ملفات وتقارير

هل تلبي ميزانية المملكة رغبة السعوديين بعد انهيار سعر النفط؟

السعوديون بانتظار ضرائب إضافية بعد رفع أسعار النفط (أرامكو) ـ أرشيفية
وسط مزيد من المخاوف حول أسعار النفط التي تتجه إلى الانهيار، أعلنت الحكومة السعودية ميزانية 2016، بعجز كبير من المتوقع أن يتفاقم مع استمرار أزمة النفط الذي تعتمد عليه السعودية بنسبة 90% في إجمالي إيراداتها.

ولأول مرة منذ سنوات، بدأت المملكة تتجه نحو خفض الإنفاق العام، وهو ما لم تعلنه الحكومة بشكل رسمي، لكنها فضلت أن تعلن توجهها فقط إلى ترشيد الإنفاق، رغم اتجاهها إلى إعادة هيكلة منظومة الدعم متضمنة المياه والكهرباء والمحروقات وجميع أشكال الدعم.

ووصف محللون ومراقبون الإصلاحات والتعديلات التي طرأت على الميزانية السعودية بأنها حساسة سياسيا، وأحجمت عنها السلطات السابقة، لتصبح ضرورة ملحة ليس لها أي خيارات أمام الحكومة الحالية.
 
تسييل أصول خارجية وإصدار سندات


وقدرت الحكومة السعودية موازنة 2016 بإجمالي نفقات تبلغ 840 مليار ريال تساوي 224 مليار دولار، فيما توقعت أن تبلغ إيراداتها 513.8 مليار ريال تساوي 137 مليار دولار، بعجز يبلغ 326.2 مليار ريال، بما يعادل نحو 87 مليار دولار، مقابل إيرادات بلغت 608 مليارات في 2015، والذي شكلت فيه إيرادات النفط 73% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للملكة، وبلغ متوسط سعر خام برنت نحو 54 دولارا للبرميل هذا العام، لكنه يحوم حاليا عند مستوى 37 دولارا للبرميل.

وقال مسؤولون إن الحكومة السعودية سجلت عجزا قدره 367 مليار ريال تساوي نحو 97.9 مليار دولار، أو ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015.

وتهدف خطة موازنة 2016 إلى خفض العجز إلى 326 مليار ريال، بما يخفف الضغط على الحكومة لتمويل المصروفات من خلال تسييل أصول خارجية وإصدار سندات.

وسوف يتم تمويل العجر وفق الميزانية، عبر خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة، ومنها الاقتراض المحلي والخارجي، وبما لا يؤثر سلبا على السيولة لدى القطاع المصرفي.
 
تنويع مصادر الدخل العام

ووفقا للأرقام التي جاءت في موازنة المملكة، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، فإنها لا تعول على تعاف كبير لأسعار النفط قريبا، بل تستعد لبقاء أسعار النفط منخفضة لعدة سنوات.

وخلال إعلانه بنود الميزانية، قال وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، إن إعداد ميزانية المملكة اتخذ النهج الواقعي لتطورات الاقتصاد العالمي، موضحا أن مجلس الشؤون الاقتصادية اتخذ إجراءات منذ بداية العام بتوجيه مؤسسات الدولة بأن يوجه الإنفاق إلى التنمية المستدامة ورفع كفاءة الاقتصاد.

وأوضح أن المملكة استطاعت ضبط النفقات في الربع الأخير من ميزانية العام الحالي بشكل لافت، على الرغم من المستجدات التي وصفها بأنها كانت أكبر من مبلغ 115 مليار ريال التي شكلت الزيادة في الإنفاق الفعلي عما هو مقدر أساسا في بداية العام.

وخصصت الميزانية نحو 183 مليار ريال؛ تحسبا لأي تطورات سلبية في الإيرادات، ولإعطاء الحكومة مرونة لتطبيق برنامج التحول الاقتصادي، وجاء أغلب أموال هذا المخصص الجديد من الباب الرابع في الميزانية، أي من المشاريع التي كانت اعتمدت في الماضي ولم يصرف عليها، وكذلك من المشاريع الجديدة التي اعتمد لها سيولة.
 
الصناديق تمول المشروعات

وتوقعت الميزانية الجديدة أن تواصل صناديق التنمية الحكومية (صندوق التنمية الصناعية السعودي، وصندوق التنمية الزراعية السعودي، وصندوق التنمية العقارية، وبنك التسليف والادخار) ممارسة مهامها في تمويل المشاريع التنموية المختلفة بأكثر من 49.9 مليار ريال.

