كتاب عربي 21

الإسلاميون والدراسات المستقبلية: ضرورة لأخذ القرارات الصائبة

1300x600
شهدت السنوات الأخيرة تطورا هاما في علم الدراسات المستقبلية، وهو العلم المختص في معرفة الآفاق المستقبلية على مستوى الشعوب والدول والمجتمعات من خلال دراسة المعطيات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والتنموية والسكانية، إضافة لدراسة الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية.

ويلعب هذا العلم دورا مهما في اتخاذ القرارات ووضع الخطط المستقبلية لتطوير الدول والمجتمعات ولتحديد الموقف من الدول الأخرى وكيفية مواجهة التحديات المحتلفة.

ولقد نشأت مراكز دراسات ومؤسسات ومجلات متخصصة بالدراسات المستقبلية، كما صدرت العديد من الكتب والدراسات والابحاث التطبيقية في هذا المجال.

وأما على الصعيد الإسلامي، سواء على مستوى الدول أو الحركات، فلم يأخذ هذا العلم مجاله الواسع حتى الآن، مع أن بعض الدول العربية والإسلامية أصبحت تضع خططا مستقبلية للسنوات القادمة وتضع رؤى مختلفة لفترات مقبلة، كما هو الحال في تركيا وإيران والسعودية.

وفي أوساط الحركات الإسلامية فإن الدراسات المستقبلية لا تزال ضعيفة، رغم نشوء عدد من مراكز الدراسات المتخصصة والتي لها علاقة بأحزاب وحركات إسلامية وخصوصا في مجال الصراع مع العدو الصهيوني.

ومن يتابع أوضاع الحركات الإسلامية في العالم العربي، يشعر بالحاجة القصوى لقيام هذه الحركات والأوساط الإسلامية من مؤسسات وشخصيات فاعلة للاهتمام بعلم الدراسات المستقبلية، لأنه من خلال هذا العلم وما ينتج عنه من دراسات وأبحاث يمكن توجيه قيادة الحركات الإسلامية لاتخاذ القرارات الصائبة وتحديد الموقف من التطورات المختلفة.

وللأسف فإن معظم الحركات الإسلامية تعتمد على صعيد تحديد مواقفها وموقعها من الصراعات المختلفة، أما من خلال الرؤية والمبادئ العامة، أو في كثير من الأحيان على ردات الفعل في مواجهة التحديات التي تتعرض لها إن من قبل الأنظمة والسلطات في دولها أو من قبل القوى الدولية والإقليمية.

كما أن هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تعاني من الجمود في مواقفها وأدائها بحيث تبقى غارقة في مواقف وتحليلات تاريخية وقديمة دون أن تقدم رؤى جديدة للتطورات الدولية والإقليمية والتغيرات الحاصلة.

وبعض هذه الحركات تبقى أسيرة لتطورات سياسية وأمنية معينة ولا تتابع المتغيرات الحاصلة في بلادها، إضافة إلى أنها غير قادرة على مواكبة ما يجري في بلادها ولا تجري تقييمات سليمة وصحيحة قائمة على الدراسات العلمية وخصوصا في المجالات المستقبلية.

ولكي لا يبقى الإسلاميون خارج الواقع، ولكي لا يظلون يتصرفون بردات فعل تجاه التطورات المتسارعة في بلادهم أو على الصعد الإقليمية والدولية، فإنهم بحاجة ماسة لتطوير مراكز الدراسات والأبحاث الموجودة اليوم والتي لها علاقة عمل وتواصل مع الحركات الإسلامية، وكذلك الاهتمام بعلم الدراسات المستقبلية وعدم الاعتماد فقط في مواقفهم وأدائهم على المواقف المبدئية أو الغرق في حسابات غير دقيقة.

نحن اليوم نعيش في عالم يعتمد على العلوم والدراسات والأبحاث سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات والشعوب أو على صعيد الدول والمؤسسات وكيفية توزع القوى الإقليمية والدولية، ولم يعد من الجائز لحركة إسلامية أو قيادة إسلامية فاعلة أن تبقى بعيدة عن هذه العلوم وتكتفي بالعلوم التقليدية أو المعارف العامة سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو العسكري أو الاقتصادي.

إن من مسؤولية الإسلاميين اليوم إيجاد شبكات تواصل مع مراكز الدراسات والأبحاث القائمة أو إقامة مراكز دراسات متخصصة في المجالات التي ينشطون فيها كي يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات الصائبة والدقيقة وأن لا يظلوا يعيشون بعيدا عن المتغيرات الحاصلة في بلادهم، وليس أمرا سلبيا أن تقوم أية حركة إسلامية أو قيادة إسلامية بمراجعة مواقفها والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها في أدائها واتخاذ مواقف جديدة بناء على المعطيات والتغيرات المستجدة.

فهل يبقى الإسلاميون يعيشون في القرون الغابرة أم ينطلقون نحو المستقبل من خلال المعرفة والعلم والبحث الجدي، لأنهم إن أصابوا في قراراتهم ربحوا وربحت مجتمعاتهم وأوطانهم، وأن أخطأوا فالجميع خاسر أيضا.