النزعة الصهيونية قديمة تاريخيا، ومرت بتطورات وأدوار مختلفة، وآخر الأطوار لها ظهورا جاء في العصر الحديث على يد المسيحيين البروتستانت. ثم بدأت طوائف وفئات دينية أخرى ومع بدايات الهجرات
اليهودية لفلسطين تتأثر بتلك النزعة، وتميل للمعتقد البروتستانتي نحو اليهود.
النزعة الصهيونية: حالة عقلية ونفسية ترى قيام دولة إسرائيل وإقامة الهيكل محل المسجد الأقصى ضرورة حتمية، للمجيء الثاني للمسيح، مستندة على معتقدات توراتية، تراها بمثابة نبوءات عن أحداث آخر الزمان. ومن ثم فالدفاع عن الدولة اليهودية وحماية أمنها ودعمها تعجيلا بمجيء المسيح، واجب ديني عندهم.
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني حاليا؛ في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985 حين كان سفيرا لديها، يقول: "إن كتابات المسيحيين الصهيونيين من الإنجليز والأمريكان، أثرت بصورة مباشرة على تفكير قادة تاريخيين مثل لوي جورج، وآرثر بلفور، وودرو ويلسون، في مطلع هذا القرن. إن حلم اللقاء العظيم أضاء شعلة خيال هؤلاء الرجال، الذين لعبوا دورا رئيسا في إرساء القواعد السياسية والدولية لإحياء الدولة اليهودية".
وأضاف: "لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض إسرائيل، هذا الحلم الذي يراودنا منذ أكثر من ألفي سنة، تفجر من خلال المسيحيين الصهيونيين".
أما ظهور النزاعة الصهيونية لدى مجموعات لا تنتسب دينيا للمسيحية، أمر يحتاج بحث ودراسة.
فمثلا المفتي الأسبق علي جمعة معروف أنه صاحب هوى صوفي، وقد رآه الجميع يوجه النصح للصهاينة في محاضرة بالمعهد الأمريكي للسلام.
الفيلسوف يوسف زيدان المتخصص في المخطوطات العربية، وصاحب الميل الصوفي، له محاضرة شهيرة سعى خلالها لمحو تاريخ المسلمين في فلسطين، زاعما أن المسجد الأقصى وهم مخترع، لا وجود له بأرض فلسطين. إذ اتفق مع
السيسي أن حل المشكلة مع اليهود، يتم بمحو الارتباط العقدي بالقدس (أورشاليم).
وزير الخارجية سامح شكري يصرح منذ ما يقرب من عامين بأن علاقة
مصر بحماس متوترة نتيجة توجهها العقائدي، وأن المشكلة تكمن بـ"ارتباط حماس بفكر عقائدي يجعل نقطة تلاقيها مع مصر شبه مستحيلة".
محور الشر، على حسب تعبير جورج بوش، هي قوى الشر في قول إيهود أولمرت، وأهل الشر عند السيسي. تعبير يطلقه مفسرو العهد القديم على القوى التي تهدد وجود إسرائيل والتي ستتحالف مع يأجوج ومأجوج لقتال إسرائيل في معركة "هرمجدو" الشهيرة عندهم، والتي يأتي في خاتمتها المسيح على حسب زعمهم.
التعبير مبهم وغامض، يسمح باستخراج الإشارات من نصوص التوراة للدلالة على أي دولة أو مجموعة مستهدفة؛ بإدخالها في محور الشر وأهله.
أصحاب تلك النزعة الصهيونية (الصهيونية السياسية) وبخاصة البروتستانت يرون ضرورة تدخلهم لصناعة وتحقيق النبوءات، ولو باختلاق الحدث.
فإن قال سفر الرؤيا: "رأيت ملاكا نازلا من السماء، له سلطان عظيم، وصاح بأعلى صوته: سقطت بابل العظمى"، فإن بوش يحلق بالطائرة ويهبط من السماء فوق حاملة الطائرات الرابضة على مياه الخليج معلنا بأعلى صوته: سقطت بغداد (بابل).
