نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب الشهير جورج مونبيوت، بدأه بالتعليق على مدى الاستخفاف الذي قوبل به فيديو نشره على "الغارديان" الشهر الماضي، يقول فيه إنه لا يمكن الركون إلى مقولة حزب المحافظين بأن الهزيمة هي المصير المحتوم لحزب
العمال، بل إن هناك أملا.
ويقول مونبيوت: "إن فوز العمال لم يعد حلما مستحيلا.. نعم إنه حلم للكثير منا، أطول من عمري كوني بالغا، أن تكون لدينا حكومة تعود للشعب وليس للبورصة وملاك الصحف، وأصبح الحلم معقولا".
ويضيف الكاتب: "ولم لا؟ فبرنامج العمال الانتخابي يتماشى مع ما يريد الشعب، حيث يعد بخدمات صحية مستقرة، ويتم فيه إلغاء أي خصخصة، وترفع ميزانيات المستشفيات، وتدفع رواتب جيدة للموظفين، ويعد البرنامج بالمزيد من الاستثمار في المدارس، وتقليل عدد الطلاب في الفصول، وتخفيف الأعباء الإدارية عن المدرسين، التي تجعل المدرسين يتركون عملهم، بالإضافة إلى أنه سيعيد العمل بالدراسة المجانية للجامعات، وسيجعل السكك الحديدية والماء والطاقة والخدمات البريدية تعمل لصالح الجميع، بدلا من المديرين وأصحاب الأسهم فقط، سيلاحق المتهربين من الضرائب، ويضبط عمل المصارف".
ويعلق مونبيوت في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "في الوقت الذي ستستخدم فيه تيريزا
ماي الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت) ككرة هدم ضد حقوق العمال وقوانين البيئة وغيرها من القوانين، التي لطالما سعى
المحافظون لهدمها، يعد العمال بتحسين الحماية العامة، وسيقوم العمال بمنع ما يسمى بعقود (صفر ساعة)، (التي يدفع فيها للموظف بحسب عدد الساعات التي يعملها، دون ضمان لحد أدنى من الساعات)، ومنع الشركات من الضغط على موظفيهم للتسجيل بصفتهم متعاقدين خارجيين (للتوفير على الشركة)، وإعطاء الموظفين الدائمين والمؤقتين حقوقا متساوية، وكذلك معاملة العاطلين عن العمل باحترام، ومساعدة ذوي الإعاقة ومن يقومون على رعايتهم، وسيجد من يحتاج للسكن سكنا، وسيصبح وضع المستأجرين أفضل.. فمن غير أثرى المستفيدين من النظام الحالي لا يريد أن يعيش في مثل هذه الدولة؟".
ويرى الكاتب أن "مشكلة جيرمي
كوربين هي تضييعه فرصا لكشف الحكومة، وكان العائق الأكبر هو تحدي كوربين المفترض، صحيح أنه فشل بأن يكون معارضا لامعا، وخسر فرصا ذهبية لكشف الحكومة وتحدي سياساتها.. لكن صورته بدت مختلفة تماما عندما قام الحزب بما يجب أن يقوم به قبل 18 شهرا، وهو تقديم برنامج سياسي متماسك، وبالرغم من سنوات الاحتجاج، فإن قوة كوربين تكمن بالاقتراحات أكثر من المعارضة، فأسلوبه اللطيف يجعله أكثر ملائمة لشرح رؤيته أكثر من تحدي رأي الطرف الآخر، وكلما حصل على المزيد من التعريف ظهر بشكل أفضل".
ويشير مونبيوت إلى أنه "بالمقارنة، فإن ماي لم تواجه أي شخص لديه نفوذ، ولم تقل شيئا ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى عندما يروج دعاية كاذبة بعد الهجمات الإرهابية، مستغلا حزننا لدعم تعصبه البغيض، وحتى عندما ينسحب من الاتفاقية العالمية للتغير المناخي".
