مع تواصل الجهود الدولية لمحاولة إيجاد حل للمشكلة السورية، وبعد إسقاط شرط إزاحة بشار الأسد، يتكشف يوما بعد يوم المخطط
الإيراني الذي يسعى لتثبيت وترسيخ النفوذ الشيعي في
سوريا، ما قد ينتج خللا
ديمغرافيا يخلق مشكلة لاجئين جديدة تفوق في حجمها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
سوريا القادمة ممزقة وضعيفة
"لم يعد موضوع طرد الأسد على سلم أولويات الولايات المتحدة"، هذا ما قالته نيكي هايلي، سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، ويعلق محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي برئيل، على تصريح هايلي بقوله: "بهذا، فهي وضعت نهاية لاستراتيجية باراك أوباما حول سوريا".
وأضاف في مقال له نشر الاثنين في "هآرتس": "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستقيم مع روسيا وإيران وسوريا، ويفرض سياسة ملزمة لتركيا والسعودية ودول الخليج، التي ما زالت تسعى لإسقاط النظام السوري".
ونقل المحلل الإسرائيلي تغريدة للناشط "إياد أبو شقرة: "مع كل يوم يمر يتضح إلى أي درجة نظام الأسد هام بالنسبة للدول التي تريد أن تبقى سوريا ممزقة وضعيفة.. الولايات المتحدة تعمل وكأن داعش عدو لها، لكن الأسد هو عدو لأبناء شعبه"، ويفسر برئيل: "أي أن الأسد هو مشكلة سوريا، فقتل 400 ألف شخص هو أمر تراجيدي، لكن ما الذي يهم الولايات المتحدة؟".
وقال المحلل الإسرائيلي، "ربما يكون لموقف الولايات المتحدة تأثير شديد على استمرار التقاتل بين المليشيات المتمردة، لكن يمكن أن تؤثر أيضا على تقدم الحل السياسي"، موضحا أن "سياسة أوباما الغامضة التي تميزت بالتصريحات عن ضرورة إسقاط الأسد وتأييد حق المتمردين في الصراع من أجل سوريا ديمقراطية أوجدت الشعور بأن أمريكا ليست غير مبالية بالتراجيديا الإنسانية في سوريا، وأنها مستعدة لمساعدة المتمردين، في المقابل ترامب يقول للمتمردين إن الحرب الوحيدة التي هو على استعداد للمشاركة فيها هي الحرب ضد تنظيم الدولة (داعش)"، وفق قوله.
ولفت إلى أن "واشنطن ليست الوحيدة التي تضع الملف السوري في الأرشيف، فهناك فرنسا أيضا التي وقفت على رأس معسكر المعارضين للأسد في أوروبا، وانضمت في نهاية الأسبوع الماضي لموقف الولايات المتحدة، حيث أوضح وزير الخارجية الفرنسي أنه يجب الاعتراف بالوضع الذي نشأ في سوريا".
نتيجة الفشل الكبير في حلب
وتابع برئيل: "يجب علينا أن نتذكر أن هذا الوضع لم يتطور وحده، فقد ساهم في ذلك موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة وسياسة روسيا وإيران. ومن الآن فصاعدا ستكون المسؤولية ملقاة على روسيا، التي لا تهتم بموت المواطنين السوريين"، معتبرا أن موقف أمريكا وفرنسا تجاه سوريا "هو نتيجة الفشل الكبير في حلب، حيث انتصر النظام السوري بمساعدة سلاح الجو الروسي على المتمردين".
وأضاف: "يمكننا أن نرى نتائج هذه المعركة في مجالين؛ المجال السياسي الدولي، حيث لا توجد قوة تستطيع مواجهة استراتيجية روسيا، أو استخدام المتمردين من أجل إحداث تأثير في سوريا بعد الحرب، أو من أجل تشكيل تحالف لكبح روسيا وإيران، كما أن الجامعة العربية لا تشترط الحل السياسي في سوريا بطلب طرد الأسد أولا".
أما في "المجال الداخلي، فيتبلور خلل ديمغرافي سيؤدي إلى اختفاء التركيز العرقي المتمرد وتعزيز من يؤيدون النظام السوري، والمثال الأخير على ذلك هو اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه بين إيران وبين سلطة تحرير الشام، التي تضم جبهة فتح الشام التابعة لتنظيم القاعدة"، بحسب المحلل، الذي قال: "لقد تم توقيع الاتفاق في الدوحة عاصمة قطر برعاية رئيس قطر الشيخ تميم آل ثاني، وبحسب الاتفاق، يستطيع المتمردون الإسلاميون ترك مدينة الزبداني ومدينة
مضايا في غرب دمشق، قرب الحدود مع لبنان، مقابل رفع الحصار الذي فرضته المليشيات الإسلامية منذ سنة على قريتي الفوعة وكفريا في إدلب الشمالية".
وأشار إلى أن "وجود 8 آلاف مواطن غالبيتهم من السنة من سكان الزبداني ومضايا يمكنهم الانتقال شمالا، وعدد مشابه من المواطنين غالبيتهم من الشيعة سيتم نقلهم من الفوعة وكفريا إلى الزبداني ومضايا، كما أن مقاتلي القاعدة سيتركون أيضا مخيم اليرموك جنوبي دمشق".
كارثة ديمغرافية تحدث في سوريا
وأوضح برئيل أن "اتفاق وقف إطلاق النار قد يدخل حيز التنفيذ في 4 نيسان، وسيستمر لتسعة أشهر، وهنا تتضح أهمية الجغرافيا والديمغرافيا في الاتفاق"، لافتا إلى أن "الاتفاق سيؤدي إلى استبدال السكان بشكل يزيد من وجود الشيعة على طول الحدود بين سوريا ولبنان، وهذا يمنح حزب الله وإيران تواصلا جغرافيا بين سوريا ولبنان".
ونوه المحلل إلى أن "هذا ليس هو الاتفاق الوحيد لوقف إطلاق النار في العامين الأخيرين، لكنه الأكثر أهمية من ناحية ديمغرافية، وهو يشير إلى طريقة تخطيط إيران لمناطق تأثيرها في سوريا بعد انتهاء الحرب".
وبين أن "الاتفاق بالنسبة لمن يعيشون في هذه المناطق، فإن الحديث يدور عن زيادة حرية الحركة والحصول على الغذاء والدواء، وتوقف القصف الجوي إذا وافقت الأطراف على شروط وقف إطلاق النار من جهة، ومن الجهة الأخرى الحديث يدور عن تحولهم إلى لاجئين، بعد فصلهم عن جذورهم العرقية والدينية والعيش في أوساط سكان لا يرغبون فيهم".
نائب مدير معهد أبحاث "الأهرام" المصري، وحيد عبد المجيد، شبه الأسبوع الماضي التغييرات الديمغرافية في سوريا بطرد الفلسطينيين عام 1948، حيث انتقد في مقال نشر في صحيفة "الحياة" المثقفين والزعماء العرب الذين لا يردون على التراجيديا الديمغرافية في سوريا، حيث اعتبر أن "طرد الفلسطينيين هو حدث متواضع قياسا بالكارثة الديمغرافية التي تحدث في سوريا".
واختتم برئيل مقاله بقوله: "في الوقت الذي تحدث باحثون إسرائيليون في إسرائيل عن الرواية التاريخية الحقيقية، لا يوجد في الدول العربية من يتحدث عن العملية الباطنية الديمغرافية التي تجري في سوريا"، مضيفا: "مثلما قال ترامب، الحديث في نهاية المطاف هو عن مشكلة داخلية سورية".