أعلنت الحكومة
الكويتية، الاثنين، رفع أسعار البنزين بنسب تصل إلى 80 بالمائة اعتبارا من أول أيلول/ سبتمبر المقبل في خطوة توصف بأنها "غير شعبية" من أجل مواجهة التداعيات الناجمة عن هبوط أسعار
النفط، لكن محللين يرون أنها لن تفعل الكثير لإصلاح
الاقتصاد.
وتعتمد الكويت، عضو منظمة أوبك، على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 90 من ميزانيتها العامة، وقد تضررت كثيرا بسبب هبوط أسعار الخام من 115 دولارا للبرميل قبل أكثر من سنتين إلى نحو 40 دولارا في الوقت الحالي.
ويأتي رفع أسعار البنزين ضمن خطوات تهدف لترشيد دعم المحروقات في إطار استراتيجية أشمل أعلنتها الحكومة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط، ونالت موافقة البرلمان في حزيران/ يونيو.
وثيقة الإصلاح
وتهدف هذه الاستراتيجية التي عرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي إلى إصلاح أوضاع الميزانية العامة، وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة دور القطاع الخاص، وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة، وإصلاح سوق العمل.
وطبقا لبيانات أعلنها وزير المالية في كانون الثاني/ يناير الماضي فإن حجم الإنفاق على الدعم يبلغ 2.9 مليار دينار (9.6 مليار دولار) ويمثل نحو 15 في المائة من إجمالي مصروفات السنة المالية الحالية، في حين كان هذا المبلغ 3.78 مليون دينار في ميزانية السنة المالية الماضية. ويذهب الجزء الأساسي من هذا الدعم إلى دعم الطاقة بمختلف أنواعها.
وقامت أغلب دول مجلس التعاون الخليجي التي يعتمد اقتصادها على النفط بخطوات مماثلة.
وقال مجلس الوزراء الكويتي في بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) الليلة الماضية إن الكويت "هي آخر دول مجلس التعاون الخليجي في إعادة هيكلة أسعار البنزين".
وأضاف قائلا "أسعار البنزين في الكويت بعد إجراء التعديل سوف تبقى من بين الأدنى في دول مجلس التعاون وعالميا".
تأثير هامشي
وانتقد جاسم السعدون، مدير مركز الشال للدراسات الاقتصادية، تأخر الحكومة في اتخاذ القرار معتبرا أنه "قرار مستحق كان يفترض أن يكون جزءا من قرارات متكاملة.. لكنه لم يكن كذلك".
واعتبر السعدون أن أثر هذا القرار سيكون "بسيطا جدا وهامشيا" ولن يتعدى توفير 200 مليون دينار سنويا أي نحو 5 في المائة من قيمة العجز المتوقع في ميزانية السنة المالية الحالية الذي قال إنه سيكون في حدود 4 مليارات إلى 4.5 مليار دينار.
كان وزير مالية الكويت، أنس الصالح، توقع في تموز/ يوليو أن يبلغ عجز الميزانية 9.5 مليار دينار (31.5 مليار دولار) في السنة المالية 2016-2017، وأن تكون الإيرادات 10.4 مليار دينار منها 8.8 مليار دينار إيرادات نفطية بينما ستبلغ المصروفات 18.9 مليار دينار.
تفاقم العجز
لكن خبراء يقولون إن العجز سيكون أقل من ذلك بكثير نظرا لأن الحكومة تبني حسابات الميزانية على سعر متوقع قدره 25 دولارا لبرميل النفط الكويتي، في حين يبلغ سعره الفعلي أكثر من ذلك وهو في حدود 38 دولارا حاليا.
وأضاف السعدون "العلاج يحتاج إلى استدارة كاملة وما نقوم به هو رتوش تجميلية... وهذا ولا يعني بالنسبة لي أي توجه للإصلاح".
وتابع: "هذا التوجه كان مستحقا منذ 2005 أو2006. أن يتحقق الآن بعد أن بلغت (مصروفات) الميزانية 19 مليار (دينار) ونتكلم عن وفر بحدود 200 مليون ونعتبره انجازاً".
