نشرت دورية "فورين أفيرز" على موقعها في الإنترنت تقريرا للزميل الباحث في معهد الشرق الأوسط ومؤسسة جيمس تاون في واشنطن أليكس فاتنكا، قال فيه إن مراكز القوة الثلاثة في
إيران تخوض دائما تنافسا تاريخيا لتشيكل صورة السياسة الخارجية الإيرانية، وهي: المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والرئيس والحرس الثوري الإيراني.
ويرى فاتنكا أن الصدام يبدو محتوما، وقد أشعله الاتفاق
النووي الذي توصل إليه الرئيس حسن
روحاني مع مجموعة 5+1 في تموز/ يوليو. ويخشى المرشد الأعلى أن يكون الاتفاق خطوة أولى في محاولة روحاني وخطته لدمج الاقتصاد الإيراني في الاقتصاد العالمي. وهو ما سيغير بالضرورة شكل القوة في إيران بطريقة لا رجعة فيها. ومن هنا فقد أعطى
خامنئي الحرس الثوري الضوء الأخضر لمقاومة الاتفاق.
ويشير التقرير إلى أنه من المفارقة أن خامنئي كان من فتح الطريق لروحاني كي يصل إلى السلطة. فمن خلال سيطرته على عملية الترشيح والاقتراع الانتخابية في إيران، قام المرشد الأعلى بالموافقة على ترشيح روحاني، ومن ثم انتصاره في انتخابات عام 2013. ودعم خامنئي المفاوضات وفريق روحاني، حتى توقيعه عام 2015.
ويعتقد الكاتب أن خامنئي كان بحاجة لنوع من الاتفاق؛ كي يهرب من العقوبات الدولية الشديدة المفروضة على إيران، التي وصلت ذروتها عام 2012، وهو ما هدد يتدمير الإطار الاقتصادي للبلاد.
وتذكر المجلة أن روحاني والمجموعة المقربة منه عبروا عن أهمية تخفيف التوتر مع الغرب، وهو تحرك لم يرتح له خامنئي. فهو لم يكن مهتما أبدا بعلاقات غير متوترة ومفتوحة، خاصة مع الولايات المتحدة؛ لأن عداء أمريكا هو الشعار الذي يمنح المرشد الأعلى الشرعية أمام الإيرانيين. ومن هنا فإن علاقات جيدة مع الولايات المتحدة تعني خسارة فادحة له.
ويستدرك التقرير بأنه رغم ذلك، فقد دعم خامنئي المفاوضات حول المشروع النووي لبلاده؛ لأنه كان يعرف أن إيران بحاجة إلى تخفيف الضغط المفروض عليها، وقدر أنه سيكون قادرا على المفاوضات، ومنع انفتاح العلاقات الدبلوماسية، وتحولها إلى مبرر لعودة العلاقات مع واشنطن. ولهذا قدم للرئيس روحاني الدعم السياسي الذي يحتاجه لإنهاء المفاوضات. فمثلا، في 17 أيلول/ سبتمبر 2013، وفي اليوم الذي حث فيه روحاني قادة الحرس الثوري لتقديم تنازلات في الداخل والخارج، أدى دورا مفرطا في الاقتصاد الإيراني، والموافقة على التعاون في أداء دور بالتعاون الإقليمي، قام خامنئي بدعم ما قاله الرئيس أمام الجنرالات أنفسهم.
ويلفت فاتنكا إلى أن الجنرالات، الذين يؤدون دورا كبيرا في السياسة والاقتصاد، أكبر من كونهم قادة لقوة عسكرية يصل عددها إلى 130 ألفا، فهموا الرسالة وراقبوا مسار المفاوضات بنوع من العصبية، ولكنهم احتفظوا بهدوئهم. فلم يشعر هؤلاء بالخوف على خسارة المشروع النووي، ولكنهم كانوا يخافون من النفوذ الذي سيحصل عليه روحاني نتيجة تحقيقه الاتفاق، ولكنهم كانوا مستعدين، على ما يبدو، للمضي قدما مع المفاوضات.
وتبين المجلة أنه في آب/ أغسطس 2013، وبعد وصول روحاني للسلطة بفترة قصيرة، أمر خامنئي وزارة الخارجية، التي تتبع للرئيس، بالإشراف على المفاوضات النووية، بدلا من المجلس الأعلى للأمن القومي، مع أن خامنئي كان واضحا بأن الحرس الثوري سيواصل إدارة السياسة الخارجية، خاصة في النزاعات المسلحة في أماكن مثل سوريا والعراق. وأعطى خامنئي القيادة لهذين النزاعين لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري. وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2015، اعترف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن وزارته لم تشرف إلا على الملف النووي. فلم تكن السياسة المتعلقة بسوريا " بأيدي وزارة الخارجية في طهران".
