كيف يمكن لتنظيم مقاوم أن يتحول إلى مجموعة من قطاع الطرق، الذين يفتقدون إلى الحد الأدنى من الأخلاق والإنسانية؟
سؤال كنا نظنه نوعا من "الفانتازيا"، إذ إن بندقية المقاوم لا يفترض أن تنحرف عن هدفها، ويجب أن لا تتخلى عن أخلاقها حتى مع أعدائها، لأن انتصارها في ميدان الحرب مرهون ومقترن تماما بانتصارها في معركة الأخلاق؛ ولكن التجربة السورية بكل آلامها وعارها و"لا إنسانيتها" أثبتت أن هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي كنا نظنها ضربا من الخيال، هي من النوع الذي يمكن أن يصبح حقيقة، وحقيقة بالغة المرارة!
ليس علينا حتى نجيب عن سؤال تحول "المقاوم" إلى "قاطع طريق" سوى النظر إلى تجربة
حزب الله، فكما "أبدع" هذا الحزب في حربه مع الاحتلال سابقا، "يبدع" اليوم في ممارسة أبشع أنواع القتل المأجور، والدوس على "أخلاق الحرب"، والولوغ في عذابات المدنيين الأبرياء، في
مضايا.
مضايا، تلك المدينة التي تنتمي إلى ريف دمشق، ذلك الريف الذي عرف تاريخيا بوفرة الغذاء والزراعة فيه، تحولت منذ أشهر إلى مدينة أشباح، شوارع تعصف فيها رياح الموت الباردة، مجزرة يومية قتل فيها حتى الآن اثنان وثلاثون إنسانا، مقبرة يدفن الأحياء فيها جوعا وينتظر أربعون ألف إنسان فيها دورهم بالموت من القهر والجوع والبرد ونقص الدواء، بسبب الحصار الذي يفرضه حزب الله.
منذ بداية الثورة السورية المجيدة، اضطر حزب الله لاتخاذ مواقف مؤيدة للنظام السوري، وهو ما يعني بالضرورة الوقوف في وجه الشعب ومطالبه المحقة بالحرية والكرامة والعدل. كان بوسع البعض أن يفهم هذا المواقف لأسباب استراتيجية، فالحزب سيخسر رئته الرئيسية والوحيدة إذا خسر نظاما حليفا في دمشق، كما أنه –كما بات واضحا- لا يستطيع أن يرفض تعليمات الحرس الثوري والولي الفقيه في إيران، ولكن الحزب تمادى في انغماسه في الوحل السوري أكثر حتى مما تتطلبه "الضرورات الاستراتيجية".
مع دخوله الفعلي بالمعارك ضد القوى السورية المنضوية بالثورة في معركة القصير؛ صار الحزب يلطخ صورته أكثر وأكثر، وبدأت صورة التنظيم الطائفي المرتهن لإيران تحل شيئا فشيئا محل صورة الحزب المقاوم، حتى فقد كثير من المدافعين "المنصفين" عن الحزب قدرتهم على الدفاع عن مواقفه، فإذا كان البعض يستطيع تبرير الدعم السياسي واللفظي من الحزب لنظام الأسد، فكيف يمكن أن يدافع منصف عن حزب كان يروج أنه أسس لمقاومة الاحتلال ثم وجد نفسه يرفع شعارات "بدائية" من قبيل المشاركة في الحرب للدفاع عن "العتبات المقدسة"؟!
ومع استمرار المعارك ومرور الأيام، يخسر الحزب في كل لحظة خسارة مدوية وفي اتجاهين: الأول على صعيد الخسائر البشرية في صفوف مقاتليه، والثاني على صعيد الصورة والرمز، حيث تحول المقاومون والمقاتلون إلى "قتلة"، وصارت مجرد الإدانة لاغتيالهم مثارا للجدل والإدانة كما حصل مع سمير القنطار، الذي كان سيزف شهيدا عربيا من المحيط إلى الخليج لو قدر له أن يقتل قبل أن يتلوث تاريخه بالقتال إلى جانب نظام يقتل ويحاصر شعبه.
وعلى الرغم من عظم الخسارات التي تلقاها حزب الله منذ بداية الثورة السورية على كافة الأصعدة، إلا أنه بدأ أخيرا بتلقي أسوأ خساراته وأفدحها، ذلك أنه بدأ يكرس اسمه كمجموعة من قطاع الطرق، بعد أن تورط بحصار عشرات الآلاف من المدنيين في مضايا، فكيف لإنسان فضلا عن "مقاوم" أن يبرر ممارسة القتل البطيء للمدنيين؟ وإذا كانت أخلاق الحرب لا تسمح بحصار مدنيي العدو فكيف قبلت قيادة حزب الله السقوط بهذا المستنقع الأخلاقي بحصار المدنيين السوريين؛ وهم الذين وقفوا إلى جانب الحزب وحاضنته الشعبية عندما اضطرت للجوء في حرب تموز 2006؟
تقول التقارير إن حزب الله خسر خلال حربه للسوريين حوالي ألف قتيل، بينما خسر خلال "مقاومته" للاحتلال 1267 قتيلا. وتقول مضايا إن الحزب خسر خلال حصاره الوحشي لأهالي المدينة كل ما استطاع بناءه أثناء سنوات مقاومة الاحتلال؛ إذ تحول مقاتلوه إلى مجرد "قاطعي طريق"! يا له من ثمن كبير للدفاع عن "العتبات المقدسة"!