نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للباحث المتخصص بالشرق الأوسط ويليام ماكانتس، يحاول فيه تحليل ما قام به
تنظيم الدولة مؤخرا، أو ادعى القيام به.
ويقول ماكانتش: "إن الدولة الإسلامية ظهرت في الأسبوعين الفائتين على أنها إحدى أكثر الدول الداعمة للإرهاب شراسة، إن كنا نصدق دعواها، فأعضاؤها قاموا بمهاجمة دولتين من الأعضاء الخمسة الدائمين لمجلس الأمن، فرنسا وروسيا. وكان الهجوم في
باريس يوم الجمعة هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وكان إسقاط الطائرة الروسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ هو إحدى أسوأ الهجمات الإرهابية ضد
روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. وفوق هذا كان الهجوم الانتحاري الثنائي في بيروت يوم 12 تشرين الثاني/ نوفمبر".
ويضيف الكاتب: "فقط في الفترة الأخيرة اعتدنا على التفكير في (الدولة الإسلامية) على أنها (دولة حقيقية)، وأقل من ذلك (دولة راعية للإرهاب). إن تنظيم الدولة كان لمعظم الوقت مجموعة إرهابية، ولكن مع تزايد قوته تصرف أكثر كأنه دولة، فلم يقم فقط باحتكار العنف في المناطق التي سيطر عليها، بل إنه قام بتقديم الخدمات، وجبى الضرائب، وأطلق على دولته "شبه دولة". ومهما كان التعبير، فإن التنظيم أصبح أكبر من مجرد مجموعة إرهابية، فهو يملك ملايين الدولارات لدعم مغامرته العسكرية في الداخل والخارج".
ويستدرك ماكانتس قائلا: "بالرغم من أن تنظيم الدولة يحمل فكر تنظيم القاعدة ذاته، الذي يدعو إلى مهاجمة الغرب، إلا أنه قضى معظم وقته في محاولة بناء الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع بعض الهجمات الإرهابية في تركيا والسعودية، وكان بإمكان المجتمع الدولي أن يستريح قليلا من تركيز التنظيم على الشأن المحلي، فمن الأفضل أن ينفق التنظيم أمواله في إنشاء بنية تحتية بدلا من تمويل عمليات إرهابية في الخارج".
ويعلق الكاتب بأنه "إن أضاف التنظيم العمليات الخارجية إلى مصاريفه الحكومية، كما تشير الهجمات الأخيرة، فإن النتائج مخيفة. فالتنظيم لديه تمويل دولة، وطموح قوة إمبريالية، وقائمة أعداء تشبه قائمة أعضاء الأمم المتحدة. فالتنظيم مثل تنظيم القاعدة، ولكنه أقل ضميرا، وأكثر قوة بشرية ومالا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "دخل التنظيم السنوي يقدر بمليار إلى ملياري دولار في العام. صحيح أن هذا لا يساوي الميزانية العسكرية لأمريكا، ولكنه أغنى من بعض الدول القائمة مثل بورما وموريتانيا. ودخل التنظيم بالتأكيد يقزم دخل تنظيم القاعدة، الذي تسبب بدمار أكبر في الخارج بتمويل أقل".
وتذكر المجلة أن "الدول تقوم عادة برعاية الإرهاب، عن طريق مجموعات تعمل بالنيابة، وتحرص على عدم افتضاح أمرها؛ خشية الرد القوي للضحايا المستهدفين، مثلما حصل في حادثة لوكربي، التي قالت التقارير إن نظام القذافي كان وراءها".
ويرى ماكانتس أن "هذا ليس ما يحدث هنا، بل إن التنظيم يعلن بوقاحة مسؤوليته عن الهجمات، وحتى إن لم تكن المخابرات متأكدة أن التنظيم وجه تلك الهجمات، فلا شك بأن التنظيم يريد أن يعلم أعداءه الأجانب أنه قادر على إيقاع خسائر كبيرة في صفوف شعوبهم. وكانت الولايات المتحدة قد فعلت ذلك على نطاق مروع في اليابان في الحرب العالمية الثانية، ونجحت في جعل اليابان تستسلم دون شروط. وتنظيم الدولة لديه طائرات وقنابل لفعل الشيء ذاته، ولكن ما عنده هو قنابل يحملها ويوجهها بشر".
ويحذر الكاتب قائلا: "من المقلق أكثر أن يكون التنظيم لم يوجه تلك الهجمات، فوجود خلايا مستقلة ومنتسبين قادرين على إحداث هذا الحجم من الدمار سيكون إيقافه أصعب؛ لأنهم لا يستقبلون تعليمات يمكن اعتراضها".
ويستدرك ماكانتس قائلا: "لا نعرف ماذا يأمل التنظيم بتحقيقه من تلك الهجمات، فإن كان يأمل في الحفاظ على الأراضي التي يسيطر عليها، فليس من الحكمة أن يستعدي أقوى أعدائه، خاصة في حالة روسيا وحزب الله، اللذين لم يمسوا تنظيم الدولة بشكل عام. ربما يعتقد التنظيم أنه يمنع المزيد من الاعتداء على الأراضي التي يسيطر عليها، أو ربما يأمل بتحقيق انتصارات إعلامية تساعده في تجنيد المزيد، أو ربما إيمانا بخطابه الرهيب حول حرب هرمجدون ومحاولة إشعالها. وكما كانت هجمات تنظيم القاعدة في 11 أيلول/ سبتمبر، قد لا نعرف أسبابها لعدة سنوات".
