شنّت
فتح هجوما مكثّفا على مؤتمر "
مصر والقضية
الفلسطينية" الذي أقيم في منتجع "العين السخنة"، بمدينة السويس المصرية، بدعوة من المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، والذي يوصف بأنه مقرب من المخابرات المصرية.
فقد وصف أمين سر الحركة في قطاع غزة، وعضو مجلسها الثوري، إبراهيم أبو النجا، المؤتمر بأنه "مؤتمر
دحلان"، نسبة إلى القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.
وقال أبو النجا في مؤتمر صحفي، الأحد، إن مؤتمر دحلان في مصر مرفوض من قبلنا، ولا نعترف بأي شيء يصدر عنه، مؤكدا أن فتح "لن تسمح بأن يُصدّر أحد لها رئيسا، أو أن يتدخل في شؤونها الداخلية".
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، الاثنين، بيانات متتالية صدرت عن أمناء سر "أقاليم فتح الشمالية"، وأقاليمها في أوروبا، اعتبرت فيه المؤتمر تجاوزا سافرا على "الشرعية الفلسطينية"، و"مهزلة يجب أن تتوقف".
غير أن الحركة حاولت، رغم هجومها القوي على المؤتمر، التأكيد على علاقات جيدة مع مصر الرسمية، حيث أكّد أبو النجا أنهم في فتح "مطمئنون لدعم الشقيقة مصر لشرعية الرئيس عباس".
وفي السياق نفسه، حاول عضو اللجنة المركزية للحركة، عزام الأحمد، في حديث مع "
عربي21"، التقليل من أهمية الاجتماع، واكتفى بالقول إنه ليس قلقا بشأنه أبدا؛ "لأنه مجرد ورشة عمل".
عباس غاضب من مصر
وكشف الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، يوني بن مناحيم، في مقال له على موقع "نيوز ون" أن الرئيس الفلسطيني
محمود عباس قدّم احتجاجا لدى قيادة النظام المصري، غير أن الأخيرة لم تلقِ بالا للاحتجاج، واستمرت في دعمها لدحلان، بحسب بن مناحيم.
وأضاف الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أن قائد الانقلاب عبد الفتاح "السيسي يعلم جيدا أن أيام الرئيس محمود عباس السياسية باتت معدودة"، وأنه يدعم دحلان الذي يعلم قدراته جيدا من أجل توجيه ضربة قوية لحماس، كما قال.
علاقة متأزمة رغم التصريحات الدبلوماسية
من جانبه، قال الكاتب الفلسطيني، ساري عرابي، إن التوتر هو السائد الآن بين قيادة السلطة وحركة فتح من جهة، وقيادة النظام المصري من جهة أخرى، معتبرا أنها "علاقة متوترة، بسبب الضغوط التي تمارس على الرئيس محمود عباس في ملف دحلان، غير أنها ليست علاقة مقطوعة بين الهياكل لدى الطرفين".
وأضاف أن التصريحات التي تطلقها قيادات فتح بشأن دعم مصر لـ"القيادة الشرعية" في السلطة، وعدم رغبتها في إحداث شق بالساحة الفلسطينية، "هي تصريحات علاقات عامة لا تحمل أي مقدار من الحقيقة"، وفق تقديره.
وأشار عرابي إلى أن سياسة النظام المصري نحو الملف الفلسطيني عموما، وملف السلطة بشكل خاص، تنطلق من ثلاثة عوامل أساسية، أولها الرؤية الإسرائيلية التي يتبناها نظام السيسي بشكل كامل، وثانيها التوازنات العامة في الإقليم والعالم، من قبيل العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا والخليج، وثالثها اتخاذ موقف عدائي جذري مع قطاع غزة.
وبيّن عرابي، لـ"
عربي21"، أن الوضع الراهن يؤشر إلى استمرار الضغوط المصرية على الرئيس عباس لإعادة دحلان وتياره، "وصناعة قيادة بديلة للسلطة"، على أن تأتي هذه القيادة عن طريق "الإحلال الناعم" لا الخشن؛ لأن الأخير قد يضعف موقف القيادة الجديدة.
