تصاعدت خلال الفترة الأخيرة
انتهاكات وزارة الداخلية المصرية بحق الكثير من أبناء الشعب المصري، وهو الأمر الذي أدى لتزايد حالة الغضب المجتمعي ضدها، ليصبح السؤال مطروحا عما إذا كانت تلك الانتهاكات يمكن أن تشعل
ثورة غضب ضد رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي أم لا؟.. هذا ما طرحته "
عربي 21" على عدد من الساسة والحقوقيين والخبراء.
الأمين العام للمجلس الثوري المصري، محمد شريف كامل، قال إنه توقع منذ مجزرة الحرس الجمهوري في تموز/ يوليو 2013 قيام الأمن المصري بفرض سيطرته من خلال امتهان وإذلال الشعب حتى يخضع له، وأصبح ذلك هو السمة الغالبة بالفعل، متسائلا: "كيف لا يكون ذلك ورأس النظام فاشي الطبع يسبح بحمد القتلة ليل نهار؟".
وشدد، في تصريح لـ"
عربي 21"، على أن هذه الانتهاكات ستكون هي المشعل الذي يؤجج الغضب الثوري، ليخرج العملاق من محبسه يوم يلتقي غضب ضحايا الثورة والشرعية مع الغضب المتراكم في نفوس مؤيدي الانقلاب، بعد أن أصابهم مباشرة في شخصهم ما أصاب الثوار منذ اليوم الأول للانقلاب الدموي، وذلك لأن الظلم يحمل أسباب هزيمته بين طياته.
وردا على مطالبة السيسي لبرلمانه بسن تشريع للحد من تجاوزات "الداخلية"، قال: "لن تنجح تلك المحاولات، فكيف يمكن ذلك والانتهاكات تمارس يوميا بأمر من المنظومة الفاشية وبحماية منها؟ ولا يجب أن ننسى أنه هو الذي منحهم الحق المطلق في القتل والامتهان والاغتصاب، ووعدهم بأنهم لن يحاسبوا، فادعاؤه بذلك المشروع التجميلي ليس إلا رسالة إعلامية مزدوجة الهدف، فهو يحاول أن يستوعب من بقي على سذاجته من الشعب المصري معتقدا أن النظام سيحميه، ويحاول في الوقت ذاته مخاطبة الغرب ليمحو عار الطالب الإيطالي جوليو ريجيني".
وقال "كامل": "كيف يدعي السيسي أنه سيلجم أدوات قمعه وهو من أطلقها، فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص؟"، مؤكدا أن حادثة الدرب الأحمر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة حتى يسقط الانقلاب.
بدوره، أوضح منسق حركة شباب 6 إبريل في بريطانيا، هاني إسحاق، أن قمع "الداخلية" للشعب هو أداة النظام للتخلص من معارضيه ومحاولة لتكميم الأفواه، مؤكدا أن هذا القمع سيكون السبب الرئيسي في إسقاط النظام، فبركان الغضب يكبر كل يوم، وكرات النار تظهر بين الحين والآخر.
وقال "إسحاق" لـ"
عربي 21": "ننتظر هذا البركان بفارغ الصبر، لكنه سيأتي من مؤيدي النظام الغلابة وليس من معارضيه، فالثورة الكبرى قادمة لا محالة وأراها أقرب بكثير من ذي قبل"، لافتا إلى أن السيسي يحاول امتصاص غضب الشعب بمقترحات و"فناكيش" من وقت لآخر، إلا أن محاولاته كافة لن تغير من الواقع شيئا وستبوؤ بالفشل الذريع.
في حين قال المتحدث الرسمي ومسؤول العلاقات العامة بالمنظمة المصرية الأمريكية للحرية والعدالة، محمود الشرقاوي، إنه لا أحد يستطيع أن يقوم بحصر جرائم الشرطة المصرية بحق الشعب على مر العصور، فقد تجاوزت كل الحدود. ولم يزل هذا الجهاز يمثل عصا الحاكم المستبد لقمع الشعب منذ عشرات السنين.
وذكر لـ"
عربي 21"، أن جرائم "الداخلية" تتعدد بين قتل، وتعذيب، واغتصاب، وإخفاء، وسرقة، وإهانة، مؤكدا أن كل هذه الجرائم جعلت الشعب يخرج في ثورة عارمة في ذكرى احتفالها في 25 كانون الثاني/ يناير لعام 2011، وكله أمل أن يتم ردع هذا الجهاز، كي لا يعود لممارساته القمعية، لكن الأمر ازداد سوءا عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو لعام 2013 على كل مكتسبات الثورة.
وأردف: "منذ هذا التاريخ عادت الشرطة لقمع الشعب بكل ألوانه وأعماره تارة بغرض سياسي وتارة بغرض الانتقام من كل من شارك في الثورة، غير أن العجيب أن آثار القمع طالت من هتف لنظام القمع، بل ومن فوّضه وأيّده. مفارقة عجيبة، لكنه الواقع الذي لا يخفى على أحد، وها هي الأيام تدور ليرى المصريون دماءهم تنزف على أيدي أفراد هذا الجهاز بعيدا حتى عن القانون الذي وضعوه هم بأنفسهم".
وأكد "الشرقاوي" أن المراقب للمشهد يمكن أن يرى ثأرا مكتوما، بل غضبا في النفوس لم يظهر بعد، مضيفا بأن الشعب بات قاب قوسين من الانفجار، والذي لن تؤتمن عواقبه هذه المرة بعد كم الأذى والقمع الذي طال كل البشر بمصر من طلاب جامعاتها إلى أطفالها إلى كبار السن وذوي الإعاقة، بل ولم يسلم منه سياح زائرون ومندوبو منظمات عالمية.
