في الوقت الذي أثارت فيه حملة القصف العنيف المتواصل على مدينة
حلب إدانات دولية شديدة، يصر النظام السوري على مواصلة قصف المدينة إلى أن يخرج منا "الإرهابيون"، فيما دعا حليفه الروسي إلى "العمل على سحب المسلحين" من حلب لتجاوز الأزمة.
في حين يدرس الرئيس الأمريكي باراك أوباما عقوبات جديدة على النظام السوري يمكن أن تكون لها وطأة شديدة على النظام وتستهدف أيضا حليفه الروسي.
وتحاصر قوات النظام السوري منذ نحو شهرين الأحياء الشرقية في مدينة حلب، حيث يعاني أكثر من 250 ألف شخص جراء النقص الفادح في المواد الغذائية والأدوية.
فرنسا: لا شيء يبرر المجزرة
حذر وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، من أن القصف الأعمى على حلب "يساهم في خلق جهاديين جدد"، مؤكدا أنه لا شيء يبرر المجزرة التي تعيشها حلب بسبب القصف العشوائي عليها، ومعربا عن رغبة باريس في إيجاد "
سوريا لائكية لا تقوم على أساس ديني".
وقال أيرولت خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بموسكو، الخميس، إنه جاء إلى
روسيا من أجل التباحث حول الوضع القائم والمأساة الإنسانية القائمة بسوريا، و"للبحث عن الخروج من هذه المذبحة".
وانتقد وزير الخارجية الفرنسي القصف العشوائي الذي يشنه الطيران الروسي والسوري على مناطق سيطرة المعارضة السورية بحلب، وحذر من أن "القصف الأعمى على حلب يسهم في خلق جهاديين جدد"، وقال: "لا شيء يبرر المجزرة التي تعيشها حلب بسبب القصف العشوائي عليها".
وأكد أيرولت أن "باريس تدعم رؤية روسيا الخاصة بضرورة التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب"، واستدرك: "روسيا ليست عدونا بالرغم من أنها تدعم النظام السوري".
وتابع: "نريد أن نقنع الجميع بأنه يمكن أن نجد حلا سياسيا لفترة انتقالية بسوريا"، وتابع: "يجب إيقاف الطيران وإيصال المساعدات الإنسانية وبعد ذلك تعود المفاوضات".
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي عن رغبة باريس في إيجاد دولة سورية موحدة وليس إلى "بلقنة سوريا"، وتابع: "نريد سوريا موحدة وعلمانية لائكية، لا تقوم على أساس ديني بدستور يساعد ويضع الأسس لإعادة بناء سوريا ويحترم حقوق الأقليات".
وشدد على أن فرنسا سوف تستمر في تشديد طاقتها لإقناع الجميع "بأن المفاوضات هي الطريق الوحيد لضمان المستقبل بسوريا" وكشف أنه "بدون السلام لن يكون هناك سوريا ولن يكون هناك فرصة حتى لإعادة والإعمار"، على حد تعبيره.
دي ميستورا: 100 ألف طفل قتل بحلب
من جهته قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، الخميس، إنه يعتزم الذهاب إلى شرق حلب ومرافقة ما يصل إلى ألف مقاتل من الإسلاميين للخروج من المدينة من أجل وقف حملة القصف التي تنفذها القوات الروسية والسورية.
وقال ستافان دي ميستورا إن التاريخ سيحكم على سوريا وروسيا إذا استغلتا وجود نحو 900 مقاتل من جبهة النصرة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام "كذريعة سهلة" لتدمير المنطقة المحاصرة وقتل 275 ألف مواطن بينهم 100 ألف طفل.
وأضاف دي ميستورا في مؤتمر صحفي بجنيف: "خلاصة القول أنه خلال شهرين أو شهرين ونصف الشهر كحد أقصى ربما تدمر مدينة شرق حلب بهذا المعدل تدميرا تاما. نتحدث عن المدينة القديمة على وجه الخصوص".
وقال دي ميستورا إن هناك 8000 مقاتل على الأكثر في شرق حلب بينهم مقاتلون من جبهة النصرة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام لكن الكثير منهم غادر قبل تطويق المنطقة ولم يبق أكثر من 900 من عناصرها.
