ألقت الأزمة المالية في
الجزائر؛ بظلالها على المؤسسات الإعلامية بشكل جلي، إذ اضطرت العديد من
الصحف والقنوات الفضائية إلى تسريح صحفييها ومستخدميها، بسبب عجزها عن مواصلة تأمين رواتبهم، بالتوازي مع ما يشير إليه الحقوقيون والإعلاميون بشأن تضييق غير مسبوق على
الحريات الإعلامية في البلاد.
ويسوّق وزير الاتصال الجزائري، حميد قرين، لما يسميه "إصلاحات" داخل قطاع الإعلام، كانت ضحيتها صحف ترتكز مداخيلها بصفة كلية على الإعلانات الحكومية التي أصبحت شحيحة للغاية، ولا تكفي حتى لتسديد رواتب الصحفيين والموظفين، بالتوازي مع تقليص الشركات الخاصة حجم الإعلانات بالصحف والقنوات التلفزيونية بسبب الأزمة المالية وتأثر البلاد بتراجع أسعار النفط، وهو التبرير الذي ساقته الحكومة أيضا لتقليص إعلاناتها.
لكن نشطاء حقوقيين وأحزاب المعارضة ترى أن الأزمة المالية والإصلاحات على قطاع الإعلام، "مجرد تبرير لفرض مزيد من التضييق على الصحافة الحرة، نظرا للمرحلة الحساسة التي يعيشها النظام من جهة، ومخاوف من تأثير الوضع الإقليمي المضطرب على البلاد، ومحاولة لخنق أصوات المعارضة من خلال حرمانها من منابر إعلامية"، بحسب قول جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" المعارض، لـ"
عربي21".
ودفعت الأزمة المالية التي تعيشها وسائل الإعلام الجزائرية؛ قناة "الشروق تي في" إلى تسريح ستة صحفيين، وخفض رواتب باقي الصحفيين والمستخدمين بنسبة 30 في المئة، وهو الإجراء الذي اتخذته أيضا إدارة قناة "كاي بي سي"؛ التي فضلت خفض رواتب الصحفيين والمستخدمين بدلا من التوقف الكامل، حيث اجتمع مجلس إدارة القناة في 24 تشرين الأول/ نوفمبر، ودرس قرار وقف بث القناة، غير أن المجلس قرر في النهاية تخفيض الرواتب، ومنح مهلة للإدارة للبحث عن موارد مالية جديدة.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، توقفت سبع صحف عن الصدور، وهي جريدة "الجزائر نيوز" بطبعتيها العربية والفرنسية، وجريدة "الأجواء"، وجريدة "الوسيط المغاربي"، وجريدة "الحرية"، وجريدة "لا ناسيون" الناطقة بالفرنسية، وجريدة "الصحيفة"، وجريدة " إيتي ماغ".
وقال هواري قدور، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح لـ"
عربي21": "أتضامن مع مئات الصحفيين الجزائريين الذين تم طردهم من عملهم، أو الذين في صدد التسريح بداية 2017".
وأضاف قدور: "هذا يؤكد أن هناك مخططا لغلق الصحف، ولن نبالغ إن قلنا إن عدة مؤسسات صحفية أصبحت غير قادرة على صرف أجور الصحفيين بانتظام، حيث إن بعض الصحفيين لم يتقاضوا أجورهم لمدة تفوق في بعض الأحيان 10 أشهر، ما ينتهك حقوقهم المادية والمعنوية؛ نتيجة الأزمة التي تهدد وسائل الإعلام في الجزائر" .
وتعيش 14 صحيفة أخرى هاجس التوقف، بعد أن خضعت ديونها لإعادة الجدولة بناء على اتفاقات ثنائية مع شركة الطباعة الحكومية التي تطبع صحفها لديها.
وأوضح وزير الاتصال الجزائري، في مؤتمر صحفي، الأحد، أنه "بعد عامين سيعرف المشهد الإعلامي غربلة، وبقاء الصحف المحترفة التي تتبنى المصداقية والمعلومة الموثوقة"، وفق قوله.
واعترف قرين أن وزارته "أحصت 500 وكالة تحصل على الإشهار دون معايير واضحة". وكانت صحف قد اتهمت الوزارة بمنح الإعلانات الحكومية للصحف الموالية للسلطة، وحرمان الصحف المستقلة والحرة.
وقد انعكست هذه الظروف على حرية التعبير في الجزائر، حيث تراجعت حتى الصحف المعارضة في انتقادها للنظام.
وتوفي الصحفي محمد تامالت بالسجن في العاصمة الجزائر، يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بعد ستة أشهر من إضرابه عن الطعام، احتجاجا على استمرار اعتقاله على خلفية انتقاده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وأودع تامالت السجن يوم 11 تموز/ يوليو الماضي، إثر حكم بالسجن لعامين، أصدرته محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائر، بتهمة الإساءة للرئيس بوتفليقة والقائد العام للجيش، الفريق أحمد قايد صالح، والوزير الأول عبد المالك سلال.
ونشر تامالت (42 عاما)، في أيار/ مايو تقارير وصورا في صحيفته الإلكترونية "السياق العربي"، التي تصدر بلندن، تناولت المسؤولين الثلاثة بالنقد.
ويُعتقل الصحفي محمد بوراس، بسبب نشره، على صفحته في "فيسبوك"، تقريرا حول تلقي قضاة رشاوى. وقد حُكم على بوراس بالسجن لعامين.
وحذر البرلماني الجزائري، عبد الغني بودبوز، من التضييق على الحريات الإعلامية في البلاد. وتساءل في حديث مع "
عربي21": "هل تعي الحكومة ما تفعل عندما تطارد الصحفيين وتسخر جهاز القضاء ضدهم؟".
وتابع بودبوز: "هناك تلاعب بمصير البلاد، ما نلاحظه في الشهور الأخيرة من موجة اعتقالات تعسفية ضد المدونين والنشطاء السياسيين السلميين، زاد من الاحتقان السياسي والاجتماعي".
أما رئيس الرابطة الحقوقية، هواري قدور، فطالب بإطلاق سراح الإعلاميين والمدونين والمصورين المحتجزين على خلفية منشوراتهم، واصفا مطاردة الصحفيين بأنها "اعتداء صارخ على القوانين وأدنى حقوق المواطنة".
وقال عثمان معزوز، القيادي بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعارض لـ"
عربي21": "هناك توظيف لوسائل الدولة لإسكات حرية التعبير، بالتوازي مع هجمة تقوم بها العصب المفترسة، ضد المدافعين عن الحريات، بعد إغلاق الفضاءات السياسية التي تم اكتسابها بفضل تضحيات جسام".