ويصف الكاتب ماي بأنها "متملقة تجاه الرجل البغيض أكثر مما كان بلير تجاه جورج بوش، ولم تواجه السعوديين بخصوص الإرهاب واليمن أو أي شيء آخر، على العكس: يبدو أنها قامت عندما عندما كانت وزيرة للداخلية ورئيسة للوزراء بكبت تقرير حول الدعم الخارجي للمجموعات الجهادية في المملكة المتحدة، قيل أنه يركز على دور السعودية، فعندما يكون هناك خلاف بين أمننا وبيع الأسلحة لنظام مستبد، تنتصر الوحشية".
ويقول مونبيوت: "لن تقف ماي في وجه من يتسببون بالتلوث الذين يدعمون حزب المحافظين بسخاء، وهو ما يفسر ضعفها بخصوص التغير في المناخ، وفشلها الذريع في التعامل مع أزمة تلوث الهواء، ولن تواجه المتطرفين في حزبها، الذين يدعون إلى خروج صعب من الاتحاد الأوروبي، ولم تحضر مناظرة تلفزيونية؛ لأنها تعلم أنه كلما رأى الناس ما لديها تراجعت الشعبية، ومحاولة حزبها أن يبني هالة حول شخصها؛ لأنها تفتقد الشخصية".
ويتساءل الكاتب: "من يريد في هذا العصر الخطير رئيس وزراء ليست له قناعات مميزة، ولا يمتلك مبادئ أخلاقية يمكن استيعابها؟ من يريد رئيسا للوزراء ينبطح للجميع من (ديلي ميل) إلى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؟ من يريد -ونحن على أبواب مفاوضات صعبة للخروج من الاتحاد الأوروبي- حكومة مؤلفة من مهرجين ومتبجحات وبلاطجة؟".
ويكتب مونبيوت بأمل قائلا: "على مر السنوات أخمدت الإدارياتية، التي مارسها المحافظون والعمال، الحماسة السياسية في المملكة المتحدة، وكان هدفها إيجاد توافق بين ديمقراطية شكلية مع مطالب البنوك والشركات وأمريكا وأثرياء الملاذات الضريبية، واعتبرت مطالب وتعصب بارونات الصحف وأصدقائهم المتهربين من الضرائب أهم لدى الحكومة من المبادئ السياسية أو أحلام الضعفاء".
ويعتقد الكاتب أن "هناك فروقات حقيقية كانت موجودة بين الأحزاب قبل أن تتضاءل، بسبب تبني حزب العمال النيوليبرالية لمنافسيهم، ولم تكن الأحزاب الأساسية مستعدة لتغيير النتائج الاجتماعية، ولما خنق الأمل تراجع عدد المشاركين في
الانتخابات، لكن في هذا الأسبوع هناك سبب للتصويت، حيث أن هناك خيارا يوم الخميس أكبر مما كان لعدة عقود".
ويقول مونبيوت: "عندما أخرج غدا (اليوم) من قاعة الانتخابات سأكون قد صوت خلال 10 سنوات لأربعة أحزاب مختلفة، الخضر والديمقراطيين الليبراليين وحزب ويلز، وأخيرا لحزب العمال، وفي كل مرة كنت أذهب للأحزاب الصغيرة بصفتها مهربا، وكنت أصوت مع شعور باليأس، لكن هذا الأسبوع سأصوت لأول مرة في حياتي يملؤني الأمل".
ويختم الكاتب مقاله بتذكير الشباب الذين سجلوا للانتخاب بأن يذهبوا للاقتراع، مذكرا إياهم بأن المحافظين من كبار السن يعدون بالتصويت ويفون بوعدهم، ويقول إن "الأحلام التي راودتنا لسنين طويلة يمكن أن تتحقق، وما كان يبدو مستحيلا قبل شهر فقط أصبح الآن ممكنا، لكن فقط بالمشاركة الجيدة".