فاجأ
تنظيم الدولة الثوار والمتابعين للشأن السوري، فجر الأربعاء، بانسحابه من عدة قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي، وهو الذي فجر عشرات المفخخات للسيطرة على قرى كلجبرين، وكفر كلبين، وصندف، ويحمول، وجارز، وكفربرجة، والفيرزية، ودوديان وغيرها.
وتعد بلدة كلجبرين وقرية صندف أهم المناطق التي انسحب منها التنظيم، حيث أدى هذا
الانسحاب لفك الحصار عن مدينة مارع.
في عيون الثوار "هزيمة لا انسحاب"
ويرفض الثوار وصف ما حدث بالانسحاب الطوعي، فالتنظيم خرج من هذه القرى نتيجة صمود الثوار، حيث يقول سلطان بكاري، رئيس المكتب السياسي لمحافظة حلب الحرة السابق، لـ"
عربي21": "فكّ الثوار الحصار نتيجة صمودهم وإصرارهم أولا، والاستفادة من معارك داعش في الريف الشرقي".
ويستدل الثوار بالمعارك الشرسة الدائرة بينهم وبين التنظيم قبل أيام فقط، ويقول الناشط الإعلامي، أبو علي، من ريف حلب لـ"
عربي21": "كيف نصدق انسحاب التنظيم طوعيا وهو الذي فجر سبع مفخخات، وخسر أكثر من سبعين مقاتلا في محاولتين فاشلتين لاقتحام المدينة قبل أيام؟"، مضيفا: "وسبق هاتين المحاولتين محاولات أخرى توجت أيضا بالفشل، ناهيك عن المعارك الدائرة بين الثوار والتنظيم على جبهات الريف الشمالي الأخرى في قرية غزل الصغيرة تم تبادل السيطرة عليها أكثر من ست مرات".
وقال مصطفى السيجري، رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم في مارع، لـ"
عربي21" إن "داعش خصم عنيد، ولم نعهد له انسحابات مجانية إلا أمام النظام وقوات
سوريا الديمقراطية".
وأكد السيجري دور الثوار بإجبار التنظيم على انسحاباته، وتابع: "ما حدث اليوم في الشمال لم يكن قرار انسحابٍ مسبق، بل كان نتيجة ضربات الثوار الموجعة على قريتي كلجبرين وكفر كلبين، مما تسبب في حالة انهيار سريعة لقوات داعش، فجاء قرار الانسحاب خشية الوقوع في المزيد من الخسائر".
الانسحاب ضرورة تطلبها الوضع الميداني
ويؤكد الواقع الميداني أن التنظيم انسحب مكرها، ولا يعود انسحابه لضربات الثوار فحسب، حيث يقول الناشط الإعلامي أبو علي: "يستعد التنظيم لمعركة أشد شراسة في مدينة منبج، مما دفعه لإعادة ترتيب أوراقه، واختيار الأهم والأولى"، فمنبج أكثر أهمية من القرى التي انسحب منها، والدفاع عنها يحتاج لقوة بشرية، إذ يقول سلطان بكاري: "وجدت داعش دعما غير محدود تقدمه قوات التحالف للقوات الكردية، فاضطرت لخفض أعداد مقاتليها على جبهات الحر فكان الانسحاب الذي ساعد الثوار إعادة السيطرة".
ولا يخفى هنا قراءة تنظيم الدولة للمشهد العسكري من كل الجوانب، ففي الوقت الذي كان يهاجم فيه الريف الشمالي خسر قرابة 50 قرية أمام "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) في ريف منبج، كما أن انخراط كتائب مارع جميعها في جسم عسكري واحد (لواء المعتصم)، وإنزال التحالف سلاحا لثوار مارع جعل التنظيم يدرك عبثية معركة مارع ولاسيما في الوقت الراهن كما يرى ناشطون.
ويعاني التنظيم من نقص المقاتلين في صفوفه مقارنة مع جبهاته الطويلة، وهذا لا يفسر انسحابه أمام الثوار فحسب، بل انسحابه من مدرسة المشاة أمام النظام، وانسحابه من ريف منبج، وفي هذا الصدد قال الناشط أبو محمد المنبجي من ريف حلب لـ"
عربي21": "دعوات الجهاد وحمل السلاح تؤكد النقص العددي في صفوف التنظيم الذي لم يعد قادرا على فتح عدة جبهات في وقت واحد".
ويذهب مراقبون لتفسير الانسحابات من زاوية أخرى تتكامل مع الآراء السابقة، إذ لعبت حرب التنظيم ضد الثوار دورا رئيسا في نفور الشارع السني المحلي من التنظيم، وبالتالي ضعف الانتساب، حيث يقول الحقوقي أبو إبراهيم من ريف حلب: "وكان لا بد لهذه الانسحابات في محاولة من التنظيم لاستعادة الهيبة، ونفي شبهة العمالة والخيانة، وتسليم المناطق للكرد"، رغم ما يُشاع عن عدم اكتراث التنظيم بالحاضنة.
كما قرأ التنظيم المشهد السياسي، ورأى أن سيطرته على مارع بالتزامن مع ضياع منبج من يده يعني فتح الباب مشرعا للدولة الكردية كما يرى متابعون.
لا يغيب الدور الدولي عن الساحة
ولا يخفى هنا الدور الدولي في انسحابات التنظيم، فالمعركة في سوريا أخذت طابعا دوليا بامتياز، يقول السيجري: "التنظيم له مهمة، وهي تسليم المنطقة لقوات سوريا الديمقراطية من أجل تقسيم الوطن".
ويرى قسم من الثوار أن تنظيم الدولة سينتهي عندما تنتهي مهمته، وفي هذا الصدد يؤكد السيجري أن "داعش سوف تختفي وتتلاشى عند انتهاء مهمتها"، فبات يجزم كثيرون بدور فاعل لأجهزة المخابرات في قرارات التنظيم.
ويمتد التأثير الدولي حقيقة ليشمل مختلف الأطراف دون استثناء، فالنظام يفتح جبهات ويغلق أخرى وفق ما يملى عليه، يتابع السيجري: "النظام يعمل حسب الأوامر الروسية والأمريكية ولا يمكنه شن هجوم على أي بلدة إلا بأمر من الروس".
وقد يفسر ذلك جمود جبهات النظام والكرد معا على خطوط التماس مع تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي إلى حد ما، وتبقى المنطقة حبلى بالأحداث بعد هذه التطورات الدراماتيكية.