تبذل قوات "الجيش السوري الحر" التي تقاتل في صفوف "قوات
درع الفرات"، جهودا مشتركة مع
تركيا من أجل تحويل نشاطها العسكري من التنسيق ضمن غرفة عمليات مشتركة، إلى المأسسة ضمن إطار جيش وطني سوري.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قال يوم الأحد الماضي، إن "الجيش السوري الحر يجب أن يكون الجيش الوطني في
سوريا"، ما قد يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لبلاده، لا سيما بعد انتهاء عملية السيطرة على مدينة الباب شرق حلب، من يد تنظيم الدولة.
ويبدو أن أنقرة تضغط باتجاه تشكيل جيش وطني سوري، منذ بداية العام الحالي، ففي منتصف كانون الثاني/ يناير 2017، حيث قال مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي لـ"لواء المعتصم"، المنخرط ضمن عملية درع الفرات، عبر حسابه على "تويتر": "بدأت الخطوات الأولى في تشكيل الجيش الوطني من أبناء الثورة السورية، وبدعم كامل من أنقرة، للوصول إلى إلغاء كامل للحالة الفصائلية".
وفي حديث لـ"
عربي21"، قال سيجري إن الالتحاق بهذا الجيش يعتبر "واجبا لمن أراد بناء سوريا المستقبل، بعيدا عن التكتلات والتحزبات وأمراء الحرب والمصالح الشخصية"، كما دعا لأن تكون نواة هذا الجيش وكوادره القيادية من "النخب والكفاءات وأصحاب القيم والمبادئ الصحيحة".
ويفترض أن يكون قوام الجيش الوطني وبنيته قائمة على الضباط الأكفياء والاختصاصيين، وذلك بحسب حديث مصطفى سيجري لـ"
عربي21"، مضيفا أنه بات من الخطأ استمرار وجود الفصائل التي أثبتت التجربة فشل جميع محاولاتها في الاندماج لتشكيل قوة عسكرية، وبالتالي فإن الخطوة الأولى لتشكيل الجيش الوطني هي تشكيل نواة قوية، و"لدى اكتمال الأعداد، يكون الباب مفتوحا للفصائل التي ترغب في العمل تحت سقف المؤسسة العسكرية الوطنية، التي تضمن حماية الشعب وإرادته بعيدا عن الإمارات الشخصية"، على حد وصفه.
بدوره، أكد النقيب محمد الدخيل، المسؤول الأمني للمنطقة الشرقية في الجبهة الشامية، في حديث خاص لـ"
عربي21"، أن تركيا، بالتنسيق مع فصائل الجيش السوري الحر العاملة في درع الفرات، تعمل على إنشاء جيش وطني، وتريد أنقرة تنظيم وضبط المنطقة التي تتواجد عليها قواتها العسكرية، وهي خطوة بدأتها حين تشكيل جهاز الأمن والشرطة.
وأضاف أن فصائل
الجيش الحر تلاقت مصالحها مع تركيا في هذا الإطار، لا سيما وأن المنطقة مقبلة على مشاريع تقسيم، مشيرا إلى أنه سيكون إلى جانب الجيش الوطني وجهاز الشرطة والأمن العام؛ جهاز شرطة عسكرية كرديف في مناطق درع الفرات.
عقبات محتملة
وقد يعترض تحويل قوات الجيش السوري الحر العاملة في مناطق درع الفرات إلى جيش وطني، عدّة عقبات، في مقدمتها ارتباط الفصائل بتلك المتواجدة في ريفي حلب وإدلب، فالتشكيلات العسكرية التي أعلنت انضمامها مؤخرا لحركة أحرار الشام، وبعضها منخرط ضمن عملية درع الفرات، ما زالت تنشط بشكل مستقل جزئيا، في حين أن قيام جيش وطني يحتاج إلى حل جميع الفصائل في درع الفرات؛ وفك ارتباطاتها التنظيمية، وحصرها بقيادة جديدة وفق هيكلية توضع لهذا السبب.
وأوضح النقيب محمد الدخيل؛ أن الفصائل التي أعلنت انضمامها لحركة أحرار الشام، وفي مقدمتها الجبهة الشامية، ستحل هياكلها التنظيمية لتنخرط بشكل فعلي داخل حركة أحرار الشام، وقد يحتاج هذا التحول إلى بعض الوقت ليس أكثر، وبالتالي تصبح بعد مرحلة وجيزة قيادة الجبهة الشامية، إلى جانب الفصائل الأخرى التي أعلنت بعض قطاعاتها الانضمام للحركة، منفصلة في مناطق درع الفرات، وهذا الأمر يجعل ترتيبات التجهيز للجيش الوطني أسهل نسبيا، وفق تقديره.
وتثير خطوة تشكيل جيش وطني مؤلف من فصائل الجيش السوري الحر العامل في مناطق درع الفرات؛ مخاوف من أن تكون تكرارا لتجارب التحالفات العسكرية السابقة التي انتهت بالتفكك، مثل الجبهة الإسلامية أو الجبهة الشامية اللتين انسحبت منهما الفصائل الكبيرة، أو جيش الفتح الذي انحل بعد التبدلات التي حصلت في الشمال السوري.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث المختص في الشأن التركي، علي باكير، في حديث خاص لـ"
عربي21"، إن هذه المشكلة تحتاج عمليا إلى ثلاثة مستويات، "أولها تعظيم انتصارات فصائل الجيش الحر، مقابل حسر مدّ الجماعات المتطرفة، لا سيما تنظيمي الدولة والقاعدة، ما سيساعد على توحيد الفصائل المعتدلة، وسيؤمن لها المزيد من الدعم السياسي والمالي والعسكري، كما أن دور أنقرة في إلحاق الهزيمة بهذه التنظيمات هو دور محوري".
أما المستوى الثاني بحسب باكير، فيكمن في "التعاون الإقليمي المشترك مع الدول المهتمة بمأسسة فصائل المعارضة السورية ضمن جيش وطني، أو التي لها علاقات مع الفصائل، وذلك من خلال برامج التدريب والتسليح والدمج، وما إن يحصل مثل هذا الأمر حتى يصبح تطبيق الفكرة أسهل".
والمستوى الثالث هو مستوى التشريع الدولي: "لكن ما إن تتم الخطوتان الأولى والثانية حتى تصبح الثالثة أسهل بحكم الأمر الواقع، وفي جميع الأحوال تخطي هذه العقبات يحتاج إلى تكريس جهد ووقت، فعلينا ألّا نفرط في التفاؤل لنهاية إنجاز هذه الفكر"، كما قال.
ولفت باكير إلى أن نية تأسيس جيش وطني سوري تكون فصائل الجيش السوري الحر نواته؛ كانت قد طرحت في تركيا خلال العام الماضي، وجرى أيضا مناقشتها مع عدد من الجهات المعنية، بما في ذلك بعض الدول الإقليمية، "لكن بطبيعة الحال تحقيق مثل هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ومال وعتاد ناهيك عن المشاكل اللوجستية التي قد تعترض مسار تطبيق هذه الفكرة"، وفق قوله.