"لولا الملامة" لقالوها، إن القيادي الإخواني الراحل "محمد كمال"، لا شيء، وقد أفزعهم حالة التعاطف مع الرجل، حتى ظنوا أنه سيعود للحياة ثانية، وسيتخذ من الكتابات التي ذكرت مآثره دليلاً على أنه الأجدر بقيادة الجماعة، فكان لابد من تجريده من أي قيمة ارتقت به ليمثل التيار الثوري في الإخوان، بعد اعتقال الدكتور محمد البلتاجي!
لمن يتعاملون بظاهر النص، فإني لا أقصد مما سبق جماعة الانقلاب في
مصر، فقيمة المرء تتأسس بدرجة عدائهم له، وهجومهم عليه، ولكن من أعنيهم هم الذين قرروا احتكاره، والنظر إليه باعتباره شأناً إخوانياً خالصاً، ما من شأنه أن يجعل الداخل في "صراع الإخوة"، كالداخل بين البصلة وقشرتها، وقد قرأت لأحدهم يريد أن ينتحي بالراحل جانباً، على قاعدة أنهم هم تلاميذه، وهم بالتالي أولى به من غيرهم، وكأننا في مجال تقسيم ثروته، لتكون الدعوة قاصرة على "الورثة الشرعيين"!
في مقام آخر كنت قد ذكرت واقعة متواترة، ومن أكثر من مصدر، وليس هناك مبرر لي لاختلاقها، فلم أكن قبل الانقلاب العسكري قد سمعت باسم الرجل، بل لم أسمع باسمه إلا عندما ثار نزاع داخل الجماعة، حول من يمثلها، ولم أطالع صورته إلا عقب قيام أجهزة الأمن بتصفيته، وإن بدا ليس غريباً علي، فربما رأيته في مؤتمر أو ما شابه ذلك، لكن لم تكن تربطني به علاقة شخصية، وإلا لما وقعت أسيراً للمتداول عنه من أن محافظة أسيوط هي مسقط رأسه، في حين أنه "بلدياتي" من سوهاج، وهو ما عرفته في وقت لاحق من "بلدياتي" أيضاً الدكتور محمد الصغير البرلماني السابق ومستشار وزير الأوقاف، وقد روى لنا جانباً من حياة الرجل، حتى ظننت أنه أكثر من إنسان.
الواقعة التي أثارت جدلاً واسعاً، كانت عن قرار الدكتور "محمد كمال" بالتصدي للشبيحة ورجال الأمن، الذين تحركوا لإحراق مقار الإخوان في الصعيد، الذي كان مسؤولاً عنه داخل الجماعة، على نحو كان سبباً في عدم التجرؤ على هذه المقار، في حين تعرضت مقار الجماعة وحزبها للإحراق والتدمير في الوجه البحري، الذي التزم بقرار مكتب الإرشاد بعدم المقاومة، وتركها عند قدوم القوم!
ومن مصادر في الجماعة، كانت مقربة من الرجل، علمت بقصة الاتصال الهاتفي بمدير الأمن معه، قبل أن يسحب قواته، هل لجأ الإخوان لحمل السلاح؟.. هو سؤال يحمل استنكاراً، حتى يحرض الطرف الآخر على إعلان البراءة بعدها يبدأ التفاوض بسحب المسلحون من محيط مقر الحزب أو الجماعة، لإثبات حسن النية وإذ رد عليه "كمال" بالإيجاب فلم يكن يعني هذا التسليم بالاتهام، فهو رد يدخل في سياق رفض الابتزاز الذي يقوم به مدير الأمن، فهو أمر يفهمه أي "صعيدي" جيداً، مع خالص احترامي للمستشرقين!
لم أكد أنشر هذه الراوية حتى نفر القوم خماصاً وثقالاً، نفياً لها، وممن انتحلوا صفة أنهم أبناء الدكتور "محمد كمال"، وأحدهم أصابته هستيريا الضحك، بنشر الرموز الدالة على ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن "والده"، بـ "الانتحال"، لم تتم تصفيته على يد قوات الأمن، وهو أمر كفيل بأن يقمع هذه الهستيريا ويتظاهر بالحزن!
الانشغال بنفي الواقعة، كان محاولة لتجريد "محمد كمال" من كل ما يمكن أن يفسر على أنه من أسباب تميزه عن الآخرين، إذ كان النفي يتم من أجل النفي، حتى صرت أمام أكثر من رواية كان الجامع بينها مع تناقضها هو أن "محمد كمال" لا شيء، وأنه مثل غيره!
هناك من قال إن الواقعة غير صحيحة وأن مقر الجماعة أو الحزب في أسيوط تم إحراقه وإتلافه، فلم تتم حمايته، أو مواجهة المعتدين، كما ذكرت أنا!
وهناك من نفى عملية الإحراق، وإن كان أعلن أن "الشوم" كان سلاحهم باعتباره كان حاضراً للمواجهة وقد قاموا بالاعتداء على من حاولوا الاقتراب من المقر بالشوم وليس بالسلاح!
