كان يُفترض أن تبث قناة "التاسعة" الخاصة، مساء الأربعاء، لقاء حصريا مُسجّلا مع الرئيس
التونسي السابق محمد منصف
المرزوقي، قبل أن تتراجع عن بثّه وتصدر بيانا كشفت فيه عن أسباب قرارها بعدم بثّ الحوار.
واللقاء الذي أحدث ضجّة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تمّ تسجيله مع المرزوقي يوم 3 أيلول/ سبتمبر الجاري في مدّة زمنية بلغت ساعة ونصفا، بحسب ما كتب الأخير في صفحته الرسمية بـ"فيسبوك".
وأكدت إدارة قناة "التاسعة" تعرّضها لضغوطات من قبل مسؤولين في رئاستي
الجمهورية والحكومة حتى لا يقع بث الحوار، داعية إياهما إلى توضيح مدى علمها بهذه الضغوطات التي مارسها بعض من تكلم باسمهما
وتابعت "التاسعة" في بيان لها، الخميس، أن الحوار مع الرئيس السابق المرزوقي سيقع بثه كاملا في التوقيت الذي تراه مناسبا.
من جانبه قال المرزوقي: "تردّدت لما طُلب مني قبول دعوة قناة (التاسعة).. وتذكّرت أن الكثير يعتقدون أنني غائب والحال أنني مغيّب إعلاميا وسياسيا كما كان الحال في عهد المخلوع. كما عاب على البعض أنني لا أعطي مقابلات إلا للتلفزيونات الأجنبية، لهذا قررت القبول لكن بشرط الحديث عن حاضر تونس ومستقبلها".
ضغوطات متعددة
وتابع: "قلت لهم إنني لن أردّ على قائمة الأسئلة الخبيثة التي تعدّها غرفة العمليات كل مرة لتثبيت الأكاذيب نفسها في عقول النظارة بالتكرار المقصود (لماذا سلمت البغدادي المحمودي، لماذا استقبلت الإرهابيين، لماذا بعثت بأطفالنا لسوريا؟ إلخ)... وقبلوا بقاعدة اللعبة"، وفق تعبيره.
وأضاف المرزوقي أنّه انتظر البثّ "لما بدأت تصلني أخبار عن ضغوطات متعددة المصادر لعدم بثّ الحلقة لم أصدّق أن بوسعهم منع رئيس جمهورية سابق من إبداء رأيه في مشاكل بلد محكوم نظريا بنظام ديمقراطي أتت به ثورة سلمية أطاحت باستبداد تميّز بقمعه الشديد لحرية الرأي ومنها حريتي شخصيا.. لكن هذا ما تمّ فعلا".
تجاوز خطير
وقال حزب "تونس الإرادة"، الذي يرأسه المرزوقي، إنّ إدارة القناة أعلمته باستحالة بثّ الحوار، مشيرا في بيان تلقت "
عربي21" نسخة منه، الخميس، إلى أنّه "تأكد لنا أنّ ضغوطا كبيرة سلّطت على القناة بلغت حدّ التهديد من قبل رئاسة الجمهوريّة وأعضاء في
الحكومة لمنع بثّ الحوار".
وحمّل الأمين العام لحزب "تونس الإرادة" عدنان منصر، خلال مؤتمر صحفي عقده، الخميس، قناة التاسعة المسؤولية الأخلاقية والمهنية لعدم بث الحوار، داعيا الأحزاب السياسية، ونقابات المهن الصحفية ومنظمات المجتمع المدني إلى إعلان مواقف صريحة من هذا التجاوز الخطير"، وفق تعبيره.
تغوّل رئاسة الجمهورية
وقال منصر: "نحن نعيش مرحلة تغوّل حقيقية لرئاسة الجمهورية.. مرحلة الاعتداء على كل فضاءات التعبير الحر وتكميم الأفواه وهو ما حذرنا منه في السابق"، مضيفا أنّ الضغوطات والتهديدات جاءت من القصر ورئاسة الحكومة، ثم من محيط الرئيس، في إشارة إلى أحد مستشاريه.
من جانبها نفت مستشارة
قايد السبسي سعيدة قراش في تصريح لإذاعة "شمس أف أم"، ممارسة مؤسسة رئاسة الجمهورية ضغوطات على قناة "التاسعة" لعدم بث حوار الرئيس السابق منصف المرزوقي مساء الأربعاء.
وعبّر الاعلامي بقناة "التاسعة" مكّي هلال، الذي أجرى الحوار مع المرزوقي، في منشور له بـ"فيسبوك" عن شعوره بالإحباط، قائلا "في غاية الإحباط! ليست هذه تونس الجديدة التي حلمت بها وعدت من أجلها"، في إشارة إلى مغادرته، قبل سنة، "بي بي سي عربي" للالتحاق بـ"التاسعة".
وكتب الإعلامي برهان بسيس، في صفحته بـ"فيسبوك" تدوينة يقول فيها: "إدارة قناة التاسعة هي الوحيدة المخوّلة بإعطاء التوضيحات اللاّزمة، وأكتفي بالقول إن هذا الملف يحتوي معطيات خطيرة ستطيح سيّاسيا بعديد الرؤوس في حالة خروجها للعلن".
وفي سياق متصل، قالت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إنّها أجرت اتصالات بكل الأطراف المعنية وخاصة قناة "التاسعة" التي أكد مسؤولوها حقيقة تعرضهم لهذه الضغوطات.
الوصاية على الإعلام
ودعت النقابة في بيان حمل إمضاء رئيسها ناجي البغوري، وتلقت "
عربي21" نسخة منه، رئاسة الحكومة إلى توضيح حقيقة تورط بعض أعضائها في هذه الحادثة، لافتة إلى أنه لا سبيل لعودة التعليمات وممارسة أي وصاية على الإعلام، مطالبة قناة "التاسعة" بكشف تفاصيل ما قالت إنه ضغوط وتسمية الضالعين فيها ليتسنى التشهير بهم سياسيا ومتابعتهم قضائيا.
أبواب الدكتاتورية
وتساءل الإعلامي والمحلل السياسي بإذاعة "موزاييك" زياد كريشان عن السبب الذي جعل القائمين على القناة يرضخون للضغوطات، مشيرا إلى إنه لو ثبتت تلك التهديدات "فإنه يجب الكشف عمن يقف وراءها وفضحه والتنديد به في كل وسائل الإعلام حتى لا تتكرر العملية".
واعتبر كريشان أن الأمر على غاية من الخطورة "لأنّه يفتح أبواب الدكتاتورية والاستبداد وقمع حرية الإعلام"، فيما قال الإعلامي هيثم المكي إنه علم من مصادر من داخل القناة أن الضغوط تتعلّق أساسا بمسألة بقاء القناة أصلا، ما يعني، بحسب المكّي، أن الأمر له علاقة بمصلحة الضرائب أو المُعلنين.