تعلن
كوريا الشمالية علنا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي عدوها الرئيس. لكن ما هي الأسباب التي خلقت هذه العداوة الكبيرة بين بيونغ يانغ وواشنطن؟
ومع تزايد التوترات بين كيم جونغ أون ودونالد
ترامب، مؤخرا تظهر تخوفات من أن الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية "وشيك".
ويظهر خطاب من كلا الجانبين، ينطوي على تهديد ووعيد، وعرضا مخيفا للقذائف الصاروخية والقوة العسكرية.
وبحسب تقرير "الإندبندنت"، فإن الولايات المتحدة اعتادت على التدخل في شأن الدول الأجنبية، فضلا عن تحديد من يمكنه امتلاك أسلحة نووية ومن لا يمتلك.
ولكن لماذا تحافظ كوريا الشمالية الانعزالية على هذا العداء تجاه أمريكا؟
أوضحت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" أنه للإجابة عن هذا السؤال، فإن علينا العودة إلى 200 عام، وننظر إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشكل كامل.
ولعلّ النقاط الآتية توضح أسباب الكراهية بين البلدين:
1- "جنرال شيرمان"
في منتصف القرن التاسع عشر، أغلقت كوريا حدودها أمام التجارة الغربية. واصطدمت عاصمة جوسون الانعزالية مع الولايات المتحدة، ما أدى إلى "حادث شيرمان العام".
في عام 1866، أرسلت الولايات المتحدة باخرة تجارية تسمى الجنرال شيرمان إلى كوريا للتفاوض على معاهدة تجارية، على الرغم من أن الكوريين كانوا ينظرون للأمر على أن الغرض الحقيقي لأمريكا هو نهب كنز من المقابر الملكية بالقرب من بيونغ يانغ، نظرا لكون القارب مدججا بشكل مشبوه بالسلاح.
ويعتقد عموما أن القوات الكورية هاجمت القارب بالمدفعية، لأنها مرت إلى بيونغ يانغ دون إذن.
وكثيرا ما ينظر إلى الحادث في كوريا على أنه مثال على التدخل والغطرسة الأمريكية، وتحتفي به بيونغ يانغ على طابع بريد كوري شمالي في عام 2006.
2- "شينميانغيو"
قامت الولايات المتحدة بعمل انتقامي لاستهداف سفينتها، وسيّرت حملة عسكرية إلى كوريا في عام 1871، والمعروفة باسم "شينميانغيو"، أو بعثة "أول عمل عسكري في كوريا".
ووصلت القوات البرية والبحرية الأمريكية إلى جزيرة "غانغوا"، مدعية بأنها تمثل الوفود الدبلوماسية والعلاقات التجارية، لمعرفة ما حدث لـ"الجنرال شيرمان".
ومع ذلك، فإن السياسة الكورية تملي على السفن الأجنبية عدم السماح لها بالإبحار على نهر هان، وبالتالي فقد أدت هذه الحملة إلى نزاع مسلح.
وقتل في النزاع أكثر من 200 كوري، وثلاثة أمريكيين فقط.
وبعد الحملة، أصبحت كوريا متزايدة العزلة والحذر من الأجانب، ورفضت التفاوض مع الولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمان.
3- تقسيم كوريا.. شمالية وجنوبية
أدى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية إلى إنهاء حكم الإمبراطورية اليابانية في اليابان، وطالب العديد من الكوريين بالاستقلال.
لكن الجزء الشمالي الكوري وقع تحت حكم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، أما الجنوب فوقع تحت حكم الولايات المتحدة مع إشراف الأمم المتحدة.
وكان من المفترض أن يكون هذا الوضع مؤقتا لكوريا، ولكن الأعمال القتالية بين الروس والأمريكان زادت مع بداية الحرب الباردة، فاختارت الولايات المتحدة احتلال
كوريا الجنوبية وفرض حكومة عسكرية.
4- الحرب الباردة.. الشيوعية والرأسمالية
في عام 1948، أعلن كيم إيل سونغ، جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في كوريا الشمالية، واعترف الاتحاد السوفياتي على الفور بشرعيته، بسبب القيم المشتركة للشيوعية.
ومع ذلك، فلم تعترف الولايات المتحدة دبلوماسيا بكوريا الديمقراطية، وبدلا من ذلك، أصدرت عقوبات اقتصادية ضدها، استمرت حتى عام 2008.
في المقابل، ينظر الكوريون الشماليون بشكل متزايد إلى الولايات المتحدة على أنها مرتبطة بالثقافة الرأسمالية والإمبريالية لليابان.
5- الحرب الكورية
أدت الأعمال القتالية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إلى صراعات دموية على طول الحدود الكورية الكورية حتى نهاية عام 1950، حين قامت القوات الكورية الشمالية بغزو الجنوب.
ودخل الأمريكيون الحرب نيابة عن كوريا الجنوبية، لكنهم كانوا يهدفون في الواقع لمحاربة انتشار الشيوعية السوفييتية.
