لم تمر سوى أيام على دعوة ملك
المغرب محمد السادس إلى مراجعة مناهج تدريس
التربية الإسلامية بالمغرب في اتجاه "إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة"، حتى صدرت ردود الأفعال المؤيدة لهذه "المراجعة" لكن في اتجاهات مختلفة، عكست توجهات أصحابها.
وكان محمد السادس، في 6 شباط/ فبراير الجاري خلال مجلس حكومي ترأسه بمدينة العيون (جنوب المغرب)، دعا الحكومة إلى مراجعة مناهج تدريس التربية الإسلامية في اتجاه "إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية"، وفق بيان الديوان الملكي.
هجوم على التربية الإسلامية
دعوة الملك محمد السادس للمراجعة استغلها السياسي والصحفي المغربي خالد الجامعي للهجوم على "مادة التربية الإسلامية" في التعليم المغربي، معتبرا إياها "حشوا للجماجم" و"خندقة بكل المقاييس"، وتكريسا لإسلام "ذكوري مفتول العضلات"، وغيرها من النعوت القدحية، في مقال نشره بأحد المواقع المغربية.
ووصف الجامعي أساتذة التربية الإسلامية بالمغرب بـ"الجاهلين" واتهمهم بنشر "الفكر الوهابي"، مشددا على ضرورة "إعادة تأطيرهم" وإخضاعهم لعملية "غسيل دماغ"، داعيا إلى إصلاح التعليم بالمغرب على "غرار ذلك الذي قاده محمد الشرفي (وزير التعليم التونسي السابق في عهد بنعلي ما بين 1989 و1994) في تونس".
منهج بنعلي خرج أنصار داعش
من جهته رد الفقيه المقاصدي المغربي ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أحمد الريسوني، على الجامعي الذي وظف "أزيد من ألف كلمة - بل أزيد من 1200 - كلها مخصصة فقط للهجاء والسب واللعن في حق التربية الإسلامية".
وأشار الريسوني إلى أن الجامعي "لم يذكر مثالا واحدا، ولا فكرة واحدة، ولا جملة واحدة، من المضامين والأوصاف التي رمى بها مادة التربية الإسلامية"، منبها إياه إلى استعمال حديثين مكذوبين وآخر محرفا ونسبهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص دعوة الجامعي إلى الاقتداء بمنهج محمد الشرفي، علق الريسوني: "يعني بذلك مشروع بنعلي ووزيره الشيوعي الحاقد محمد الشرفي، وهو المشروع المعروف بمخطط الاستئصال وتجفيف المنابع. فوا أسفاه - هو - على بنعلي ووزرائه التنويريين".
وتساءل الفقيه المقاصدي: "لماذا الأجيال التي تخرجت من المشروع السياسي والثقافي والتعليمي للشُّرفي، وتشربته من الروض إلى الجامعة، لماذا هم الأكثر إقبالا على داعش، وهم الأشد تطرفا وهمجية، سواء في العراق وسوريا، أو في تونس نفسها؟".
وتابع تساؤلاته: "لماذا تونس هي الأكثر إنتاجا للشباب العربي الداعشي؟ أين ذهب التنوير الحداثي اللاديني لصاحبك ونموذجك؟ أليس قد أنار للشباب التونسيين شيئا واحدا، هو الطريق إلى الداعشية؟".
مشكلات مزمنة
من جانبه، اعتبر الناشط الأمازيغي المغربي أحمد عصيد، في مقال نشرته بعض المواقع المغربية، أن "مشكلة المادة الدينية في النظام التربوي" تكمن في ستة أمور قال إنها بمثابة "مشكلات مزمنة".
وتابع عصيد أن أبرز هذه الأمور هو "عدم ملاءمة مضامين الدروس المقررة مع فلسفة وأسس ومرتكزات المدرسة العصرية"، وأضاف مهاجما الدين الإسلامي بأنه يتوفر على أمور لم تعد صالحة اليوم.
واستطرد عصيد أن من بين "المشكلات" أيضا عدم تكامل المواد التعليمية التي "تشكل جزرا متباعدة وأحيانا متناقضة أشد ما يكون التناقض"، ومدرسو التربية الإسلامية "كانوا عرضة لأكبر عملية ترويض إيديولوجي باعتماد الدين"، وتساءل: "كيف يمكن للدولة أن تحدّ من أضرار وضعية صنعتها بنفسها عبر عقود طويلة؟".
حققوا شروط المراجعة أولا
في المقابل، دعا عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان (جماعة إسلامية مغربية معارضة) محمد الحمداوي إلى تحقيق شروط المراجعة الدينية أولا قبل الشروع فيها بـ"رعاية الأسرة" و"مراجعة مضامين الإعلام العمومي" و"جعل ورش التربية الدينية ورشا وطنيا من غير إقصاء"، وعدم تكميم أفواه العلماء.
وطالب بـ"التركيز على القرآن الكريم وتثبيت العقيدة الإسلامية، لأن الدين مكون وحاجة فطرية وروحية في الإنسان المغربي المسلم، إن لم يتم إشباعها بالمنهج الوسطي سيتم الارتماء في حضن مناهج متطرفة تكفيرية هدامة ممزقة للأمة".
وتساءل الحمداوي في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك" عن دوافع المراجعة، هل هي لمواجهة "الغلو والتشدد والتكفير والعنف؟ أو التطوير والتجديد في إطار ثوابتنا الدينية المعروفة واحتراما لقيمنا المجتمعية التي ظلت حامية لنسيجنا المجتمعي؟".
وتابع: "أم محاولات لاستهداف القيم الإسلامية لحاجات تنميط الأمة على ثقافات أمم أخرى أعطت التجربة التاريخية والاجتماعية وبمعطيات علمية خرابها وفسادها وسيرها في سياق التفكك والاندثار والاستيلاب؟".