخصية للمتقدمين لمساعدة المحرومين.
ويرى الكاتب أن السير الذاتية مخفية الهوية قد تكون صعبة التسويق في بريطانيا، حيث سيجد مثل هذا البرنامج على مستوى بريطانيا معارضة من بعض الشركات، ففي الماضي انتقد مديرو التوظيف مثل هذه المقترحات. فقال مدير الموظفين في شركة طيران "إيسي جت" مايك كامبل، لموقع "بيرسونل تودي" المتخصص بالتوظيف عام 2009 إن المقترح "سيكون غير قابل للتطبيق، ويجعل العملية المرهقة للمقدمين غير شخصية أكثر، وبالتأكيد فإن المقترح لا يعالج قضية التمييز".
ويوضح التقرير أن السير الذاتية المجهولة لن تمنع عملية التمييز، التي قد تحصل عندما تتم المقابلات وجها لوجه في المرحلة اللاحقة من عملية طلب الوظيفة، (حيث قالت المسلمة المذكورة آنفا، التي غيرت اسمها، إن تعامل بعض أرباب العمل المحتملين تغير عندما رأوا أنها "ليست بيضاء"). بالإضافة إلى أنها لن تؤثر كثيرا في عمليات العلاقات الداخلية غير الرسمية، التي تحصل في كثير من القطاعات، مشيرا إلى أن هذا أمر يخلق مشكلة للمسلمين الملتزمين، كما ذكر مركز "ديموز"، خاصة ما يتعلق بنظرتهم إلى الكحول، (وذلك في إشارة إلى أن معظم العلاقات غير الرسمية في الشركات تنشأ في البارات خلال فترة الغداء أو بعد ساعات العمل).
وتنوه الصحيفة إلى أن مركز "ديموز" لم يقل أن السير الذاتية المجهولة الهوية وحدها تشكل حلا للمشكلة. فهناك أسباب كثيرة جدا لقلة تواجد المسلمين البريطانيين في الوظائف العليا، فكثير من المسلمين البريطانيين هم مهاجرون حديثا، فمثلا
المسلمون البريطانيون مجتمع شاب، مقارنة بالمجتمع البريطاني بشكل عام. ومن المقترحات التي يقدمها مركز "ديموز" حث الجامعات البريطانية، خاصة مجموعة "رسل" المرموقة، على إيجاد برنامج مصمم لرفع أعداد الطلاب المحرومين في جامعاتهم.
ويعتقد تيلور أن الموضوع ضروري جدا؛ لأنه وبحسب استطلاع أجرته "بي بي سي" هذا العام، فإن 46% من المسلمين يشعرون بأن الوضع صعب بالنسبة للمسلمين في بريطانيا؛ بسبب التمييز ضد الإسلام. كما أن حوارا مهما يدور في بريطانيا حول ما إذا كان ضعف الفرص الاقتصادية هو المسؤول عن تحول المسلمين في بريطانيا نحو التطرف. ولا يوجد حاليا سوى 13 عضو برلمان مسلما في بريطانيا، وهو أعلى رقم للنواب المسلمين في تاريخ البرلمان البريطاني، ولكنه لا يشكل سوى 2% من أعضاء البرلمان، بينما عدد المسلمين يشكل 4% من عدد السكان.
ويفيد التقرير بأن هذا الحوار ليس خاصا ببريطانيا، ففي فرنسا أصدر معهد "مونتين" دراسة يوم الخميس الماضي، يقول فيها إن فرصة الرجال المسلمين المقدمين لطلبات التوظيف، إن تم التعرف عليهم على أنهم ملتزمون في الحصول على مقابلة، هو 4.7%، مقارنة بـ17.9% من أولئك الذي يتم التعرف إليهم على أنهم كاثوليك ملتزمون (كما أن هناك تمييزا ضد اليهود الملتزمين، ولكن على مستوى أقل).
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن المدهش هو أن الحكومة الفرنسية كانت قد أصدرت قانونا عام 2004 للتقليل من التمييز، يقضي بجعل السير الذاتية مجهولة الهوية، ولكن القانون لم يتم تطبيقه.