ويرى الكاتب أن تقسيم السلطات نجح بشكل جيد، فقد تعامل الدبلوماسيون، الذين امتلكوا المصداقية والأخلاق التي يتقبلها الغرب، والتي كانت على خلاف سياسة الاستفزاز التي اعتمدها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. أما المتشددون من الحرس الثوري الإيراني، فقد تصرفوا وبحصانة من الملاحقة في محاور الحرب. ورغم تحفظ وزارة الخارجية على سياسات وأهداف الحرس الثوري في كل من العراق وسوريا، إلا أن إدارة روحاني تصرفت بهدوء، واختارت بعناية المعارك التي تستطيع القتال فيها.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه من هنا، حقق الاتفاق النووي الهدف الذي كان يريده خامنئي، وهو رفع العقوبات عن إيران. وبعد تحقق هذا الهدف أخذ المرشد الأعلى بالعمل على وضع كوابح أمام أجندة روحاني الأخرى. فلم يخف آية الله خامنئي انزعاجه من الدفء في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي نتجت عن المقايضة التي استطاع روحاني تحقيقها.
وتنوه المجلة إلى أنه في رسالة وجهها خامنئي إلى روحاني، وعبر فيها عن دعمه للاتفاق النووي، ختمها بمطلب مثير للانتباه "يجب تجنب وبشدة استيراد منتجات من الولايات المتحدة". ونقطة خامنئي ليست عن الصناعات الأمريكية المتوفرة بشكل واسع في إيران، ولكنها دفعة خفيفة لروحاني يدعوه إلى عدم الانفتاح أكثر من اللازم، وتوسيع الحوار الدبلوماسي مع أمريكا، والذي كان يشك أنه هدف الرئيس الإيراني.
ويعتقد فاتنكا أن عدم ارتياح روحاني من الانفتاح المحتمل مع الولايات المتحدة يظهر وضع المرشد غير الآمن. فهو يرى أن واشنطن تنوي تدمير الجمهورية الإسلامية وهي قادرة على ذلك، حيث ستستخدم الاتفاق النووي كحصان طروادة. مشيرا إلى أنه ضمن هذه الرؤية الاستراتيجية الأمريكية فإن روحاني إما أن يكون ساذجا، أو أنه من الأدوات المستعدة أو عميل يعمل على مساعدة واشنطن على تنفيذ استراتيجيتها، كما يتهمه أكثر المتشددين حدة، مثل قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، وآية الله أحمد جنتي وأحمد خاتمي المقربين من خامنئي.
ويكشف التقرير عن أن هذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها خامنئي لوقف جهود الانفتاح، فعندما بدت طموحات محمد خاتمي، خاصة في الحوار مع الولايات المتحدة، قام المرشد الأعلى بوقفه. والأمر ذاته كان مع أحمدي نجاد، الذي خرج عن السيطرة، فتحول إلى وزة عرجاء في نهاية حكمه.
وتستدرك المجلة بأنه في محاولة قمع روحاني، فقد قام خامنئي بفتح النار أولا. وربما أجبر الرئيس على رفع مستوى المواجهة. فنصف الجملة في رسالة المرشد التي وبخ فيها الرئيس على تقاربه من أمريكا، دفعت الحرس الثوري والإعلام التابع له والزمرة البرلمانية إلى تمزيق حكومة روحاني والهجوم عليها. وكل شيء يبدو هدفا يصلح للهجوم عليه. فقد أعطى خامنئي ورقة بيضاء للحرس الثوري كي يهاجم أي شيء يعتقد أنه "يهدد النظام السياسي" والتعامل معه بطريقة مناسبة. وهو ما سيؤدي إلى رد من مجموعة روحاني.
ويقول الكاتب إن هذا لا يعطيه التفويض الانتخابي كي يبحث عن سياسة خارجية ومحلية إصلاحية، بل ويرى أن هناك تعطشا من السكان للانتقال نحو نسخة معتدلة ووسطية للجمهورية الإسلامية.
ويضيف فاتنكا أن خامنئي، من خلال السماح لهيئات غير منتخبة بالهجوم على الرئيس الشعبي المنتخب، فإنه وضع مركزي سلطة في مواجهة. وبهذه الطريقة رفع خامنئي (76 عاما) سقف الصراع الداخلي على السلطة، وهو ما يهدد بخسارة المرشد السيطرة على صناعة القرار السياسي في طهران.
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالقول: "لقد أمل الإيرانيون بأن يكون الاتفاق النووي بداية لعملية إصلاح واسعة في الداخل، تقود إلى تحسن العلاقات مع الخارج. وحتى يقرر خامنئي وقف هجمة الحرس الثوري على روحاني، فسيقرر معسكر الرئيس إن كان سيرد على المرشد. ولو قرر روحاني المواجهة، فستدخل إيران مرحلة من اللايقين، التي تستمر لسنوات قادمة".