لم يعلن إمبراطور واشنطن النصر من البيت الأبيض، أو من قلب بغداد عبر قيادته العسكرية؛ فتنفيذ ما جاء في الأسفار التوراتية حرفيا على الشعوب المقهورة هدف مقدس لديهم، فهم يد الرب - على حسب زعمهم - التي تحقق وعده.
ومن ثم اختار السيسي أسيوط (وسط مصر) ليقيم بها خيمة الاجتماع ليقدم مبادرته للصهاينة. فهو يدير البلاد وفق خطة أشعياء. والتي جاءت كالتالي:
"أهيج مصريين على مصريين، فيحارب كل واحد أخاه والرجل صديقه".. خطة الحرب الأهلية التي كان حريصا عليها، تهيج الشعب على بعضه وتقسمه لشعبين تمهيدا لحكمه.
تكمل الخطة: "أغلق على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز". فهو حاكم عنيف قاس، تابع في قراره السياسي، فهو مولى، عبد متسلط، أتي قهرا على خلاف رغبة المصريين.
أما تخريب مصر اقتصاديا، والتفريط في ثرواتها وفي مياه النيل وتدمير الزراعة والصناعة ونشر البؤس، فتحكيه خطة أشعياء هكذا: "تنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس وتنتن الأنهار... وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون، الصيادون يئنون... وكل الذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون". وتمضي تتحدث عن الصناعة فتقول: "ويخزي الذين يعملون الكتان الممشط، والذين يحيكون الأنسجة، وتكون عمدها مسحوقة، وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس".
أما عن مستشاري الرئيس، والخبراء الاستراتيجيين فهم: "أغبياء مشورتهم بهيمية". أما النخبة وأصحاب الرأي: "أضل مصر وجوه أسباطها" والنتيجة: "فأضلوا مصر في جميع أعملها كترنح السكران في قيئه".
والمراد أن "تكون مصر كالنساء، ترتعد وترجف"، وأن تصبح "أرض يهوذا رعبا لمصر. كل من تذكرها يرتعب". ثم ماذا؟ "في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان"، وهم يفترضون أن لغة كنعان هي العبرية. وربما عدلت الخطة، ولهذا يرون تهجير الشعب الفلسطيني لمصر، باعتبارهم حملة لغة كنعان.
وتمضي خطة السيطرة التوراتية بـ"مذبح للرب في وسط أرض مصر" وسط مصر (أسيوط) التي أقيمت بها خيمة بألوان علم الكيان الصهيوني، ومنها خرج خطاب الاعتراف باستقلال الدولة التي على تخوم مصر (وعمود للرب عند تخمها).
ختاما:
وبعيدا عن صحة نسبة السفر لأشعياء، وثبوته كوحي أم لا، فما جاء في مطلعه: "وأهيج مصريين على مصريين يحارب كل واحد أخاه... مدينة مدينة ومملكة مملكة"، قد وقع في عام 750 قبل الميلاد، وكانت مصر مقسمة إلى 18 مملكة، أي أن ما ذكره أشعياء لم يكن نبوءة وإنما إخبارا بما جرى في زمنه.
أما لو سرنا مع كونها نبوءة مستقبلية فهي تتحدث عن أمور وقعت منذ أزمان بعيدة أيضا، بحسب الشواهد الكثيرة بالسفر ذاته.
فإن أصر ذوو النزعة الصهيونية على أنها تتحدث عن أحداث قائمة في الوقت الحالي، فالسفر يخبر أن أولئك الذين في العنت "يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين"، والمضيق عليهم بمصر الآن هم المسلمون بصفة خاصة، وهؤلاء سيتوبون إلى الله، "فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم" من الملك القاسي العنيف ومستشاريه الأغبياء (المضايقين). ولذلك أقول لهم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره.
إن بروز النزعة الصهيونية (الصهيونية السياسية) بين منتسبين للإسلام أمر يحتاج لدراسة، وكشف انتمائهم السياسي وتنحيتهم عن المجال العام ضروري للنهوض بالأمة حتى تتمكن من المواجهة.