أثارت تصريحات رئيس
حكومة الوفاق الليبية، فايز
السراج، بخصوص موقف مبادرته للمصالحة الشاملة التي أطلقها مؤخرا، من اللواء المتقاعد خليفة
حفتر، جدلا واسعا، كونه لم يستبعد مشاركة الأخير في هذه
المصالحة.
وكان السراج قد صرح لقناة "فرانس24" الثلاثاء الماضي، بأن مبادرته السياسية "لا تقصي حفتر، رغم وجود خلافات، شريطة أن تكون القيادة العسكرية تحت إمرة القيادة السياسية".
وقال السراج في تصريحات أخرى لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إنه يعتزم تقديم تشكيلة حكومية جديدة إلى برلمان طبرق، الذي كان قد اعترض على التشكيلة السابقة، مضيفا أنه "ليس لدينا فيتو على ضم أي شخص إلى الحكومة، فالباب مفتوح للجميع للانضمام تحت القيادة السياسية، وهذه دعوتنا لجميع الأطياف، وجميع العسكريين الموجودين".
وأضاف: "عندما نتحدث عن دولة مدنية؛ فهذا يعني أن تكون القوات العسكرية موجودة تحت قيادة سياسية، وأعتقد أن هذا الأمر قد يكون أحد أسباب الاختلافات بيننا".
واعتبر مراقبون دعوة السراج إلى ضم حفتر لمبادرة المصالحة الشاملة، مجرد "مناورة سياسية" لكسب الأخير إلى صفوف الحكومة التي يرفضها ويحاربها، في حين رأى آخرون أنها "تراجع واضح في موقف الحكومة تجاه حفتر، الذي يجب أن يقدَّم للمحاكمة، كونه ارتكب جرائم حرب في المنطقة الشرقية، ناهيك عن كونه السبب الرئيس في تقويض مشروع المصالحة منذ انطلاقه".
مخاطر
ووصف الصحفي الليبي طارق القزيري،
مبادرة السراج سياسيا بطرح تصور لحل معضلة تبعية وقيادة الجيش بأنها "جيدة"، معللا ذلك بأنها "تختصر المسافة، وتجعل الحوار بين طرفين مباشرين".
واستدرك القزيري في حديثه لـ"
عربي21" بالقول إن "السراج نفسه لا يشكل قوة على الأرض، ويتصرف كمجلس رئاسي، وهذا يجعل المبادرة بلا قيمة واقعية حقيقية"، مضيفا أنه "يحاول الاستناد إلى طرف على الأرض، ولن يكون هذا الطرف إلا مقابلا لحفتر في القوة، فهو في هذه الحالة يضع نفسه جزءا من الصراع".
من جانبه؛ قال المحلل السياسي الليبي، أسامة كعبار، إن موقف السراج المعلن من حفتر "ليس غريبا، فكل مواقفه السابقة متصالحة مع حفتر، ودعوته للمصالحة تحمل إشارة إلى أن الدول الغربية ذات النفوذ في الداخل الليبي هي التي تفرض حفتر ومشروعه".
وأضاف كعبار لـ"
عربي21" أن "حفتر لا يسعى للمصالحة أبدا، وهو يعول فقط على الحسم العسكري، ويؤكد هذا رفضه المستمر لمقابلة المبعوث الأممي إلى
ليبيا، مارتن كوبلر، والذي يعد مؤشرا آخر على خياره العسكرى الصرف، وسعيه إلى استنساخ التجربة المصرية الانقلابية بحذافيرها، وهذا هو خياره ومشروعه".
حفتر وعرقلة المصالحة
من جهته؛ قال العقيد برئاسة الأركان الليبية بطرابلس، عادل عبد الكافي، إن السراج تجاوز صلاحياته ومهامه بدعوته إلى المصالحة مع حفتر، مؤكدا أن هذا "ليس ضمن اختصاصاته التي نص عليها الاتفاق السياسي الذي جاء بالسراج وحكومته، وهو نفس الاتفاق الذي أبعد حفتر عن المشهد بنص المادة (8)".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "دور السراج هو تنفيذ الاتفاقية، وليس المصالحة مع مجرم حرب يجب محاكمته على ما فعله بحسب القوانين الدولية".
وأكد عبدالكافي أن حفتر هو "المتسبب الأول في وأد ملف المصالحة، منذ إعلانه رفض الاتفاق السياسي، وعدم قبوله الانضواء تحت القيادة السياسية الشرعية، بالإضافة إلى قيامه بعسكرة المنطقة الشرقية بعد إقالة عمداء بلديات منتخبين، وتعيين عمداء عسكريين، ناهيك عن خلط الأوراق من خلال اجتماعات شيوخ القبائل في مصر، وإشراكهم في الوضع السياسي، وتحشيد مرتزقة جماعة العدل والمساواة والعصابات التشادية في الجنوب الليبي، ودعمهم بالأسلحة والذخيرة التي يُدعم بها من قبَل الأطراف الإقليمية، وهو ما يؤكد أن مساراته جميعها تقوض المصالحة".
رؤية غير واضحة
من جانبه؛ قال وزير التخطيط الليبي الأسبق، عيسى تويجر، إن السراج "لم يفصح عن رؤية واضحة للمصالحة، ولم يحدد ثوابتها، ولم يعلن موقفه من مشروع حفتر"، مشيرا إلى أن "الشرط الوحيد الذي أعلنه السراج؛ هو ضرورة خضوع حفتر للاتفاق السياسي مقابل الاعتراف به".
وأضاف تويجر لـ"
عربي21" أن "هذه المبادرة تتعارض مع مشروع حفتر الذي يهدف إلى هدم العملية الديمقراطية، والعودة إلى الديكتاتورية العسكرية، وذلك منذ إعلانه الانقلاب على المؤتمر الوطني العام، إلى سيطرته على مقاليد الحكم في المنطقة الشرقية، وإخضاعه البرلمان الذي يدعمه ويشرعن مشروعه".
أما الكاتب الليبي عبدالله الكبير؛ فرأى أن دعوة حفتر للدخول في المصالحة "أمر لا مناص منه، فهو يمثل تيارا عريضا يضم تحالفا قبليا وعسكريا، وله ظهير إقليمي قوي يراهن عليه لإقامة مشروعه في ليبيا".
وقال الكبير لـ"
عربي21": "لكني أشك كثيرا في قبول حفتر الخضوع لسلطة مدنية؛ لأن ذلك يعني توقفه عن حلمه بالسيطرة على ليبيا من خلال القوة العسكرية".