علوم وتكنولوجيا

كيف يمكن إجراء إصلاحات داخل مفاعل نووي؟.. علماء يجيبون

تعتمد هذه التقنية على الطائرات دون طيار- بي بي سي
كيف يمكننا أن نجري إصلاحات داخل مفاعل نووي؟ أو داخل أماكن لا يستطيع الإنسان الوصول إليها؟ دفع هذا السؤال علماء بريطانيين لاختراع فريق آلي لهذا الحل.

وتكمن إجابة هذا السؤال في طائرات صغيرة من دون طيار يمكنها التحليق والسير على الأرض أيضا، حيث تمتد الأيادي الآلية التي يُتحكم بها عن بُعد، لتصل إلى طائرة مسيرة في حجم كرة القدم تحلّق من دون طيار، بحسب "بي بي سي فيوتشر".

وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية إلى أنه أصبح من الممكن بالفعل، أن تعمل الطائرات من دون طيار جنبا إلى جنب مع أجهزة الروبوت التقليدية داخل مفاعل نووي، وهذا يعني أنها قد تتمكن في المستقبل من صيانه المفاعلات من هذا النوع بالتحكم الذاتي، في خطوة "تاريخية" في عالم التصنيع.

وكانت هذه التجربة ثمرة تعاون بين فريق من مركز "ريس" (مركز تطبيقات التحكم عن بعد في البيئات الصعبة) التابع لهيئة الطاقة الذرية البريطانية، وفريق من جامعة إمبريال كوليدج لاختبار مدى جدوى استخدام طائرات من دون طيار في صيانة الجيل القادم من مفاعلات الطاقة النووية.

وتجرى هذه التجارب على بعد 10 أميال جنوبي مدينة أكسفورد في مبنى هائل الحجم بلا نوافذ، في قاعدة عسكرية سابقة، ويسمى الآن مركز كولهام للطاقة الإندماجية، وهو معمل قومي بريطاني لأبحاث الإندماج النووي.

وتحتضن كولهام منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي محطة الطاقة الاندماجية التجريبية المعروفة باسم مفاعل توروس الأوروبي المشترك (جيت)، وهذه المحطة ذاتها هي نموذج أولي، كان الغرض منها تمهيد الطريق لإقامة مفاعلات أكبر حجما، قد تتصل بشبكة توزيع الكهرباء.

طاقة خطيرة

ومع اشتهار الطاقة النووية بخطورتها، إلا أنها الطاقة التي تمدّ النجوم بالضوء، إذ يولد تفاعل الاندماج النووي الطاقة من خلال دمج نواتي ذرتين معا، بدلا من انشطار الذرات عن بعضها.

ثم يُدخل هذا التفاعل في المعتاد داخل مجال مغناطيسي قوي في المفاعل النووي، ولأن هذا التفاعل يتطلب قدرا كبيرا من الطاقة، فإن التحدي يكمن في إنتاج طاقة من التفاعل أكثر من الطاقة المبذولة لحدوث التفاعل.

إن الاندماج النووي لديه المقومات اللازمة لتوفير طاقة لا حدود لها، ورخيصة الثمن أيضا في المستقبل، فضلا عن أنه لا ينتج نفايات نووية خطيرة كشأن المفاعلات النووية الحالية، ويعزى ذلك إلى حد ما إلى الكميات الضئيلة نسبيا من المواد المشعة اللازمة لإكمال التفاعل.

ولكن إلى جانب التحدي المهني لاستكمال مفاعل الاندماج النووي التجريبي، فإن المفاعلات من هذا النوع المبنية حتى وقتنا هذا، تتطلب الكثير من الوقت والأيدي العاملة لكيلا تتوقف عن العمل. ومع بناء مفاعلات اندماج نووي أكبر حجما وأكثر تطورا، بات من الضروري تطوير الوسائل التكنولوجية المطلوبة لصيانة هذه المفاعلات لكي تصبح مجدية تجاريا، بحسب "بي بي سي فيوتشر".

ذراعان لمشغلي المفاعل

ويسمح هذا النظام المتطور المكون من ذراعين لمشغلي المفاعل بتنفيذ مهام الصيانة والتطوير من دون الدخول إلى المفاعل، وقد ساعدهم بالفعل في تغيير سبعة آلاف بلاطة في جدار المفاعل.