لكن عباس المقرن، أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، اعتبر أن مغزى هذا القرار لا يمكن أن يقتصر على الوفر المالي فقط، مبينا أنه يهدف أيضا إلى تقليص استهلاك الوقود، وتخفيف الازدحام المروري، وتحقيق "الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.. إضافة إلى إعادة توزيع الدخل وهو موجود ضمنيا في الأسعار الجديدة".
وتضمنت الأسعار الجديدة رفعا بنسبة 41 في المائة لأقل أنواع البنزين جودة وهو البنزين "الممتاز" ليصبح سعر اللتر 85 فلسا، في حين بلغت الزيادة 83 في المائة إلى 165 فلسا للتر لبنزين "الالترا" وهو أغلى الأنواع ويستخدم للسيارات الرياضية والنوعيات الفارهة من المركبات.
السعر المناسب
وقال المقرن "كل الموارد إذا لم تضع لها سعرا مناسبا سيكون هناك إساءة في استخدامها وهدر".
وأضاف "المقرن" أن هذا القرار يشير إلى أن الحكومة بدأت في التنفيذ الفعلي للبرامج الواحد والأربعين التي تضمنتها وثيقة الإصلاح الاقتصادي، متوقعا أن تسير الحكومة في هذا الاتجاه "بوتيرة أسرع" خلال الشهور المقبلة.
وتتضمن الوثيقة استحداث ضريبة بواقع 10 في المائة من الأرباح الصافية للشركات إضافة لتطبيق الضريبة التي تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل خمسة في المائة من القيمة المضافة في أنشطة إنتاج السلع والخدمات.
تخوف الشركات
وتتخوف الشركات الخاصة من أن يكون فرض الضرائب هو الخطوة القادمة في لحظة تحقق فيها الشركات معدلات متواضعة من الأرباح.
ولا تدفع الشركات الكويتية ضرائب مباشرة، لكنها ملزمة بدفع نسبة من أرباحها لدعم العمالة الوطنية ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ونسبة إضافية زكاة مال.
وتدفع الشركات الأجنبية أرباحا تقدر بنحو 15 في المائة طبقا لتعديل تشريعي تم في 2008 وهو معدل منخفض عن النسبة السابقة التي كانت تصل إلى 55 في المائة.
وقال المقرن إن عدم وجود ضرائب في الكويت يعني وجود نقص لأداة "مهمة" من أدوات السياسة المالية، معتبرا أن فرض الضرائب سيشكل مصدر دخل للحكومة يتراوح بين 600 و800 مليون دينار سنويا.
وأضاف أن الوثيقة تشير إلى ضرورة التأكد الكامل من الآثار الاقتصادية المترتبة على تعديل الضرائب في الكويت، معتبرا أن "الحكومة متريثة في هذا الملف".
الأكثر تضرراً
وحول القطاعات الأكثر تضررا من قرار رفع أسعار البنزين قال حسن الخرافي رئيس اتحاد الصناعات بالكويت إن التأثير الأكبر سيكون على الأفراد معتبرا أن تأثيره على الصناعة سيكون "جزئيا وفي حدود معقولة يمكن تحملها" لأن الصناعة تعتمد بالأساس على الديزل والكهرباء وكلاهما يحظيان بدعم الحكومة.
وطالب الخرافي الحكومة بالتركيز على الملفات "المهمة" التي تشكل هدرا للموارد الاقتصادية ومنها "الفساد والمصاريف غير الضرورية" لبعض كبار القياديين في الدولة.
وقال: "التصريحات جيدة لكن على أرض الواقع فإن التطبيق يتم ببطء شديد".
ويتوقع "الخرافي" أن تؤثر هذه الخطوة سلبا على المستثمرين الأجانب. وقال "سوقنا غير مرغوب فيه من المستثمر الأجنبي (بينما)الاستثمار الكويتي الخاص موجود في جميع أنحاء العالم".
وأضاف "الخرافي" إنه وبهذه الخطوة فإن الحكومة وكأنها "تشجع المستثمر على الهروب.. نحن سوق غير مشجع. لماذا تفرض زيادة في الأعباء؟".