يمهّد القرار الذي اتخذه مصرف "سوسيتيه جنرال" والقاضي بإغلاق نحو 400 من فروعه، أي 20 في المئة من إجمالي الفروع في
فرنسا، لتحوّل في صيغة العمل والنشاط المصرفي في زمن الإنترنت.
ويعدّ هذا القرار بمثابة نتيجة حتمية لانتشار الخدمات المصرفية على الإنترنت من كشف حسابات وتحويلات وإرشادات، ما يوفر على المستهلك عناء الانتقال إلى أحد فروع المصرف لإنجاز معاملات أو للاستفسار.
وفي الوقت ذاته، ووفقا لصحيفة "الحياة"، فإن هذا القرار يأتي نتيجة بروز مصارف من نمط جديد في فرنسا، وهي كناية عن مصارف رقمية مثل مصرف "ب فور بنك" و"آي أن جي ديركت"، الذي يقدم شتى الخدمات التي تقدمها المصارف الأخرى، إنما على شبكة الإنترنت ومن دون الحاجة لمقرّات وفروع.
وتكمن جاذبية المصارف الرقمية في أن كلفة الخدمات التي تقدمها متدنية جدا مقارنة بالمصارف التقليدية، إضافة إلى أنها تؤمن للمستهلك الشعور بالحرية وبأنه وحده المسؤول عن كيفية التصرف بمدخوله أو مدخراته.
وأوردت مجلة "أجيفي" المتخصصة بالشؤون المالية أن المصارف ستجد نفسها مضطرة لاعتماد التحول الرقمي بحلول عام 2025 نظرا إلى الانخفاض المتزايد المتوقع لعدد المستهلكين الذين يقصدون الفروع المصرفية لإتمام معاملاتهم. وأظهرت الأرقام المتوافرة لدى اتحاد المصارف الفرنسية أن 21 في المئة فقط من زبائن المصارف يقصدون فروعها مرات شهريا، وهذه النسبة كانت أكبر بنحو ثلاثة أضعاف عام 2007، حين لم تكن الخدمات على الإنترنت شائعة كما اليوم.
ويثير هذا المنحى الجديد تخوّف موظفي المصارف حول مستقبلهم المهني واحتمال الاستغناء تدريجا عن الكثير منهم، خصوصا أن المجلة رسمت صورة جديدة لموظف المصرف في زمن التكنولوجيا الحديثة.
وأضافت "أجيفي" أن النمط الجديد من العمل في القطاع المصرفي يلغي الحاجة للتوجه يوميا إلى مقر أو فرع المصرف، والموظف سيلازم منزله ويزود بمعطيات إلكترونية متطورة تتيح له البقاء على صلة بزبائنه لمعرفة حاجاتهم وتلبيتها.
ولا يبدد تخوّف العاملين في المصارف، أن يكون مصرف "سوسيتيه جنرال" أكد أن إغلاق فروعه لن يقترن بتقليص عدد العاملين لديه وأنه سيكتفي بعدم الإقدام على توظيفات جديدة بدلا من ألفي موظف باتوا في سن التقاعد، إذ إن مصارف فرنسية تدرس خططا لتقليص نفقاتها وفروعها مثل مصرفي "كريدي أغريكول" و "بي أن بي باريبا".
وتسعى هذه المصارف للاستعاضة عن الانتشار الواسع لفروعها بتعزيز موقعها وفعاليتها على الشبكة من دون التخوف من أي انخفاض في عدد زبائنها، نظرا إلى كثرة التعقيدات المترتبة عن نقل أي حساب من مصرف إلى آخر. ولكن الهيئات المعنية بالدفاع عن المستهلكين تتخوف مما سيؤول إليه هذا التحوّل على صعيد المسنين والمرضى والمعوزين الذين ليس بوسعهم إدارة أمورهم المصرفية بواسطة الإنترنت، ما يرد عليه المسؤولون عن المصارف بالقول إن دورهم مالي بحت وليس بوسعهم لعب دور المسعفين الاجتماعيين.