يغوص الأرجنتيني إنريكي فيراري في عالم مظلم تحت الأرض بعد توقف حركة قطارات الأنفاق في بوينوس آيرس قبيل منتصف الليل، متسلحا بدلاء ومكانس لتنظيف محطة للمترو وكسب راتب يتيح له تمويل شغفه بكتابة قصص بوليسية خلال النهار.وتحت اسم "كيكي" فيراري، أصدر هذا الأرجنتيني كتبا في ستة بلدان تمت ترجمتها إلى أربع لغات.
وقد نال جوائز عدة غير أن هذا كله لا يكفي لتأمين معيشة لائقة له. ويقول الروائي الذي سئم تلقيبه بـ"كاتب المترو" إنه "من غرائب الرأسمالية البرجوازية الاعتقاد بأننا كعمال لا نمت إلى الثقافة بصلة". وقد ذاع صيت هذا الكاتب بفضل رواية "من بعيد تبدو أشبه بالبعوض" البوليسية وهي ثالث رواياته ونشرت في الأرجنتين سنة 2011.
ونال عنها جائزة سيلفيريو كندا في مهرجان خيخون الإسباني. ونشرت الرواية في فرنسا والمكسيك وإيطاليا.
وفي هذا الكتاب، تتحول حياة رئيس ثري لشركة إلى جحيم إثر اكتشافه جثة في صندوق سيارته إبان الحكم الديكتاتوري العسكري في الأرجنتين بين سنتي 1976 و1983.
وتتميز هذه الرواية بنبرتها المباشرة من دون أي مواربة. ويصور الكتاب بشفافية كبيرة التجاوزات التي كان يشهدها المجتمع الأرجنتيني في تلك الحقبة. وفي سن الرابعة والأربعين، كتب كيكي فيراري خمس روايات إضافة إلى قصص ومقالات
أدبية.
ويقول: "العيش من الأدب؟ حتى اللحظة المردود المالي غير كاف". ويتميز كيكي فيراري ببنية ضخمة وعلى جسمه أوشام متعددة بينها وجه كارل ماركس على ذراعه اليسرى. وفي حجرة صغيرة بمساحة أربعة أمتار مربعة في محطة أميا لقطارات الأنفاق، يستفيد هذا الكاتب الكناس من استراحات قصيرة لتصحيح نص ما على جهاز كمبيوتر محمول يصطحبه معه على الدوام.
ويؤكد هذا الأرجنتيني ذو الهالات السوداء تحت عينيه "أكتب عند استطاعتي وحيثما استطعت، وهوسي خلال النهار هو إيجاد وقت للنوم".- حبا بالفن - كيكي فيراري قارئ نهم رغم عدم حيازته أي شهادات علمية، وهو أب لثلاثة أطفال. وفي شقته في حي أونسي، يعمل على طاولة صغيرة في إحدى زوايا قاعة الطعام حيث تتكدس الكتب.
وهو سيتبرع بها في نهاية المطاف إلى المكتبة التابعة لنقابة "سوبتي" المسؤولة عن إدارة قطارات الأنفاق في بوينوس آيرس.
ويتولى كيكي مهام مندوب نقابي للعمال في قطارات الأنفاق. فيراري الذي يصف نفسه بأنه "كاتب حر يعيش من تنظيف محطات قطارات الأنفاق"، يقول: "أعرف أن الأمر مفاجئ لكن (..) ثمة عمال كثيرون يؤلفون كتبا ويمتهنون الفن أو الموسيقى".
وقبل العمل في محطة تحت الأرض، كان كيكي خبازا وسائق تسليم بضائع وبائعا. وفي مطلع العقد الأول من القرن الحالي، سلك كيكي طريق الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة قبل طرده بعد ثلاث سنوات، بعدها قام بإصدار أول كتبه "عملية بوكوفسكي" الذي نشر في بوينوس آيرس سنة 2004. ويقول: "أعمل في مدينة مهجورة (محطة المترو)، تبعا للنفايات التي خلفها الناس، أستطيع التكهن ما إن كان الطقس في الخارج حارا أو باردا وفي أي حالة نفسية يكون المسافرون. وفي عالم مكتظ على الدوام، أنا دائما الشخص الذي يصل بعد مغادرة الجميع".
وقد كبر هذا الرجل المشجع لنادي ريفر بلايت في بوينوس آيرس الشغوف بموسيقى الروك، في منزل لا يزخر بالكثير من الكتب.
لكن والده هو الذي رسم له مصيره من دون أن يعلم عبر تقديمه كتابا له عندما كان في سن الثامنة عن مغامرات القرصان ساندوكان. ويستذكر هذا الرجل الأربعيني تلك الحقبة قائلا: "هذه الهدية كانت مهمة لي".
“
القراءة هي التي تميزنا عن القردة على حد قول والدي". ويوضح كيكي فيراري: "لا أفكر في الأدب كمهنة". لكنه يشير إلى أنه يحلم "في الفوز بجائزة عالمية" أو في أن يرغب المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ "باقتباس أحد كتبي" ونقله إلى الشاشة الكبيرة.