ثم وجه الدبلوماسي المخضرم مناشدته مباشرة إلى مقاتلي جبهة النصرة "وإذا قررتم بالفعل المغادرة بكرامة بأسلحتكم إلى إدلب أو أي مكان تريدون الذهاب إليه فأنا شخصيا مستعد لمرافقتكم.. لا أستطيع أن أقدم ضمانة أكثر من شخصي وجسدي".
ولاقى عرض دي ميستورا مرافقة مقاتلي جبهة فتح الشام إلى خارج شرق حرب دعما سريعا من المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل بوجدانوف.
ونقلت وكالة تاس للأنباء عنه قوله تعليقا على اقتراح دي ميستورا "آن الأوان". ولم يتضح على الفور إذا ما كانت روسيا مستعدة أيضا لوقف قصفها الذي مكن قوات الحكومة السورية من تحقيق مكاسب على الأرض.
وقال دي ميستورا إن الاختيار سيكون بين أمرين إما تدمير مدينة شرق حلب بكاملها -التي يقطنها 275 ألف شخص- من أجل التخلص من ألف مقاتل بجبهة النصرة وإما ترك مقاتلي النصرة يغادرون ووقف القصف.
وسيترك الخيار الثاني الإدارة المحلية في مكانها ويسمح بإيصال المساعدات الإنسانية والطبية للمدنيين من بينهم 200 مدني مصاب على الأقل يحتاجون لإجلاء طبي لإنقاذ أرواحهم.
الأسد: سنواصل القصف
أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن قواته ستواصل محاربة "المسلحين" في حلب حتى يغادروا المدينة، إلا إذا وافقوا على الخروج بموجب اتفاق مصالحة، وفق مقابلة تلفزيونية مع قناة دنماركية نشرت نصها وكالة الأنباء السورية الرسمية الخميس.
وقال الأسد إن هدف القوات السورية والروسية في المرحلة المقبلة "الاستمرار في محاربة المسلحين حتى يغادروا حلب"، مضيفا "ينبغي أن يفعلوا ذلك، ليس هناك خيار آخر، لن نقبل بأن يسيطر الإرهابيون على أي جزء من سوريا".
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه "إذا كان هناك أي خيار آخر مثل المصالحات التي تمت في مناطق أخرى فإن ذلك هو الخيار الأمثل وليس الحرب".
وتأتي مواقف الأسد غداة دعوة الجيش مقاتلي الفصائل في الأحياء الشرقية إلى "عدم انتظار المساعدة من أحد، فجميع خطوط الإمداد أصبحت مقطوعة ولا مجال أمامهم إلا إلقاء السلاح"، محذرا من "أن كل من لا يستفيد من الفرصة المتاحة لإلقاء السلاح أو المغادرة سيلقى مصيره المحتوم".
وغالبا ما يستخدم النظام السوري سياسة الحصار لتجويع المناطق الخارجة عن سيطرته وإخضاعها، بهدف دفع مقاتليها إلى تسليم سلاحهم ومغادرة هذه المناطق بموجب اتفاقات مصالحة.
وحقق الجيش السوري تقدما ميدانيا الخميس داخل مدينة حلب، حيث يخوض معارك عنيفة ضد الفصائل في حي بستان الباشا الذي تمكن من السيطرة على نصف مساحته.
وبدأ الجيش السوري قبل أسبوعين هجوما للسيطرة على الأحياء الشرقية في حلب، إثر انهيار هدنة في 19 أيلول/ سبتمبر كان تم التوصل إليها بموجب اتفاق أمريكي روسي وصمدت أسبوعا.
وقال "كحكومة ليست لدينا سياسة لتدمير المستشفيات أو المدارس أو أي منشأة أخرى"، مضيفا "هذا شيء لا نقوم به لأنه يتعارض مع مصالحنا فنكون كمن يطلق النار على نفسه".
وأوضح إذا "كان هناك مثل هذا الهجوم من قبل الجيش فيمكن أن يحدث من قبيل الخطأ"، متابعا "لكن ليس لدينا أي معلومات بأن ذلك قد حدث".
