كتاب عربي 21

حقائق مؤلمة يكشف عنها تقرير البنك الدولي حول الاقتصاد الليبي

1300x600
يمر الاقتصاد الليبي بأزمة مطبقة من أبرز مظاهرها تراجع الإيرادات العامة وانخفاض الاحتياطي والنقص الشديد في السيولة وتدني سعر صرف الدينار الليبي في مقابل العملات الصعبة وما صاحب ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم والنقص في العديد من السلع. 

الأزمة تتعاظم أكثر بالنظر إلى هيكل الاقتصاد الليبي الذي تتقلص فيه القاعدة الإنتاجية لتنحصر في نشاط اقتصادي أساسي هو استخراج وتصنيع الخام الأسود بحيث يشكل المصدر الرئيسي للدخل وللعملات الصعبة، في مقابل ضعف كبير في إنتاجية القطاعات الأخرى وصغر حجم القطاع الخاص الذي لا تتعدى أصوله 2 مليار دينار ليبي في أحسن التقديرات من أجمالي ناتج قومي يقترب من 60 مليار وذلك حتى العام 2014.

الخلل في القاعدة الإنتاجية وفي النشاط الاقتصادي راكم تحديات تتمحور حول ضخامة الإنفاق التسييري على حساب الإنفاق التنموي، إذ تشكل مخصصات المرتبات والدعم السلعي ما نسبته 65% من الميزانيات العامة، فعدد موظفي الدولة الذين يتقاضون مرتبات من الخزينة العامة تخطى 1.7 مليون وهم جيش جرار متدني الإنتاجية، يتأكد ذلك بالمقارنة بأعداد موظفي القطاع العام في دولة مثل تونس التي يبلغ عدد سكانها ضعف سكان ليبيا بينما القوة العاملة العمومية في حدود 600 ألف فقط.

قدر البنك الدولي في تقرير صدر في فبراير الماضي الإيرادات العامة شاملة مبيعات النفط والضرائب والرسوم المختلفة وفوائض الوزارات بنحو 17 مليار دينار ليبي تقريبا خلال العام 2015. التقرير الذي اعتمد على بيانات وأرقام صادرة عن المصرف المركزي الليبي وعلى تقديرات خاصة بالبنك أظهر التراجع الكبير في عوائد النفط والإيرادات السيادية من ضرائب ورسوم، فكانت عائدات النفط في حدود 10 مليار دينار، والإيرادات الضريب والرسوم الجمركية أقل من 700 مليون دينار، فيما شكلت فوائض المخصصات السابقة للوزارات ما يزيد عن 5 مليار دينار. 

ما سبق يتعلق بالإيرادات العامة لحكومة الإنقاذ بطرابلس، أما إيرادات الحكومة المؤقتة في البيضاء فقد سجل التقرير مصروفات تخطت سبع مليار دينار ليبي دون أن تتضح مصادر التمويل، وهو الأمر الذي يثير استغراب أهل الاختصاص.

وبغض النظر عن الميزانيات التي أقرها كل من البرلمان والمؤتمر الوطني العام والتي تجاوز كل منها 40 مليار دينار ليبي، فقد قدر تقرير البنك الدولي النفقات العامة للحكومتين المؤقتة والإنقاذ خلال العام 2015  بما يزيد عن 43 مليار دينار ليبي (7 مليار نفقات المؤقتة، و36 مليار نفقات الإنقاذ) ويعود الفارق الكبير بين أنفاق الحكومتين إلى المرتبات العامة والدعم يصرفها المصرف المركزي بطرابلس، ليتخطى العجز المالي سقف 26 مليار دينار ليبي، مع التنويه أن أوجه الصرف تركزت في الإنفاق على المرتبات والدعم فيما لم يتعد الإنفاق التنموي 5 مليارات دينار. 

الأرقام السابقة تطرح أسئلة مهمة وحيوية من أهمها قدرة الخزانة العامة على الاستمرار في تمويل الإنفاق الكبير في ظل التدني في الإيرادات، فالاحتياطيات تراجعت خلال الأعوام الأربع المنصرمة بنسية تتجاوز 50% الأمر الذي يهدد باستنفاد المتبقي منه خلال عامين على الأكثر. وفي حل استمر الجدل والعبث على المسار السياسي والأمني، وفي ظل توقعات بمزيد من التراجع في أسعار النفط في الأسواق العالمية فإن الأزمة يمكن أن تأخذ منحى أشد حدة.

السؤال الثاني المتعلق بأوجه إنفاق الحكومة المؤقتة، فالتقرير أظهر أن بند المرتبات بلغ قرابة 4 مليار دينار ليبي، ولأن البنك المركزي طرابلس مستمر في تغطية الباب الأول من الميزانية وفق الإجراءات المعمول بها قبل الانقسام السياسي دون تمييز بين الغرب والشرق والجنوب، فأي مرتبات التي بلغ إجماليها خُمْس إجمالي مرتبات الدولة الليبية بما في ذلك موظفي المنطقة الشرقية؟! 

بحساب بسيط يقوم على تقدير متوسط المرتبات بـ 1500 دينار ليبي شهريا، وهو تقدير مرتفع نسبيا، فإن القيمة المنفقة على المرتبات في المنطقة الشرقية تغطي كارد وظيفي يزيد عن 200 ألف عنصر!! فهل بالفعل تم تعيين هذا الرقم الكبير خلال العام 2015 في المنطقة الشرقية، وفي أي وظائف وتبع أي مؤسسات؟! 

الخلاصة أن الوضع الاقتصادي ينحدر بشكل كبير وتتراكم آثاره الخطيرة على المواطن بشكل مباشر الأمر الذي ينذر بتأزيم مضاعف على الصعيد الاجتماعي والسياسي والأمني، ينبغي أن يؤخذ في الحسبان من قبل أطراف الصراع المتهمون من قبل قطاع واسع من الرأي العام أنهم لا يدركون حجم المعاناة المعيشية لليبيين ولا يجعلونها ضمن معايير تقديرهم للأزمة وتداعياتها والحاجة الملحة لحلها.