له آذان وعيون في أروقة جميع الأحزاب السياسية في
الجزائر.
يمتلك مفاتيح المؤيدين والمعارضين معا، ويعرف ما يهمس به منافسوه في دوائر رجال الأعمال والنفط والسياسة والجيش والمخابرات.
تقمص بحكم الواقع شؤون "
قصر المرادية" المقر الرئاسي في الجزائر.
الرئيس الخفي، الرجل الظل، والمستشار بدون قرار رسمي، رجل عرف كيف تدار الجزائر عن بعد، فهل حان الوقت ليظهر للعلن، كما تساءلت وسائل الإعلام الجزائرية؟
سعيد بوتفليقة المولود في عام 1957، في وجدة (المغرب)، التي كانت قاعدة الولاية الخامسة أثناء ثورة التحرير الجزائرية، في بداية صعود أخيه عبد العزيز بجوار هواري بومدين.
أستاذ جامعي ورجل سياسي جزائري، شقيق ومستشار خاص للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وتتحدث الصحافة الجزائرية على أنه "مستشار في الرئاسة دون وظيفة رسمية"، وهي الصيغة التي نسبها لنفسه في خطاباته.
وهو أيضا الخليفة المحتمل للرئيس الذي يمارس صلاحياته على كرسي متحرك.
توفي والده، الذي كان يعمل وكيلا بسوق الجملة، بعد أن أتم عامه الأول، ربته أمه برعاية أخيه الأكبر عبد العزيز، وأصبح الشقيق الأكبر وزيرا للشباب والرياضة والسياحة في أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال شكلها الرئيس أحمد بن بلة من عام 1962 وحتى عام 1965.
في ذلك العام، قام هواري بومدين بالانقلاب على بن بيلا، ليصبح ثاني رئيس للجزائر بعد الاستقلال، وغادرت عائلة بوتفليقة البلاد بسبب كثرة المضايقات التي تعرضت لها العائلة، واضطر الشقيق الأكبر عبد العزيز للبحث عن فرصة جديدة لنفسه مستشارا سياسيا، بعد أن سدت كل الأبواب داخل الجزائر أمامه، وجاب عدة بلاد دون أن يحقق أي نجاح يذكر.
ومع التغيير الذي حدث في الجزائر، استعاد عبد العزيز بوتفليقة مكانته بعد السماح لعائلته بالعودة مجددا لأرض الوطن عام 1987، وانخرط سريعا في اللجنة المركزية لـ"حزب جبهة التحرير الوطني"، الحزب الحاكم في البلاد.
تلقى سعيد بوتفليقة تعليمه الأول في "مدرسة سان جوزيف" ثم التعليم الثانوي بـ"ثانوية اليسوعيين"، وبعد حصوله على البكالوريوس وعلى الإجازة من "الجامعة العلمية" في باب الزوار، توجه سعيد عام 1983 إلى الدائرة السادسة في باريس، للحصول على الدكتوراه من "جامعة بيير وماري كوري".
وفي عام 1998، أعلن الرئيس الجزائرى الأمين زروال استقالته، وإجراء انتخابات مبكرة، ودخلها عبدالعزيز بكل قوة، وفاز فيها، ليدخل "قصر المرادية" عام 1999، وعلى أثرها عين سعيد بوتفليقة مستشارا خاصا للرئيس، بقرار لم ينشر وقتها، وأسندت إليه إدارة النظم المعلوماتية لمكتب الرئاسة.
أدار الحملتين الانتخابيتين لأخيه في عامي 2004 و2008، وبدأت الطبقة السياسية تقدمه خليفة محتملا لأخيه، خاصة بعدما شهد عام 2005 أولى الوعكات الصحية للرئيس الجزائري، حين أجبره المرض على التوجه لباريس لتلقي العلاج، وهنا ظهر مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر، ليعطي الأوامر، وتكون له الكلمة العليا في تعيين الوزراء والولاة والدبلوماسيين والسفراء.
وركزت الحالة الصحية التي أصابت الرئيس الجزائري من عام 2011 وحتى عام 2014 الأضواء على تحركات مستشار الرئيس وشقيقه، وكانت بصماته واضحة بكل أرجاء وأروقة "قصر المرادية"، وفي القرارات التي يتم اتخاذها، حتى ردد البعض أنه الحاكم الفعلي للبلاد.
وبحسب أحد المقربين من "قصر المرادية"، نقلت عنه صحف محلية تصريحاته، فإن سعيد يضع "رزنامة الرئيس"، ويتدخل في تعيين الوزراء والدبلوماسيين والولاة ومدراء المؤسسات العمومية، ويتدخل في كواليس "جبهة التحرير"، حتى صار لا يمكن الاستغناء عنه للوصول للرئيس بوتفليقة.
وفي 2010، أسس "التجمع من أجل الوئام الوطني" الذي لم يلبث أن وقع في بئر النسيان على وقع أحداث "الربيع العربي".
ورد ذكر اسمه كثيرا في قضايا فساد، وتدخل في قرارات الدولة، لكن المقربين منه يقولون إن هذه التقارير تنشر ربما بإيعاز من إدارة الاستخبارات والأمن، لإبعاده عن دائرة المنافسة على كرسي الرئاسة.