ورأى أن حادثة مقتل الشاب محمد عادل إسماعيل بمنطقة الدرب الأحمر بالقاهرة فجّرت غضبا مكتوما عند الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وفي قلب القاهرة الكبرى، واصفا إياها بأنها جريمة "خالد سعيد" جديدة، مضيفا: "مهما حاول النظام العسكري امتصاص الغضب فلن يستطيع أن يمحو أفكار يناير المطالبة بالعدل والحريّة من عقول المصريين وخاصة جيل الشباب. كل جريمة تُرتكب تمر دونما حساب، بل يخرج المتهمون من جهاز الشرطة بالبراءة وكأنهم لم يقتلوا أو يعذبوا أو يرتشوا".
وسخر "الشرقاوي" بقوله: "نحن لا زلنا ننتظر معاقبة النظام لهؤلاء المجرمين من وزارة الداخلية ربما برفع المرتبات وترقيتهم وإطلاق أيديهم أكثر على الشعب!".
وأكدت الناشطة السياسية أسماء يوسف، أن إشكالية الشرطة المصرية ليست وليدة اليوم، فما هي إلا "أداة في يد النظم السياسية المتعاقبة لإرهاب المواطنين وانتهاك حرماتهم وإذلالهم لضمان خضوع الناس، فهي بمثابة حيوان تم تشريسه (بما تحمله الكلمة من معنى) على مدار عقود طويلة واستخدامه من قبل النظام لإخراس أي صوت"، منوهة إلى أن الشرطة تحتاج إلى تطهير حقيقي وشامل.
وقالت لـ"
عربي 21": "مما زاد الأمر سوءا هو وجود سلطة قضائية فاسدة، فمن تبرئة قاتل سيد بلال، إلى إطلاق سراح قاتل شيماء الصباغ، إلى إخلاء سبيل الأمين المتحرش بسيدة المرج، فهؤلاء قوم أمنوا العقوبة ويعلمون أنهم فوق أي قانون، كما أن اختزال علاج إشكالية الشرطة المصرية في إصدار قانون أو عمل تعديلات قانونية، ما هو إلا نوع من أنواع السذاجة والاستغفال للمصريين، لأنه من باب أولى تطبيق القوانين الموجودة أصلا على أفراد الشرطة قبل أي حديث عن قوانين جديدة".
وأضافت "يوسف" أن "السيسي شخص تجاوزه الزمان والمكان، ويعيش في عالم مواز من الأحلام المليئة بخيالات وصور تجسد نوعا مما يسمى بالزعماء، تثري مخيلته صورة الزعيم الذي يتكرم بعفو عن معتقل أو يصدر أمرا عليا بسن قانون يحد من تجاوزات جهاز ما، أو يصعد فوق لانش أو فلوكة في قناة السويس لتلتقط له الصور بالنياشين رافعا يده ملوحا للفراغ الفسيح، حالما بأن يتحدث عنه التاريخ يوما ما".
وأكد الخبير الأمني، العميد محمود قطري، أن جهاز الشرطة بحاجة ماسة لإعادة بناء من الألف إلى الياء، فالأمر لا يقتصر على تشديد العقوبة أو الإجراءات فقط، لأنه في حال تنفيذ هذا التشديد سيجعلهم يتقاعسون عن عملهم وواجبهم، مضيفا بأن هناك أمورا كثيرة جدا تحتاج لإعادة نظر وهيكلة وتطبيق.
ورأى الخبير الأمني، في تصريح لـ"
عربي 21"، أن جرائم أمناء الشرطة تعود إلى ما قام به محمود وجدي آخر وزير داخلية في عهد "مبارك"، حيث ألغى المحاكمات العسكرية لهم، ما جعلهم قوة تهابها القيادات ولا يستطيع أحد التصدي لها، بعدما أمنوا العقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب، مضيفا: "يجب إعادة المحاكمات العسكرية لهم مرة أخرى، خاصة أن تجاوزاتهم وصلت لدرجة خطيرة جدا".
وشدد "قطري" على أن الشارع المصري يتململ من الشرطة بين غاضب وناقم عليها بشكل واضح، مؤكدا أن تجاوزات "الداخلية" يمكن أن تؤدي إلى موجة ثورة جديدة، قد تسقط النظام الحالي، وتحدث أزمة تمس الدولة بأكملها.
وذكر المتحدث الإعلامي لحزب مصر القوية، أحمد إمام، في بيان له، أن انتهاكات جهاز الشرطة ضد المواطنين، والتي أصبحت تتكرر بشكل يومي هي نتاج أفكار نظام يضع جهاز الشرطة فوق القانون والمحاسبة، قولا وفعلا، مؤكدا أن الوضع الذي يتعامى عنه النظام أصبح خطيرا، وأن استمراره يُنذر بعواقب وخيمة.
وقالت مسؤولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور، سلمى أشرف، إن تلك الانتهاكات، خصوصا في المناطق الشعبية التي يكثر بها حمل السلاح والبلطجة، تمهد لوقوع اشتباكات مسلحة بين أفراد الأمن والأهالي لانعدام الثقة في القضاء وغياب العدالة.
وأوضحت أن حياة المواطن المصري أصبحت رخيصة جدا في عهد الانقلاب العسكري، وأصبح يقتل في الشارع دون خوف السلطات من الأهالي الذين تعودوا على مشهد القتل، أو من الداخلية التي رخصت لأفرادها قتل المواطنين، في ظل غياب العدالة وتدخل الشرطة في القضاء.