تحكي الروايات أن
بيروت تحتضن مدينة عاشت في جوفها قبل آلاف السنين، ويلمس الناس آثارها كلما حفروا عميقا عن كنوزها، لكن سكان بيروت اليوم لا يريدون ما هو في الأعماق بل إن مساعي بعضهم تذهب للحفاظ على تراث ما عمره الزمان القريب.
ولأن بقاء الحال من المحال تبدل وجه العاصمة
اللبنانية في العقود الأخيرة مع زوال أو إزالة بنايات قديمة لتحل محلها عمارات سكنية مرتفعة.
وتسبب ذلك في حدوث جدل بين سكان بيروت الذين تباينت آراؤهم إزاء هذا التغيير في وجه مدينتهم.
وأنتج الإعلامي جورج صليبي فيلما وثائقيا حمل عنوان (بونجور بيروت). وافتتح صليبي فيلمه في سينما (ميتروبوليس أمبير صوفيل) أمام عشرات الفنانين والصحفيين والسياسيين على أن يعرض للجمهور بين 7 و17 شباط/ فبراير المقبل.
وقال صليبي "ها الفيلم الوثائقي يا اللي اسمه بونجور بيروت بيحكي بالدرجة الأولى عن حكاية البيوت التراثية والقديمة ببيروت ويا اللي للأسف عم بتزول، لأنه بالحقيقة ما فيه قانون يحمي هذه البيوت، فيه فقط تصنيف من وزارة الثقافة، ولكن ما صدر قانون بعد أو تشريع عن مجلس النواب اللبناني للحفاظ على ها البيوت التراثية، لها السبب عم يتضاءل عددها. سنة الخمسة وتسعين كان فيه 1800 بيت مصنفين كبيوت تراثية، اليوم بقي منهم 280 بيت فقط، هيدي برأيي هي كارثة ثقافية عم تغير هوية ها المدينة وهوية بيروت، لها السبب فكرت إنه يكون فيه ها الفيلم الوثائقي اللي بيلقي الضوء على ها المسألة وبيطرح ها المشكلة يا اللي عم تعاني منها ببيروت."
وأثناء عرض للفيلم في الآونة الأخيرة قال مشاهد إن الفيلم يذكر الناس بتاريخ المدينة.
أضاف جوزيف خوجة "يرجع تاريخ بيروت ورجع تاريخ لبنان للعاصمة بيروت. ضروري يرجعوا الناس. الحياة والروح اختفت من بيروت. أبنية جميلة وطرقات حلوة وتعمر بطريقة جميلة بس باقي شي ناقص، الناقص هو روح الناس، إنه ترجع تسكن بها البيوت وها الحركة، هدا شي بنفتقده كثير."
وأعرب آخرون في شوارع بيروت عن قلقهم إزاء ضياع التراث اللبناني.
وقال رجل يدعى جوزيف مشكور "أنا ضد كل شي اسمه ينهد (يهدم) القديم. القديم أنتيكا. فيه أجمل من الإنسان يمشي ويتذكر أجداده والأرض القديمة والبيوت القديمة الجمال؟ مين بعد فيه يعمر هيك عمار (من يستطيع حاليا إقامة مثل هذه المباني؟)".
وأضافت امرأة من سكان المدينة تدعى ليلى طربي "مؤسف..مؤسف..مؤسف ومبكي. يا ريت الأغنياء بلبنان بيشتريوا كل ها البيوت وبيرجعوا بيظبطوها تظل تا (حتى) يظل لبنان حلو. ضيعان (ضياع) لبنان، وضيعان بيروت، عم بيخربوها."
لكن آخرون قالوا إن هناك حاجة لبنايات مرتفعة لتلبية احتياجات سكان المدينة الذين يزيد عددهم.
وقالت امرأة تدعى جورجيت أبو زيد "أكيد لازم نحافظ على البيوت القديمة بس بنفس الوقت مهمة إنه يطلع شوية يستعملوا المسافات شوي بالسماء لأنه ما بقى فيه مساحات (بالإنجليزية) على الأرض بلبنان. ها البيوت القديمة أكيد حلو نحافظ عليها بس بنفس الوقت إذا عندنا مساحة يطلعوا أكثر ناطحات سحاب، هيك العالم بتستفيد شوية من المساحات تبع السماء وبيصير فيه محلات أكثر للعالم تشتري بالعقارات (بالإنجليزية)".
ودخلت بيروت الحداثة قبل عشرين عاما بعد أن هدمت
الحرب الكثير من المباني التراثية بالمدينة وغيرت معالمها
الشركة العقارية أو ما يعرف باسم (مشروع سوليدير)، وأسماء شوارع وحواري سحقتها دور الأزياء الكبرى فغاب سوق سرسق، وسوق الطويلة، وإياس، وإدريس، وغيرها من تلك التي كانت تحمل أسماء كبرى العائلات البيروتية.
وسوليدير هي الشركة العقارية التي أعادت إعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990.