وقد رد عليه معلق آخر بأنهم في محافظة "بني سويف" حموا المقار بالسلاح، فعلق عليه بأنه يتحدث عن أسيوط!
وهناك من قال إن المقار تم حمايتها، ولكن ليس بواسطة الإخوان، ولكن من قبل أعضاء الجماعة الإسلامية.
بينما قال معلق آخر في الفضاء الافتراضي أن المقار حميت في الصعيد بفضل القبلية، وليس لشيء آخر!
وهكذا صرنا أمام روايات متعددة، ولأن المعلومة ضالة الصحفي، فقد قررت الدخول في حوار مع أصحاب هذه الروايات المتناقضة، قلت لأحدهم أننا أمام روايتين بالإضافة إلى روايته، (لم يكونوا قد أصبحوا أربع روايات)، لكن وجدت أنني سأدخل معه في "وصلة" من الجدل العقيم، وما أوتي القوم الجدل إلا ضلوا، فبدلاً من أن يناقش معي هذه الروايات لتقديم الأدلة على صحة روايته، طلب مني أن أثبت صحة الاتصال الهاتفي بين مدير أمن أسيوط، و"محمد كمال" مع فاصل من الرموز الضاحكة!
واحدة فقط هي من استجابت للحوار، وهي صاحبة رواية أن المقر جرى إحراقه، وهذا أمر وارد الآن، وذكرت أنها تسكن بالقرب منه، فلما سألتها عن اليوم الذي أحرق فيه؟ فأجابت بأن هذا كان يوم 30 يونيو 2013. وعندما سألتها إن كانت قد شاهدت من يحمون المقر؟ فقالت إنها لم تر شيئاً؟ فقد أغلقوا الباب عليهم والنوافذ، فلما عدت لأسألها: كيف حدث هذا والصعيد كله كان في الشوارع؟ قالت: إنها من حزب الكنبة. وهو وصف يطلق على غير المكترثين بالسياسة والقاعدين عن الثورة، وإن بدا كلامها في البداية يشير إلى أنها من "أهل البيت" ومن الجماعة التي تم الاعتداء على مقرها، يبدو أنها تورطت في الحوار معي!
في البداية، تعاملت مع "حملة النفي" لراويتي على تناقضها، بحسن نية، فقد يكون الهدف من ذلك هو نفي أن يكون الرجل مع فكرة حمل السلاح، مع أن الراوية عن مجتمع قبلي يعد حمل السلاح فيه من استكمال شكل الرجولة، وليس دليلاً على التطرف والإرهاب، لولا أنني تذكرت أن القيادي بالجماعة "محمود عزلان" اعترف في تحقيقات رسمية، بأن "محمد كمال" يقود جناحاً داخل الجماعة قرر حمل السلاح، وهو المسؤول عن كل العمليات النوعية، التي ارتكبها وجناحه على غير إرادة مكتب الإرشاد بالإجماع، وإذا كان هذا الاعتراف من الجائز أن يكون ناتجا عن تعذيب تعرض له القيادي بالجماعة، فقد كنت في الاستوديو وقيادي آخر كان يتحدث من لندن، ويعلن أن المتحدث الإعلامي "محمد منتصر" يقود العمليات النوعية، ويؤمن باستخدام السلاح في مقاومة السلطات، وكنت مذهولاً وأنا أستمع إلى هذا البلاغ الرسمي من جماعة ضد أحد عناصرها!
وعندما تذكرت هذا، فقد وضحت أمامي الرؤية، فهناك من يرون فيما ذكرت من قيام الراحل "محمد كمال" بحماية مقار الجماعة دون أن يكلفه هذا سوى التلويح – مجرد التلويح – باستخدام القوة، مما يمثل إضافة له وانتقاصاً من قدر زعمائهم، فكان هذا الاحتشاد من أجل نفي ما ذكرت، ولو احتشدوا لإدانة تصفيته لكان خيراً وأبقى!
لقد ذكرني هذا الاحتشاد بما جرى قبل عشرين عاماً حيث توفي المحامي " الحمزة دعبس"، وكان أحد المتنازعين على رئاسة حزب الأحرار، وإذ جلست مع رئيس تحرير جريدة الحزب نقوم بصياغة العزاء الذي سينشر في عدد الغد، فقد كتب صفته "رئيس حزب الأحرار"، وقد اعترضت على ذلك، فهتف: "مات".. أقول لك: "مات"!
والمعنى أن ما سينشر لن يدعم موقفه في النزاع، ولن يؤكد أنه الرئيس الشرعي للحزب، ولن يضيف النشر إلى مركزه القانوني شيئاً.
وأي كتابات لصالح الدكتور "محمد كمال" لن تؤكد الآن أحقيته بقيادة الجماعة، لأنه ببساطة شديدة "مات".. أقول لكم "مات"!