وعما إذا كان يعتبر أن من يستهدف المستشفيات يرتكب "جرائم حرب"، أجاب "بالطبع إنه كذلك طبقا للقانون الدولي، للمستشفيات حصانة".
وتشهد سوريا منذ آذار/ مارس 2011، نزاعا داميا تسبب بمقتل أكثر من 300 ألف شخص ودمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
لافروف يشدد على فصل المعارضة عن" الإرهابيين"
من جانبه شدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن أي مشروع حول الأزمة السورية "ينبغي أن يراعي الفصل بين الإرهابيين والمعارضة المعتدلة"، وشدد على أن "الحفاظ على حلب لا يكون بالتصريحات بل بالعمل على سحب المسلحين منها".
وقال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي جان مارك أيرولت، بموسكو، الخميس، إن سوريا مستعدة للعمل على مناقشة مشروع القرار الفرنسي بخصوص سوريا والذي ينص على "توجيه مطالب للفصل بين المعارضة السورية وجبهة النصرة (فتح الشام)، وذلك استنادا إلى قرارات مجلس الأمن والمجموعة الدولية لدعم سوريا، وبموجب الاتفاقيات التي أبرمناها مع الأمريكيين".
وأوضح أنه في حال تعديل بعض بنود الاتفاق بشأن سوريا فإنه "يحتاج إلى مفاوضات مطولة"، ولفت إلى أنه "حتى الآن لا نشهد أي نشاط من قبل الدول الأعضاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا".
وشدد لافروف على أن "أي مشروع حول الأزمة السورية ينبغي أن يراعي الفصل بين الإرهابيين والمعارضة المعتدلة". وقال إن موسكو ترحب باقتراح دي ميستورا الخاص بإخراج مسلحي جبهة فتح الشام من حلب.
واتهم وزير الخارجية الروسي واشنطن بعجزها عن السيطرة على المسلحين المسيطرين على شرق حلب، وقال إن الاتفاق الذي أبرم سابقا مع الولايات المتحدة حول إعلان هدنة 72 ساعة وسحب القوات الحكومية والمعارضة إلى مسافات متساوية عن طريق كاستيلو، لم تلتزم به واشنطن، "حيث قالت لنا إنها عاجزة عن إقناع المعارضة من سحب قواتها من كاستيلو بخلاف القوات الحكومية".
وأكد لافروف أنه "لابد من بسط السيطرة على المسلحين المسيطرين على شرق حلب، والذين أعربوا أنهم لن يسمحوا بمرور المساعدات على طريق الكاستيلو.."، وشدد على أن موسكو لا تحاول تقسيم حلب إلى أجزاء تسيطر عليها الحكومة وأخرى تسيطر عليها المعارضة "بل نريد فك الحصار كاملا".
وكشف الوزير الروسي أن نشر منظومتي صواريخ إس 300 وإس 400 يأتي لتأمين القوات الروسية بسوريا، وتابع: "هدفها الأساسي حماية الجنود الروس بالمنطقة".
وشدد على أن "الحفاظ على حلب لا يكون بالتصريحات بل بالعمل على سحب المسلحين منها".
ولفت إلى أن الاتصالات مازالت متواصلة مع الجانب الأمريكي، وقال: "إن كل حواراتي واتصالاتي مع جون كيري تشدد على أنه ليست هناك إمكانية للحل العسكري في سوريا".
عقوبات أمريكية
مع تعثر الجهود الدبلوماسية لإيجاد تسوية للنزاع في سوريا والحصار المفروض على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، يدرس الرئيس الأميركي باراك أوباما عقوبات جديدة على النظام السوري يمكن أن تكون لها وطأة شديدة على النظام وتستهدف أيضا روسيا الداعمة للرئيس بشار الأسد.
وقال مسؤولون ودبلوماسيون إن البحث جار في هذه الاستراتيجية، مشيرين إلى أن الجهود الأولية قد تركز على فرض عقوبات في الأمم المتحدة على الجهات الضالعة في هجمات بواسطة أسلحة كيميائية.
ومن المتوقع أن تصدر لجنة تحقيق مدعومة من الأمم المتحدة خلال الأسابيع الأربعة المقبلة تقريرا جديدا حول هجومين بالأسلحة الكيميائية وقعا في سوريا في 2014 و2015.
