بينما كانت الطائرات الروسية تقصف مشافي حلب الشرقية، التي تحاصرها قوات نظام الأسد، خلال الأسبوع الماضي؛ فإن هذه الأخبار لم ترد مطلقا في وسائل الإعلام الروسية، بحسب تقرير لصحيفة "
الغارديان" التي تابعت الإعلام الروسي بتغطيته لسوريا.
وتابعت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقرير لها الثلاثاء، وسائل الإعلام الروسية المختلفة، وتغطياتها للحرب السورية التي دخلتها قبل عام.
ففي عنوان رئيس لوكالة "ريا نوفوستي" الرسمية، نقرأ: "الطيران السوري يشن غارات كبيرة على المسلحين قرب حلب"، ونقلتها وكالة "تاس" ومؤسسات أخرى، بينما ادعت "القناة الأولى" الروسية أن الجنود الروس أوصلوا مساعدات لـ"لاجئين من مناطق حلب التي يسيطر عليها الإرهابيون".
وفي الوقت الذي ركز به الإعلام الغربي على القصف الكثيف وضحايا المدنيين في محاولة النظام السوري استعادة السيطرة على حلب الشرقية، كان الإعلام الروسي "ينقل الأخبار عن صراع مختلف تقريبا"، بحسب "الغارديان".
"بروباغندا مضادة لروسيا"
وقال ليف غودكوف، مدير "مركز ليفادا" المستقل للاستفتاءات، إن "المشاكل التي تولد رد فعل غاضبا في الإعلام الغربي، مثل التطورات حول حلب أو قصف القافلة الإنسانية لا تلاحظ في
روسيا، لأنها ليست على التلفاز، أو لأنها تعرض على أنها بروباغندا مضادة لروسيا".
وكان التلفزيون الروسي مشجعا للعمليات العسكرية السورية والروسية وابتعد عن الضحايا المدنية، حيث قالت "القناة الأولى" إن الجنود السوريين "لم يكونوا يستخدمون المدفعية والهاون ضد المباني السكنية والمواطنين"، متناسيين أن قوات النظام بدأت أكثف حملة قصف جوي منذ بدء الحرب حتى الآن.
وخلال الأيام الماضية، كان الإعلام الروسي يحتفي بمرور عام على التدخل الروسي بتصريحات كبيرة مثل: "روسيا أثبتت أنها ليست أقل من قوة عظمى"، كما أن "روسيا هي اللاعب الرئيس في المنطقة، بعدما خسرت الولايات المتحدة نفوذها هناك".
"تهديدات أمريكية"
وعندما قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي إن روسيا إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النار "فإن التنظيمات المتطرفة ستستمر بملء الفراغ الموجود في
سوريا لتوسيع عملياتها، التي تستهدف المصالح الروسية، وربما المدن الروسية"، قالت القنوات التلفزيونية الروسية إن كيربي هدد روسيا بشأن سوريا.
وقالت مذيع قناة "روسيا 1"، إن "جون كيربي توعد بهجمات في المدن الروسية"، واتهم واشنطن بأنها "تخفي عجزها عن قدرتها أو رغبتها بالالتزام بوقف إطلاق النار بطريقة مجربة: اتهامات روسيا".
وبعدما فشلت المحادثات الأمريكية الروسية، قالت قناة "روسيا 1": "الدبلوماسيون الغربيون حاولوا مجددا تحويل مجلس الأمن لمنطقة لاتهام روسيا والحكومة السورية"، بحسب "الغارديان".
أما عندما دعت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، سامنثا باور، لوقف "البربرية" الروسية، فقد قالت القناة إن "الغرب هو من عليه أن يتوقف".
منظورات مختلفة
وقالت "الغارديان" إن هناك غارتين وقعتا مؤخرا تظهران اختلاف التغطية عن روسيا.
الغارة الأولى كانت الغارة الأمريكية على جنود النظام السوري في دير الزور الشهر الماضي، والتي أدت لمقتل 62 جنديا، حيث نشر الإعلام الروسي بشكل موسع الاعتذار الأمريكي، وادعاءات النظام الروسي بـ"المؤامرة" الأمريكية لدعم تنظيم الدولة.
الغارة الثانية هي الغارة على القافلة الإنسانية للهلال الأحمر لنقل المساعدات إلى حلب، وأدت لمقتل 20 شخصا، واتهمت به الولايات المتحدة روسيا، بينما كان الإعلام الروسي جاهزا للوقوف ضد "الاتهامات الخاطئة بشكل متعمد من أمريكا"، وتقديم بدائل خاطئة.
رد صدى رسمي
واعتبرت "الغارديان" أن هذا النشر يمثل رد صدى للسردية التي تقدمها وزارة الدفاع الروسية، التي قالت ابتداء إن القافلة لم تضرب بغارة جوية أو قصف، بل "احترقت"، ولامت عليها الثوار.
في اليوم التالي، ادعت "الدفاع الروسية أن طائرة أمريكية بدون طيار من التحالف الذي تقوده أمريكا وتستطيع تنفيذ غارات أمريكية كانت في المنطقة، مشيرة إلى أن واشنطن كانت تحاول تحويل الانتباه من الهجمات على الجنود السوريين.
وتساءل مقال في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية اليومية، بعنوان: "هل تدمرت القافلة الإنسانية على يد المخابرات الأمريكية؟"، مناقشا أن المخابرات الأمريكية رتبت مشهد الهجوم، بحيث يستطيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما "حفظ ماء وجهه باتهام روسيا"، بدل إجابة السؤال عن هجوم دير الزور.
مصنع الكذب
بدوره، قال رسلان ليفيف، الذي يعمل في "فريق استخبارات الصراع" للصراع الاستقصائي، والموجود بروسيا، إن قصف الغارة كان "ضربة موجعة" للكرملين، لأن "مصنع الكذب تم تفعيله منذ اليوم الأول، متجاوزا أي ذكر للغارة وبدأ تقديم تفسيرات كثيرة".
ويرتبط الكريملن بـ"مصنع كذب" في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، حيث يكتب العديد تعليقات ومنشورات داعمة للحكومة، ورد الكثير منهم على "فريق استخبارات الصراع" وبدوا كأنهم صنعوا على يد الكريملن، بنشاطات إنجليزية مثيرة للاهتمام، بحسب "الغارديان".
ووجدت آخر إحصائية لمركز "ليفادا" أن 61 بالمئة من المستجيبين أقروا العمليات الروسية في سوريا، متراجعين عن 81 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، بما يفسره غودكوف بطول العملية منذ إعلان
بوتين الانسحاب في آذار/ مارس الماضي.