دشن نشطاء على موقع "فيسبوك" دعوة للانتحار الجماعي يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تعبيرا عن حالة اليأس التي أصابت
المصريين جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلادهم.
ولا يكاد يمر يوم واحد دون تسجيل عدد من حالات
الانتحار؛ بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي فاقت قدرة كثيرين على الاحتمال، ودفعتهم إلى فقدان الأمل في تحسن أوضاعهم، بعد ثلاثة أعوام من انقلاب عبدالفتاح
السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الانتحار، الذي يوافق 10 أيلول/ سبتمبر من كل عام، فقد شهدت مصر 157 حالة انتحار في الفترة من كانون الثاني/ يناير الماضي، وحتى مطلع آب/ أغسطس، أكثر من نصفهم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما.
وبينما تم إنقاذ سيدة هددت بالانتحار، الجمعة الماضي، من أعلى لوحة إعلانات قريبة من ميدان التحرير، لفشلها في الحصول على وظيفة؛ فقد تمكن سائق "توك توك" من الانتحار في اليوم ذاته بمحافظة قنا؛ لعدم قدرته على توفير شقة للزواج بها، وانتحر في اليوم نفسه رقيب شرطة بالمنيا، بعدما فُصل من عمله، وأصيب بحالة نفسية سيئة؛ لاضطراره للعمل سائق "توك توك".
دعوة للانتحار الجماعي
وقال منظم دعوة الانتحار الجماعي على موقع "فيسبوك" بأسلوب ساخر، إن "هذا هو الوقت المناسب للانتحار بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر"، مشيرا إلى أن اختيار طريقة الانتحار المناسبة متاح لكل شخص، "وسيكون هناك منظمون في هذا اليوم لمساعدة الشباب في اختيار طريقة الانتحار التي تناسبهم".
وتابع مخاطبا الشباب المصري: "افتكر كل الأزمات، والغلاء، وقلة الفلوس، والجنيه، والبنزين، وتذكرة المترو، وخليهم حافز ليك على الانتحار، ولو دول مش كفاية؛ افتكر ان البسكوت بقى بجنيه ونص، ومبقاش فيه أكياس كشري بجنيه.. افتكر يا أخي إنك في مصر.. والله الموفق".
وأثارت الدعوة حالة من الجدل، حيث سجل نحو سبعة آلاف شخص اهتمامهم بتلك الدعوة، وأعلن ثلاثة آلاف نيتهم الحضور، وشارك أكثر من 600 شخص الدعوة مع أصدقائهم.
وردا على هذه الدعوات؛ فقد أكد متحدت باسم وزارة الداخلية في تصريحات صحفية، أن مباحث الإنترنت تقوم بتتبع مسؤول صفحة على "فيسبوك" تنشر دعوة للانتحار الجماعي، "وسيتم القبض عليه بتهمة نشر أخبار وأفكار تضر بالأمن القومي، وتنشر المناخ التشاؤمي في المجتمع، مستغلا القرارات الاقتصادية الأخيرة في محاولة لزعزعة الاستقرار الأمني"، على حد قوله.
غضب من ظلم النظام
من جهتها؛ قالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية، ثريا عبدالجواد، إن كثيرا من حالات الانتحار ترجع في معظمها إلى تزايد الأعباء الاجتماعية، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، وعدم الحصول على دخل مناسب يكفي للإنفاق على الأسرة.
وأضافت لـ"
عربي21" أن "من يلجا للانتحار يعاني بالتأكيد من خلل في شخصيته، لكن الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن
النظام السياسي؛ تضيف ضغوطا نفسية كبيرة عليه"، موضحة أن "الوضع السياسي الراهن في مصر؛ لا يراعي الفقراء، ولا يوفر فرص عمل حقيقية لهم، وهو ما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية عديدة".
وأكدت عبد الجواد أن الدعوات التي أطلقت للانتحار عبر مواقع التواصل "هزلية؛ على سبيل الدعابة، فبعض الشباب يئس من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المأساوية، ولجأ إلى الدعابة ليخرج من هذا الواقع الأليم"، مضيفة أن "دعوات الانتحار الجماعي؛ تشبه دعوات الهجرة الجماعية من البلاد، التي نظمها شبان عدة مرات من قبل، وهي تأتي في إطار التنفيس عن غضبهم من ظلم النظام السياسي".
الانتحار الاستعراضي
من جانبها؛ قالت أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، هبة عيسوي، إن "الانتحار في حد ذاته يُعد تصرفا غير عقلاني بالمرة، يلجأ إليه الشخص كي يتخلص من مأساة معينة في حياته، وحينها يكون الشخص المنتحر مكتئبا، ويعاني من ضغوط نفسية كبيرة".
وأوضحت عيسوي لـ"
عربي21" أن المنتحريين دائما يمرون بأزمات نفسية، لكن الوضع السياسي يكون له دور كبير في التأثير على حالتهم النفسية والاجتماعية، ومع تراكم الأعباء عليهم؛ فقد يلجأون للانتحار؛ لأنهم يصلون إلى مرحلة نفسية تجعلهم يكفرون بكل شيء في الحياة".
وأشارت إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار ما يمكن تسميته بـ"الانتحار الاستعراضي"، حيث يلجأ المنتحر إلى أساليب استعراضية أثناء انتحاره كي يلفت أنظار الناس، ويصبح بطلا في أعينهم، ويكسب تعاطفهم، معللة هذه الظاهرة بوجود رغبة بتكرار مشهد الانتحار الذي أشعل ثورة في تونس مثلا، كما حصل مع محمد البوعزيزي الذي أشعل النار في نفسه؛ نتيجة تدهور أوضاعه الاجتماعية التي أثرت على طبيعته النفسية.