وتدور علامات الاستفهام حوله بعد إقالة رئيس الاستخبارات الجزائرية "دي أر أس" محمد مدين أو "
الجنرال توفيق".
وفي تصريحات ابتعدت بشكل كامل عن الحذر والدبلوماسية، هاجمه الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، في حوار مع "إذاعة المغرب إف إم" الجزائرية، ووصفه بـ"المختل عقليا"، وقال إن "سعيد بوتفليقة هو الحاكم الفعلي للجزائر، ويخطط لتولي منصب الرئيس في مكان أخيه".
وقال إنه هو الذي كان وراء تنحي مسؤول الاستخبارات الجزائرية، الجنرال توفيق مدين، "بهدف فتح الطريق أمامه لتولي منصب رئيس الجزائر، خلفا لأخيه عبد العزيز بوتفليقة".
والأمر ذاته حدث مع الأجهزة الرقابية والإدارية، وأيضا الأمنية، قبل أن يصطدم بمدير المخابرات الداخلية بشير طرطاق الذي تربطه به علاقات متوترة.
ويفتح النقيب السابق في دائرة الاستعلامات والأمن في الجيش الجزائري الكاتب والصحفي هشام عبود النيران على سعيد بوتفليقة عبر ملفات الفساد، وهو الأمر الذي أشعل الرأي العام ضد سعيد.
وكان قد اتهم سعيد بتورطه في قضايا فساد عدة، قائلا: "كثيرون يشهدون بأنك متورط بكبرى قضايا مثل: سوناطراك، والطريق السريع شرق-غرب، وفيليب موريس، وخليفة"، وهو ما دفع بسعيد بوتفليقة إلى رفع دعوى قضائية ضده، معتبرا أن هذه الاتهامات "موجهة لكافة الشعب الجزائري، وبالتالي فإنه مسؤول أمامه".
لكن مدير موقع "ألجيري فوكيس" الصحفي عبد الرحمن سمار، يرى الموضوع من زاوية أخرى، ففي تصريح لـ"فرانس 24"، قال ما مفاده: "الجزائريون يعلمون جيدا أن الجيش هو سيد القرار، وأن الهدف وراء رواية التوريث صرف نظر الشعب عن القضايا الأساسية، أقصد الاحتجاجات ضد الغاز الصخري والأزمة الليبية، وتدني أسعار النفط.. إلخ".
في حين اعتبرها البعض إشارة إلى أن "هناك شيئا يدبر خفية في كواليس رئاسة الجمهورية"، من أجل ضمان بقاء الحكم في يد عائلة بوتفليقة، باعتبار أن هذه الأخيرة عرفت بانسجامها مع الجيش والمخابرات في تدبير العديد من الملفات، خاصة ما يتعلق منها بملف العلاقات مع المغرب، وقضية الصحراء المغربية.
ولا يعني هذا الهجوم أن الرجل يفتقد إلى القدرات الشخصية، إذ يصفه المقربون منه بأنه يتمتع بذكاء ودهاء، ولا يهوى وسائل الإعلام، ولم يظهر في لقاء منذ تعيينه مستشارا سوى في لقطات بجوار شقيقه في نشرات الأخبار، على الرغم من صلاته النافذة مع كبار كتاب الرأي ومنظمات المجتمع المدني بالجزائر.
ويصفه البعض بأنه "سلطوي مستبد"، يستخدم نفوذه في توسعة استثماراته التجارية مع شركات النفط، وابتزاز كبار رجال الأعمال لتمويل حملات شقيقه الأكبر الانتخابية.
وبينما تذهب التكهنات إلى وراثة الشقيق الأصغر لأخيه في الحكم، ترتفع أصوات حقوقية في المجتمع الجزائري من الأحزاب وأطراف أخرى للمطالبة بتطبيق المادة 88 من الدستور الجزائري، المتضمنة إعلان حالة الشغور، والذهاب لانتخابات رئاسية مبكرة.
ونشرت مجلة "موند أفريك" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن تدهور الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعن الصراع الذي اشتد بين الجماعات المتناحرة على الخلافة في القصر الرئاسي وهيئة الأركان العامة للجيش.
وذكرت المجلة أن الأسبقية في هذه المعركة كانت للحلف الرئاسي بقيادة شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، وحلف قيادة الأركان، وعلى رأسه نائب وزير الدفاع منذ عام 2013 أحمد قايد صالح.
وهما متحالفان منذ ما يقارب الثلاث سنوات، من أجل إزاحة الجنرال توفيق، قائد الاستخبارات الجزائرية والحاكم الفعلي للجزائر منذ ربع قرن.
و"الوصي" على الحكم في هذه الظروف هو سعيد بوتفليقة، وهو بصدد إجراء حصص تدريبية مع الإعلام، وإحاطة نفسه بفريق خاص من أجل قيادة الحملة القادمة.
كما أنه يعيش دور خليفة أخيه على طريقة راؤول كاسترو، الذي خلف أخاه فيدال وغيره من الحكام العرب الذين ورثوا أو ورثوا الحكم، بحسب نشطاء.