نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب غاريث بورتر، حول تأثير الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين على ما يجري في
سوريا.
ويبدأ بورتر تقريره بالحديث عن الاجتماع المطول الذي عقده بوتين مع وزير الخارجية الأمريكية جون
كيري، الذي كسر قواعد البروتوكول العادي، مشيرا إلى أنه مع ذلك، فإنه كان هناك منطق سياسي لذلك الاجتماع، حيث إن كلا من بوتين وكيري هما المحرك الرئيس للسياسة تجاه سوريا في بلديهما، ونتج عن تفاوضهما وقف إطلاق نار ناجح في سوريا، وهناك احتمال بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية سلمية.
ويقول الكاتب: "كان على واشنطن وموسكو التعاون للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وإعطاء دفعة لإعادة بدء المفاوضات السورية السورية، المتوقع أن تبدأ الشهر القادم، بحسب مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، لكن لم تحمل المناورات الدبلوماسية المستوى ذاته من التأثير على الآخر، بل أثبتت
روسيا قوة ضغطها على سياسة أمريكا في سوريا، بينما لا يملك كيري قوة الضغط ذاتها على السياسة الروسية".
ويضيف بورتر: "كان كيري يبدو العام الماضي الفاعل الرئيس، بعد أن حققت قوى المعارضة التي تقودها جبهة النصرة تقدما عسكريا في شمال سوريا، ورأى كيري في ذلك النجاح فرصة للضغط على نظام
الأسد وحليفه الروسي للموافقة على تنحي الأسد".
ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن تلك الإستراتيجية فشلت عندما فاجأ بوتين العالم وتدخل بطيرانه، الذي حيد الجهاديين وحلفاءهم المعارضين المعتدلين، وجعلهم في موقف دفاع، وفي محاولته اتباع الإستراتيجية ذاتها، طالب كيري الرئيس الأمريكي أوباما بضرب قوات الأسد مباشرة؛ حتى تكون بيده أوراق ضغط على الروس بخصوص وقف إطلاق النار والحل النهائي، لكن أوباما رفض، وساعد النجاح الروسي، خاصة خلال شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، في جعل بوتين في موقع تفاوضي أفضل مع أمريكا بخصوص وقف إطلاق النار السوري".
ويعلق بورتر قائلا: "نجحت اتفاقية وقف إطلاق النارس الروسية الأمريكية أكثر من المتوقع، وواضح الآن بأن سر هذا النجاح هو أن بوتين استخدم أوراق الضغط للحصول على التنازلات الأمريكية اللازمة لإنهاء الحرب، حيث كانت الاتفاقية بين لافروف وكيري أعمق بكثير مما أعلن عنه".
ويشير الموقع إلى تقرير الأسبوع الماضي للكاتب إيليا ماغنير، الذي يكتب في صحيفة "الرأي" الكويتية، يقول فيه إن "مسؤولين كبارا موجودون في سوريا"، حيث يؤكد التقرير أنهم إيرانيون، قالوا إن أمريكا وعدت كجزء من اتفاقية وقف إطلاق النار "بأن تفرض على حلفائها في الشرق الأوسط إيقاف تدفق الأسلحة إلى سوريا".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في رد على البريد الإلكتروني من بورتر لماغنير، قال الأخير إنه علم من مصادره أنه لم تدخل أسلحة إلى سوريا من الأردن أو تركيا منذ أن بدأ العمل بوقف إطلاق النار، لافتا إلى أن هذا العنصر المهم في الاتفاقية، الذي سكتت عنه الولايات المتحدة، لم يترك أمام قيادة جبهة النصرة وحلفائها خيارات إلا الانصياع لشروط وقف إطلاق النار، وبهذه الطريقة تم إيقاف قوى المعارضة المسلحة في سوريا كلها، بإصرار أمريكي؛ لأن ذلك كان شرطا من شروط وقف إطلاق النار.