كما يتضمن نظام مراقبة يمكن مشغلي المفاعل من رؤية جميع زوايا المفاعل والتجول ببصرهم في جميع الاتجاهات، من خلال تقنية الواقع الافتراضي بزاوية 360 درجة، من دون أن يدخلوا إلى المفاعل ويتعرضوا لجرعة من الإشعاع قد تفضي إلى الموت.

وقال ميركو كوفاك، مدير معمل أبحاث تصنيع أجهزة الروبوت الطائرة: "قد تكون الإشعاعات النووية خطيرة للغاية، ولذا فمن المهم أن نطور أجهزة روبوت تدخل إلى الأماكن التي لا يستطيع البشر الوصول إليها مثل هذا المفاعل النووي".

وقد أوجز كوفاك فكرته عن استخدام التكنولوجيا المستوحاة من علم الأحياء في ورقة بحثية صدرت مؤخرا في مجال العلوم بعنوان: "تعلم من الطبيعة كيفية التحكم في هبوط روبوت طائر".

يقول كوفاك: "لقد أثبتنا اليوم أن الطائرات دون طيار وأذرع الروبوت يمكن أن يعملا معا للتحقق من سلامة البنى، ولمساعدة بعضهما بعضا. كما أوضحنا كيف تلتصق الطائرات المسيرة بالسطح المغناطيسي لتوفير الطاقة، ثم تنزل إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها، أو تزحف على السطح".

وأردف كوفاك قائلا: "إلا أن هذه، هي المرة الأولى التي نطلق فيها هذه الطائرات دون طيارفي مكان كهذا، وهي بيئة شديدة الصعوبة؛ إذ كانت تحلق في مساحة صغيرة للغاية ومحددة وذات تصميم هندسي معقد".

وتابع كوفاك: "إن تحليق الطائرة المسيرة في هذه البيئة قد يحدث كمية مذهلة من الاهتزازات، التي قد يختل على إثرها توازن الطائرة عندما يُتحكم فيها عن بعد".

"ليست جاهزة بعد"

وقال روب باكنغهام، مدير هيئة الطاقة الذرية البريطانية ورئيس مركز تطبيقات التحكم عن بعد في البيئات الصعبة (ريس): "إن الهدف الرئيسي يتمثل في إطلاق طائرة دون طيار داخل المفاعل. وقد تبين لنا أن هذه التكنولوجيا ليست جاهزة لذلك بعد".

وتابع باكنغهام: "فمن أجل تحقيق ذلك، يجب أن تحلق الطائرة بالتحكم الذاتي، بحيث تكون استجابتها للاهتزازات أسرع من استجابة مشغل الطائرة لها. وإذا ما ارتطمت الطائرة بالمفاعل، قد تتلف الجدار، فضلا عما ستخلفه من حطام. ولكن ذلك قد يتغير إذا استخدمنا وسائل صغيرة وخفيفة الوزن".

أما في الوقت الحالي، فقد تستخدم الطائرات دون طيار لتحلق فوق المفاعل وتعد خرائط ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي لأماكن الإشعاعات في مكان محدد، لمعرفة الأماكن الآمنة التي يستطيع البشر الذهاب إليها. ولكن من الواضح أن السماح للطائرات دون طيار بالقيام بهذه المهام سيكون أصعب من التحليق في نموذج لمفاعل.

وقال روب سكيلتون، رئيس قسم البرمجيات وأنظمة التحكم في مركز ريس: "لقد بدأنا ندرس بالفعل استخدام أجهزة روبوت تقوم بمهام التنظيف والكشف عن الخلل، ونقل المواد من تلقاء نفسها في المصدر الأوروبي للجسيمات. إلا إن أجهزة الروبوت من هذا النوع تسير على الأرض، وهي أكثر ثباتا ورسوخا. ولم نفكر أبدا في استخدام مركبات طائرة".

وفي النهاية، يرى كوفاك أن المجال النووي برمته في مأزق، ويقول: "إذ إن هذا المجال لا يقبل التغيير، لأن تبعات وقوع الخطأ قد تكون مروعة. إلا أن أجهزة الروبوت الطائرة قد تساعد في نجاح الجيل القادم من مفاعلات الطاقة النووية من خلال الحد من المخاطر والتكاليف المصاحبة لعمليات الصيانة، إذا ما قورنت بعمليات الصيانة التي يؤديها البشر".

ولعل الجيل القادم من الطائرات دون طيار التي يصممها كوفاك بالفعل لكي تطير وتتسلق وتزحف، سيسهم في إيجاد مخرج من هذا المأزق، بحسب "بي بي سي فيوتشر".