ونص البيان المرافق للميزانية على تطوير وحدة إدارة الدين العام في وزارة المالية، التي تعنى بتطوير استراتيجية الدين العام ومصادر وسبل تمويله؛ لتعزيز قدرة المملكة على الاقتراض محليا ودوليا، بما يساهم في تعميق سوق الصكوك والسندات المحلية.
 
قطاعات تحقق نمواً

ويتوقع أن يحقق الناتج المحلي للقطاع غير النفطي بشقيه الحكومي والخاص نموا بنسبة 8.37%، حيث يتوقع أن ينمو القطاع الحكومي بنسبة 14.57%، والقطاع الخاص بنسبة 5.83%، أما القطاع النفطي فمن المتوقع أن يشهد انخفاضاً في قيمته بنسبة 42.78% بالأسعار الجارية. وبالأسعار الثابتة لعام 2010 فمن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.35%، وأن ينمو القطاع النفطي بنسبة 3.06%، والقطاع الحكومي بنسبة 3.34%، والقطاع الخاص بنسبة 3.74%.

ومن المتوقع أن يصل النمو الحقيقي في نشاط الاتصالات والنقل والتخزين إلى 6.10%، وفي نشاط التشييد والبناء إلى 5.60%، وفي نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق إلى 3.86%، وفي نشاط الصناعات التحويلية غير النفطية إلى 3.23%، وفي نشاط خدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال إلى 2.55%.
 
توقعات إيجابية لسوق المال

وعلى صعيد سوق المال السعودي، فمن المتوقع أن يشهد مزيدا من التحسن، حيث توقع محللون أن تتجه سوق الأسهم إلى الإيجابية بعد الإعلان عن بيانات الميزانية، وسوف يزيل حالة عدم اليقين بشأن استراتيجية الحكومة الاقتصادية والمالية التي تسعى إلى تطبيقها.
 
هيكلة منظومة الدعم

وتتضمن الخطة التي تهدف إلى تقليص العجز القياسي في الموازنة السعودية عدة إجراءات، أهمها: خفض الإنفاق، وإجراء إصلاحات بمنظومة دعم الطاقة، والسعي لزيادة الإيرادات من الضرائب، والتوسع في عمليات الخصخصة.

ومن المقرر أن تعدل المملكة منظومة دعم المياه والكهرباء والمنتجات البترولية على مدى خمس سنوات، وسوف تهدف التعديلات إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل وتنافسية قطاع الأعمال.

وأعلنت السعودية رفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء المحلية، حيث زاد سعر البنزين 95 أوكتين إلى 0.90 ريال (0.24 دولار) للتر من 0.60 ريال، وإن كان لا يزال منخفضا جدا بالمعايير العالمية.
 
زيادة الضرائب ورسوم الخدمات

ومن المقرر أيضا تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة.

وتضمنت الميزانية مراجعة مستويات الرسوم والغرامات الحالية، واستحداث رسوم جديدة، واستكمال الترتيبات اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها.

 وعلى صعيد المشاريع الجديدة، ففقد أكدت وزارة المالية أنها ستعمل على مراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها لتراعي جودة وكفاءة التنفيذ من جهة، وتتوافق مع الأولويات والتوجهات والاحتياجات التنموية والمتطلبات المالية والتمويلية من جهة أخرى.

خبراء اقتصاديون طالبوا المملكة بضرورة إيجاد فرص تجذب المستثمرين المحليين والأجانب للقطاع الخاص للمشاركة في تحقيق النمو وتنويع الإيرادات بعيدا عن النفط.
 
نتائج غير مضمونة

ورغم أن الأداة الرئيسية التي استخدمتها السعودية لتقليص العجز هي زيادة الرقابة والتحكم في الإنفاق الحكومي، لكن من الصعب الحكم على فاعلية هذه الأداة؛ نظرا لأن البيانات المالية تعرضت للتشويش من قبل تدابير استثنائية خلال العام الجاري.

لكن في الوقت ذاته، نجحت السعودية في استخدام الأدوات المتاحة لتقليص العجز المتوقع، وكان خيار إصدار السندات ناجحا في ظل تمتع المملكة بتصنيف ائتماني جيد، وانخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير خلال الفترة الحالية، بخلاف ما كانت عليه في الثمانينيات.