وسبق أن حملت اللجنة التي شكلتها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية القوات الجوية السورية مسؤولية هجومين كيميائيين بغاز الكلور على بلدتين في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، هما تلمنس في 21 نيسان/ أبريل 2014 وسرمين في 16 آذار/ مارس 2015.
غير أن التقرير الجديد المرتقب صدوره قبل 27 تشرين الأول/ أكتوبر سيتضمن المزيد من التفاصيل حول الجهات المسؤولة، ما يمهد لفرض عقوبات محددة الأهداف.
ويقول مؤيدو العقوبات إن فرضها سيوجه إشارة مفادها أن هناك هامشا ضئيلا للمحاسبة في سوريا لا زال قائما على الرغم من النزاع المستمر منذ سنوات ووقوع الكثير من الفظاعات وسقوط أكثر من 300 ألف قتيل.
في حين أن معظم المقربين من بشار الأسد وكبار مساعديه العسكريين يخضعون حاليا لعقوبات تتضمن منع السفر إلى الولايات المتحدة وتجميد أموالهم، رأى مسؤولون أن استهداف ضباط من مراتب أدنى قد ينعكس على معنويات القوات العسكرية السورية. غير أن التأثير الأكبر قد يكون على الصعيد الدبلوماسي.
فأي مشروع لفرض عقوبات سيضع روسيا في موقع غير مريح ستظهر فيه على أنها تدافع عن استخدام حليفها أسلحة كيميائية، وقد يرغمها على استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
وكان من المقرر أن يصدر التقرير في وقت سابق، لكن تم تأجيله لإتاحة فرصة من أجل أن تتوصل الجهود الأمريكية والروسية إلى وقف إطلاق نار في سوريا.
ومع وصول هذه المساعي إلى طريق مسدود، اشتدت الضغوط على أوباما للتحرك من أجل وقف المجازر في سوريا.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن "ما نقوم به هو دبلوماسية من نوع آخر، دبلوماسية قد تكون أشد وطأة يمكن أن تتخذ شكل قرارات مصممة لممارسة الضغط".
في حال فشل المساعي في الأمم المتحدة، يرجح التوجه إلى اعتماد عقوبات تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون.
وأفاد المسؤولون إن نطاق العقوبات قد يكون واسعا ولا يقتصر على سوريين فقط بل يشمل أيضا شركات روسية توفر الإمكانات لضرب مناطق مدنية.
والهدف من ذلك توجيه رسالة قوية إلى موسكو بأنها ليست بمنأى عن العقوبات وأن استمرارها في دعم النظام السوري يحتم عليها دفع ثمن.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست "لا استبعد جهودا متعددة الأطراف خارج إطار الأمم المتحدة لفرض أثمان على سوريا آو روسيا أو غيرهما فيما يتعلق بالوضع داخل سوريا"، أضاف "لا استبعد ذلك من حيث الخيارات التي يمكن أن يدرسها الرئيس".
في الإطار نفسه، تبنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطابا أكثر تشددا أخيرا على خلفية المجازر في حلب وأبعاد أزمة اللاجئين التي هزت أوروبا.
وبعد مكالمة هاتفية مع أوباما الاسبوع الماضي، ندد الزعيمان بـ"بأشد العبارات بالغارات الجوية الوحشية لروسيا والنظام السوري على شرق حلب"، وحملا موسكو ودمشق "مسؤولية خاصة في وضع حد للمعارك".
لكن يستبعد أن تؤدي أي من العقوبات قيد الدرس حاليا إلى إنهاء القتال بصورة مباشرة في حلب. واستبعد مسؤولون احتمال أن يخرج أوباما عن خطه المعارض للقيام بتحرك عسكري ضد النظام السوري، وأن يأمر بشن ضربات جوية أو بواسطة صواريخ كروز على أهداف تابعة للقوات السورية.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست "ثمة عواقب جسيمة تترتب على استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد نظام الأسد"، مضيفا أن "أبرز هذه العواقب التي يجدر أن نتنبه لها هي انجرار الولايات المتحدة إلى حرب برية جديدة في الشرق الأوسط".