ورأى عرابي أن الخلاف السعودي المصري الأخير لن يغيّر شيئا من واقع الضغط العربي على السلطة؛ لأن السعودية لا تستطيع، رغم احتمال رغبتها بذلك، أن تعاقب مصر على موقفها، وذلك بسبب وضعها المتأزم على كثير من الصعد، وفق قوله.
واستدرك: "غير أننا نعيش في مرحلة سيولة كبيرة، ولا يمكن الجزم باستمرار الأوضاع على شكله الحالي، فقد تحدث تغيرات في الإقليم، أو في القيادة المصرية، أو التحالفات الفلسطينية، أو غير ذلك، تغير الخطط والمسارات القائمة".
وفي المقابل، توقع عرابي أن يشهد المؤتمر العام السابع لحركة فتح الذي ستعقده فتح في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل (وفق تصريحات أمين سر المجلس الثوري للحركة أمين مقبول اليوم) قرارات تفرض وقائع على الأرض، استباقا لأي خطوات تحاول الرباعية العربية (السعودية، مصر، الأردن، الإمارات) فرضها في الواقع الفلسطيني.
ورأى عرابي أن عباس "سيقاتل حتى الرمق الأخير لرفض عودة دحلان، وهو الأمر الذي لا يرتبط به وحده، بل بالعديد من مراكز النفوذ الفتحاوية التي ترفض عودة دحلان"، موضحا أن هناك مبالغة في تقدير قوة الرجل في الضفة الغربية، وفق اعتقاده.
واستبعد عرابي أن يتّخذ عباس منحى تصعيديا في علاقته مع مصر، ذلك أن هذا ليس من سياسته في المجمل، والتي ابتعدت عن الصدام والمواجهة، إضافة إلى الضعف الكبير في موقف السلطة، والذي يجعلها عاجزة عن الصدام مع طرف قوي وذي نفوذ مثل مصر.
مصر تريد "فتح" موحدة بوجه "حماس"
من جهته، قال المحلل السياسي جهاد حرب؛ إن مصر دعمت دائما المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لن تتركه الآن.
وتابع في حديث لـ"
عربي21": "لكن أطرافا في النظام المصري وافقت على عقد المؤتمر، ليكون إحدى وسائل الضغط على الرئيس محمود عباس، لينجز المصالحة الفتحاوية الداخلية مع عضو المجلس التشريعي محمد دحلان"، وفق تقديره.
وأوضح حرب أن مصر تريد من ضغطها أن تحقق عددا من الأهداف، أولها "توحيد حركة فتح، والحركة الوطنية الفلسطينية، لمواجهة حركة حماس، ضمن المواجهة العامة للإخوان المسلمين التي تتصدرها مصر مع الرباعية العربية".
وأضاف: "كما أن مصر تريد تحقيق مصالحة فلسطينية، وتوحد داخليا، من أجل الوصول إلى الهدف الأخير، وهو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق رؤية النظام المصري، غير أن شيئا من هذه الأهداف لم يتحقق".
وحول إذا ما كان الخلاف السعودي المصري الأخير سيؤثر على الرباعية العربية الضاغطة في الملف الفلسطيني، توقع حرب أن يكون هناك تأثير على المدى القريب لا البعيد، حيث "تربط السعودية ومصر علاقة إستراتيجية، لا يمكن لمثل هذا الحدث أن يؤثر عليها".
وتوقع حرب أن فتح متجهة حاليا إلى مزيد من إغلاق آفاق الحوار الداخلي، وهو أمر من شأنه إذا استمر، بحيث يتم إخراج تيار دحلان من الأطر التنظيمية لفتح في المؤتمر القادم، أن يدفع بهذا التيار إلى تشكيل حزب أو تشكيل سياسي جديد، يكون ذا قوة ونفوذ في قطاع غزة، وتواجد في الضفة الغربية.