الناظر إلى أطراف النزاع في
ليبيا يدرك أنها أبعد من أن تكون مفتاح حل الأزمة الراهنة التي ارتقت درجات في سلم التأزيم بعد رفض
المؤتمر الوطني والبرلمان الحكومة والمسودة سواء.
لم يدرك كلا الجسمين التشريعيين أنهما يواجهان تحدي وجود بالنسبة لهما، فالمؤتمر في وضع صعب منذ أشهر ويفقد هيمنته على الحكومة وعلى كم كبير من القوى المسلحة على الأرض، والبرلمان انحدر إلى هوة جعلت المواطن العادي يدرك أنه لم يكن بديلا صحيحا عن المؤتمر.
الحوار اليوم في حكم المنتهي إذ استمر كل طرف في تشبثه بموقفه ومخاطرته بحاضر ومستقبل الليبيين الذي لا مستقبل زاهر يلوح لهم أمام هذا الانغلاق السياسي والتوتير الأمني. لذا فإن الخيارات الممكنة تنحصر في:
- دفع الأطراف المتنازعة إلى الاستمرار في نفس المسار الحواري، بمعنى الضغط لأجل قبول البرلمان والمؤتمر للحكومة والتوافق ومسودة جديدة، مما يعني إطالة أمد الأزمة وربما قولبتها في أشكال جديدة.
- إطلاق حوار سياسي جديد يجمع أطراف مهمة ضمن الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمجتمعيين يتجاوز أخطاء التجربة الحوارية السابقة، وهو أمر محفوف بالتحديات أهمها تحديد الأطراف التي يمكن أن تمثل الليبيين باختلافاتهم الراهنة.
- حوار بين القوى المسلحة برعاية محلية ودولية للاتفاق على خارطة سياسية انتقالية جديدة تكون هذه القوى المسؤول الأول على تنفيذها.
- التدخل الأجنبي عبر قرار أممي وتنفيذ أوروبي أفريقي عربي يدعم الحكومة المختارة من خلال فرض أحكام عرفية وتسيير البلاد حتى الاستفتاء على الدستور.
كل ما سبق ذكره احتمالات واردة وليس بالضروري قابلة للنجاح في ظل الاستقطاب الحاد، ولا غنى عن التهيئة المحلية لنجاح أفضلها من خلال تشكُل حراك من مختلف الشرائح لتجاوز الأصوات العالية التي فرضت واقعا خلال العامين المنصرمين تبين أنه أليم بكل المقاييس، ليكون الهدف الرئيسي للحراك إنجاح حكومة التوافق.
هناك إرهاصات لمزيد من التأزيم أو ربما تغيير المسار الراهن من خلال سحب البساط من تحت الممثل السياسي لطرفي الصراع، فبيان بعض نواب
طبرق بعد جلسة البرلمان الأخيرة والتي تم من خلالها الإعلان عن رفض الحكومة ورفض المسودة أظهر أن ما تناقلته وسائل الإعلام وما صرح به رئيس البرلمان وبعض النواب لا يزال محل نظر، بمعنى أن بيان الأعضاء المشار إليه يلقي بظلاله على ما قيل أنه موقف نهائي للبرلمان فيما يتعلق بالحكومة والمسودة، وهو ما يعتقده ليون بقوله أن أغلب أعضاء البرلمان لم يصوتوا. أيضا البيان الصادر عن النواب المقاطعين والذين يصل عدههم إلى ثلاثين نائبا الداعم لحكومة السراج وللمسودة الأخيرة يصب في نفس الاتجاه. مما يعني أن الانقسام انتقل إلى دوائر ضيقة داخل أطراف النزاع، ويمكن أن يكون قاعدة انطلاق لإعادة تشكيل الموقف من الحكومة المقترحة ومن المسودة.
في ما يتعلق بالموقف وبالدور الغربي والأوروبي فالمعلومات المسربة عن بعض الاجتماعات في الخارج تشير إلى إصرار أمريكي أوروبي على ضرورة قبول أطراف النزاع بالحكومة المقترحة دون المسودة، ودوافع هذا الإصرار مفهومة، لكن لم يتضح ملامح الموقف بعد الاضطراب وحالة الرفض التي جلجل صداها في غرب وشرق البلاد.
بالنسبة للدور الغربي الداعم فقد اطلعت على خبر يتعلق بالخطة التي قدمتها المفوضة العليا للسياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فردريكا موغريني، للدول الأعضاء في الاتحاد، وهي كما تم الإعلان خطة لتحقيق الاستقرار في غضون 40 يوما بمجرد إقرار حكومة الوفاق الوطني.
موغريني تتحدث عن الحاجة الملحة لتقديم مساعدات عاجلة للمساهمة في إرساء الاستقرار وتحسين الوضع الأمني في ليبيا، فقد تركزت خطتها على دعم المجالس البلدية وقطاعي الصحة والتعليم حتى يلمس الليبيون فوائد الاستقرار في مدى زمني لا يتعدى ستة أشهر، مضاف إليها برامج تدريب عناصر الجيشوالشرطةوأعضاءالنيابةالعامة، وبالقطع مسائل فنية تتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية ومجابهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وذلك ضمن سقف مالي هو 100 مليون يورو.
والرقم يعكس الخلل في الدور الأوروبي الداعم، خصوصا وأن الخطة تتعلق بالمساهمة في تحقيق الاستقرار في مدى زمني قصير، كما يشكك السقف المالي للخطة في دعاوى الدعم غير المحدود التي أعلن عنها الأمريكان والأوروبيون منذ انطلاق الحوار الوطني.