ويشير الكاتب إلى أن "هناك كلاما في الدليل الاستراتيجي لتنظيم الدولة (إدارة التوحش: أخطر مرحلة تمر بها الأمة)، الذي ألفه شخص يسمي نفسه أبا بكر ناجي، حول قتل المدنيين في أراضي الأعداء؛ ليمنع حكوماتهم من التدخل في مشاريع بناء الدولة، أو لاستفزازهم للرد بشدة لأجل إنهاكهم. وبحسب هذا الدليل، فإن القيود الإسلامية المفروضة تعلق خلال الحرب".
وتجد المجلة أن "تنظيم الدولة استغل الحرب الأهلية السورية، ليبدأ بالظهور بمظهر الدولة، فركز على مناطق العشائر السنية المتضررة في العراق وسوريا لبسط نفوذه والتصرف وكأنه دولة. ولذلك كان يقوم بالقضاء على منافسيه بصبر، فيغتال ويسجن. وقبل دخوله إلى الرقة قام باختطاف رئيس مجلس المدينة، وأخفى العشرات ممن توقع معارضتهم، وعندما سيطر على البلد قام بإعدام المدنيين الذين عارضوه. ولم يقم التنظيم بتطبيق (الحدود) ليظهر تقواه فقط، بل كونها وسيلة لإرهاب المدنيين وتخويفهم بأن من يعارضه يعد مرتدا وسيلقى عقوبة المرتد".
ويقول ماكانتس: "الآن قرر تنظيم الدولة تخويف أعدائه البعيدين، فكيف يجب أن يكون رد فعلهم؟ إن المجتمع الدولي لا يستطيع التعامل مع التنظيم كما يتعامل مع الدول الراعية للإرهاب؛ لأنه ليس جزءا من نظام دولي يمكن فرض عقوبات ضده وتجميد أمواله وحساباته البنكية، والإجراءات الأخرى التي كانت فاعلة ضد ليبيا لا تصلح هنا، كما أن حظر تصدير الأسلحة لن يؤثر عليه، حيث سيبقى التنظيم يكسب أسلحة من أعدائه ويشتريها من السوق السوداء".
ويجد الكاتب أنه "يجب على أعدائه البعيدين التفكير ابتداء بماذا يريدون من المعركة. فالتنظيم، مثل الدول المارقة الأخرى، يمكن احتوائه، أو حتى تدميره، وكلا السياستين لها جانب سلبي. الاحتواء يبقي الدولة المستهدفة ولكنه يضعف مقدرتها على الفعل خارج حدودها، ولكن الإرهاب يصبح وسيلة أكثر جاذبية للدولة المحتواة؛ لأنها تمتلك خيارات تقليدية أقل. والحل الآخر هو القضاء التام على الدولة، ولكن كما رأينا في العراق على مدى العقد الماضي، فإن ما قد يأتي قد يكون اسوأ بكثير من الماضي".
ويتحدث ماكانتس عن استراتيجية محاربة التنظيم فيقول: "إلى الآن اختارت أمريكا وحلفاؤها شيئا وسطا بين الاحتواء والتدمير، بالعمل مع خليط من المليشيات المحلية في العراق وسوريا، لإحكام الخناق على رقبة تنظيم الدولة، بأخذ الأراضي في الأطراف، والتوجه نحو المركز في غرب العراق وشرق
سوريا. ومع أن التقدم كان بطيئا، إلا أنه أعطى نتائج، فخسر التنظيم ربع الأراضي التي كان يسيطر عليها خلال العام الماضي. ورغم انتقاد البطء في التقدم، إلا أن هذا يعطي فرصة لأعداء تنظيم الدولة في استيعاب الأراضي التي يأخذونها من التنظيم وإحكام سيطرتهم عليها".
وينوه الكاتب إلى أن "الهجوم على المدنيين، كما شاهدنا في باريس، هدفه دفع الحكومات إلى تغيير جذري في سياساتها؛ لأن تنسحب بسرعة من المشهد، كما فعل رونالد ريغان عام 1983، عندما تم الهجوم على بناية المارينز وتفجيرها. أو برد فعل زائد، فقبل الرد على تنظيم الدولة ينبغي على أمريكا وحلفائها التفكير في مزايا وسلبيات الخيارات المختلفة قبل تغيير الطريق".
ويرى ماكانتس أن "إحدى إيجابيات هجمات تنظيم الدولة قد تكون أن تغير روسيا توجهها نحو التنظيم، حيث لم تجعل روسيا ضرب التنظيم أولوياتها إلى الآن، مفضلة ضرب الفصائل التي تحارب الأسد، وتشكل تهديدا مباشرا لنظامه. فإن صارت روسيا أكثر جدية في حرب تنظيم الدولة، وأوجدت طريقا تسرع فيه خروج الأسد، يكون تنظيم الدولة قد قدم خدمة جليلة للعالم. ويستبعد احتمال تغيير الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين لمساره في هذا الوقت، ولكن تكرار ضربات التنظيم قد يغير له رأيه".
ويعتقد الكاتب أنه "رغم أنه ليس من المتوقع أن تتوقف هجمات تنظيم الدولة في الخارج في المستقبل المنظور. وسيضعف مع سقوط دولته في سوريا والعراق، ويبقى يهاجم أعداءه البعيدين، وبإمكانه الانتقال إلى ليبيا وغيرها من الأماكن، وإن كان سيفتقر قليلا، ولكن تمويل حرب إرهابية في الخارج لا يحتاج إلى الكثير".
ويختم ماكانتس بالقول: "قد تكون هجمات التنظيم الأخيرة حفزت أخيرا توحدا في المجتمع الدولي، للعمل على منع ارتكاب فظائع إضافية، مثل تلك التي وقعت في باريس. وكنتيجة للجهود الدولية المشتركة سيشهد تنظيم الدولة انهيارا بطيئا لحكومته، وضعفا في إمكاناته للتمدد".