ويلفت الكاتب إلى أن هذا التنازل الأمريكي الكبير يوضح لماذا فاجأ بوتين العالم بإعلانه يوم 14 آذار/ مارس انسحاب الجزء الأكبر من الطائرات الروسية المشاركة في الهجمة، مستدركا بأنه على عكس تخمينات الكثير من الخبراء حول دوافع بوتين للانسحاب، إلا أنه في الواقع حسن من أوراق الضغط التي يملكها على مستوى الوضع العسكري والمفاوضات القادمة، وبحسب مصادر ماغنير، فإن بوتين أخبر إيران عن نيته سحب الطائرات، لكنه أكد أنه يمكن إعادتها إلى سوريا خلال 24 ساعة عند الضرورة.
ويذكر الموقع أن مصادر ماغنير الإيرانية أوضحت أن إيران لم تكن راضية عن توقيت قرار بوتين لوقف إطلاق النار، فإن الإيرانيين يعتقدون أن هذا القرار جاء متقدما عن موعده بشهر على الأقل، عندما كانت القوات الإيرانية في وضع تستطيع فيه كسب المزيد من الأراضي.
ويستدرك التقرير بأن موافقة بوتين على وقف إطلاق النار والانسحاب الجزئي، بشرط أن يتوقف الداعمون الخارجيون عن إمداد عملائهم، خدمت استراتيجية روسيا الأكبر، وهي قتل الهدف التركي والسعودي بإسقاط نظام الأسد، وهو هدف تورطت فيه أمريكا حتى عندما أرادت أن تبقي بنية جهاز أمن الدولة السوري.
وينوه بورتر إلى أن تدخل بوتين بسلاح جوه بفعالية عالية، الذي أدى إلى إفشال الحملة التي قادتها الجماعات الجهادية في 2015، كان تحذيرا للداعمين الخارجيين لتلك المجموعات بعدم إعادة إشعال الحرب.
ويجد الموقع أنه بنقل الصراع إلى طاولة المفاوضات، فقد أضافت روسيا إلى أوراق ضغطها على نظام الأسد، حيث يتوقع أن يؤدي الروس دورا مهما في التوصل إلى اتفاق سوري حول الانتخابات الجديدة والإصلاحات الدستورية، مشيرا إلى أن روسيا رفضت اشتراط استقالة الأسد من الرئاسة، لكن الإيرانيين قلقون من أن التطمينات الروسية بهذا الشأن ليست قوية، وقد ألمح المسؤولون الإيرانيون في فيينا إلى أنهم يعتقدون أن روسيا عقدت اتفاقا مع أمريكا حول قضية أساسية من قضايا رفع المقاطعة على حساب إيران في المراحل الأخيرة من صفقة النووي الإيراني، ويخشون أن يتكرر ذلك في سوريا.
ويفيد التقرير بأن إيران لطالما عدت الأسد ونظامه جزءا أساسيا من نظام الممانعة، ولذلك فإنها تعد خروجه من السلطة، بموجب أي صيغة، أمرا غير مقبول، مشيرا إلى أنه بحسب مصادر ماغنير، فإن إيران تعتقد أن بوتين سيقبل بمعادلة يقوم فيها الأسد بتسمية شخص آخر للترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة.
ويرى الكاتب أنه "عندما تصل المفاوضات إلى تلك المرحلة، فإنه سيكون أمام بوتين الكثير من الخيارات التنازلية، التي لا تتطلب خروج الأسد من النظام، فمثلا وفي دستور جديد يمكن للأسد أن يستمر رئيسا، ولكن في منصب احتفالي أكثر منه دورا استشاريا، بينما تعطى سلطات تحديد السياسات لرئيس الوزراء، حيث أن مثل هذا التنازل يمكن رؤيته على أنه يحافظ على شرعية النظام الحالي واستقراره، مع أنه يمكن لكيري أن يقول بأنه تم تحقيق معظم أهداف المعارضة".
ويجد الموقع أنه بالرغم من أوراق الضغط الدبلوماسية التي يمتلكها بوتين، إلا أن احتمال فشل المفاوضات يبقى واردا، لافتا إلى أنه قد يحصل ذلك لأن مفاوضي المعارضة لا يستطيعون الموافقة على حل يبقي، بل يحافظ على نظام الأسد، أو لأن إدارة أوباما غير مستعدة للضغط على حلفائها في الاستمرار بتعليق الإمدادات العسكرية.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه كلما طالت فترة المفاوضات قل احتمال التوصل إلى حل يجنب العودة إلى الحرب.