وبعد الحرب، أقيمت منطقة حدودية على طول أربعة كيلومترات بين الدولتين المعروفتين باسم المنطقة الكورية منزوعة السلاح.
وساءت المواقف الكورية الشمالية تجاه الولايات المتحدة، التي كانت سلبية بالفعل، وتدهورت العلاقات بشكل كبير.
ولقي حوالي خمسة ملايين شخص مصرعهم خلال
الحرب الكورية، مع وقوع خسائر في صفوف المدنيين أكثر من الحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام، ما عمق الكره ضد الأمريكان في الشمال الكوري.
ويؤكد النظام الحالي ارتكاب الولايات المتحدة "فظائع" و"جرائم حرب" أثناء النزاع. ويزعم أن الجنود قاموا بقطع أطراف مواطنين أبرياء وتعليقهم على الأشجار.
وتدعي كوريا الشمالية أن القوات الجوية الأمريكية قتلت 20 في المئة من سكانها بالقنابل و"النابالم".
6- إدارة بوش
وزادت العلاقات سوءا بعد انتخاب الرئيس السابق جورج بوش، الذي أشار مرارا إلى "محور الشر"، إيران والعراق وكوريا الشمالية.
وادعى أن جميع الدول الثلاث تمتلك أسلحة دمار شامل، ووضع كوريا الشمالية على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقرأ الكوريون الشماليون هذه الخطوة على أنها إعلان حرب.
7- إدارة أوباما
في عام 2010، خلال فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، غرقت سفينة حربية تدعى "تشيونان" تابعة لجمهورية كوريا الجنوبية قبالة الساحل الكوري.
وخلص التحقيق الذي أجرته كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أنه تم إغراقها بطوربيد كوري شمالي، أسفر عن مقتل 46 شخصا، وحظي الأمر بإدانة دولية.
إلا أن كوريا الشمالية نفت ذلك، مؤكدة أن الأمر كان مجرد حادث.
وفي عام 2010، اتهمت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الولايات المتحدة بالتلاعب في التحقيق، واتهمت إدارة أوباما باستخدام القضية لزيادة عدم الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وبعد وفاة كيم جونغ إيل في عام 2011، أعلن خلفه كيم جونغ أون، أنه سيطلق قمرا صناعيا للاحتفال بالذكرى المئوية لعيد ميلاد كيم إيل سونغ.
ومع ذلك، تخشى الولايات المتحدة هذا الأمر، لأن الأقمار الصناعية تعادل تكنولوجيا الصواريخ، وعلقت المعونة الغذائية انتقاما.
وعبرت الولايات المتحدة عن اعتقادها بأن كوريا الشمالية تقوم بتطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى لضرب الساحل الغربي، فنشرت قواتها في عام 2012، في إقليم "غوام" في كوريا الجنوبية كنظام للدفاع الصاروخي.
ولا تزال الولايات المتحدة تحافظ على وجود عسكري في كوريا الجنوبية، بما في ذلك الأسلحة النووية، وتشارك في ما يعتبره الشمال بمثابة تدريبات عسكرية تمثل تهديدا.
8- إدارة ترامب
قامت إدارة دونالد ترامب الجديدة، بتوجيه ضربات صاروخية في سوريا، ردا على الهجمات الكيماوية، ما زاد التوتر بين بيونغ يانغ والبيت الأبيض بشكل كبير.
وعقب عروض عدة للقوات العسكرية واختبارات الصواريخ، فقد أرسلت الولايات المتحدة سفنا حربية إلى المنطقة، وبدأت في تركيب نظام مضاد للصواريخ في كوريا الجنوبية، وهو نظام "ثاد".
وأثار ذلك غضب كوريا الشمالية غاضبة واعتبرته تدخلا ضمن سلسلة عدوان أمريكي مستمر.
9- الأمريكيون أنفسهم
وفقا لآخر مسح سنوي أجرته مؤسسة "غالوب" في عام 2015، فإن 87 في المئة من الأمريكيين لديهم رأي سلبي تجاه كوريا الشمالية.
وأفاد استطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية في عام 2014 بأن 90 في المئة من الآراء سلبية عن كوريا الشمالية.
10- الاشتباك الثقافي والدعاية
وعلى مدى عقود، ذكرت تقارير إعلامية أن كوريا الشمالية تدرس أطفالها على كره الإمبريالية الأمريكية، وعدم نسيان "جرائم الحرب" التي ارتكبها الأمريكيون خلال الحرب الكورية.
وتنشر الأسرة الحاكمة في كوريا دعايتها بشكل إجباري لشعبها، وتركز على الكراهية للغرب، وتساهم الدعاية في ترشيد الإنفاق العسكري الضخم، حتى وإن كان الأمر يسبب جوع شعبها.
وتعد كوريا الشمالية أمة تعاني من العزلة ومكانا غير آمن، يتوق إلى الشرعية الدولية حتى في الوقت الذي تزعزع فيه علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وحلفائها.
وعند النظر في التاريخ والسياسة والثقافة الكورية الشمالية، فلن يكون عداؤها تجاه الولايات المتحدة مفاجئا.
via GIPHY