وجه حقوقيون وسياسيون انتقادات حادة لدول أوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، بسبب الصمت عن ملفات انتهاك
حقوق الإنسان في
مصر، منذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، مع تقديم مساعدات مالية، مقابل عقد اتفاقيات للحد من تدفق
المهاجرين إليها.
ودأبت السلطات المصرية في الشهور الأخيرة على نشر أخبار ضبط مهاجرين غير شرعيين عبر المتوسط، وإبراز صور العمليات التي تقوم بها قوات خفر السواحل والقوات المسلحة؛ على صفحات المتحدث العسكري، مع صور تقديم وجبات غذائية ومشروبات لهم؛ لتأكيد التزامها بالقواعد بالقانون الدولي.
وأذكى ملف المهاجرين واللاجئين حدة الانتقادات الداخلية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؛ التي تخوض غمار المنافسة على منصب المستشارية للمرة الخامسة على التوالي.
المال مقابل المنع
واتهمت منظمات حقوقية نظام السيسي باستغلال اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية في بلدان جنوب البحر المتوسط وشرقه؛ للمساومة على طلب المزيد من المساعدات الاقتصادية تحت ستار تعزيز التعاون الاقتصادي، وتقديم مساعدات لقطاع التعليم، لمكافحة أسباب اللجوء والهجرة.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، صرح وزير الخارجية المصري لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية بأن "النقاش حول إعادة اللاجئين والمهاجرين يتم عبر مشروع متكامل يتخطى جوانب إعادة المهاجرين فقط".
وفي إشارة واضحة لطلب المساعدات، أضاف الوزير المصري: "الدول المصدرة للمهاجرين والدول التي ينتقل عبرها المهاجرون تحتاج دعما في مجالات الأمن وحماية الحدود ومراقبة الطرق البحرية. بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي؛ لكي يتم علاج الجوانب الإنسانية للمهاجرين وتقليل موجات
الهجرة" كما قال.
ابتزاز الغرب
وعلق رئيس حزب الفضيلة ومؤسس تيار الأمة، محمود فتحي، بالقول إن "السيسي من البداية يدرك أن هذه هواجس
أوروبا، وبالتالي كان خطابه من البداية التهديد بسيناريو سوريا والعراق".
وقال لـ"
عربي21" إن السيسي "استغل قضية المهاجرين ليهدد الشعب المصري بها لو استمر في ثورته من جهة، ويبتز بها الغرب المتوجس من تحمس ملايين الشباب للهجرة عبر المتوسط إلى أوروبا؛ بالسماح للمصريين بالهجرة لو لم يقدموا له الدعم المالي والغطاء الشرعي"، وفق قوله.
واتهم فتحي؛ الغرب بالتغاضي عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، في ظل الاضطرابات التي تسود المنطقة، مقابل دعم استقرار نظام السيسي "الهش" اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. وقال: "في الحقيقة الغرب لم يكن مهتما أصلا يوما بملف الحقوق والحريات إلا من باب عمليات التجميل؛ لأنه يبحث عن مصالحه".
اتفاقيات في السر
وأشار مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، عزت غنيم، إلى سلوك السلطات الألمانية في التعامل مع الملف الحقوقي في مصر، قائلا: "من الواضح أن هناك اتفاقية غير معلنة متعلقة بالمهاجرين، وهناك اتفافية سرية بين الحكومتين في ملف مواجهة المهاجرين في مقابل صمت ألمانيا عن وضع حقوق الإنسان بشكل كبير".
ورأى، في حديث لـ"
عربي21"، أن "ما تقوم به السلطات الألمانية اليوم ستقوم به باقي الدول الأوروبية غدا"، مضيفا: "من المعلوم أن ألمانيا هي قاطرة أوروبا سياسيا واقتصاديا خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ولفت إلى أن "الوضع الحالي هو صمت مطبق عن واقع الحقوق في مصر، في مقابل قيام الحكومة المصرية بمواجهة الهجرة بكافة الطرق"، وفق تقديره.
وتابع: "واضح بشكل كبير أنه مقابل الجهود المصرية في منع تدفق المهاجرين؛ تقدم ألمانيا دعما للحكومة المصرية، وتقوم (بتوقيف) أعداد من المصريين في ألمانيا، سواء كان للأمر بُعد سياسي أو جنائي، كما حدث مع الإعلامي أحمد منصور والناشط عبد الرحمن عز".
الغرب والكيل بمكيالين
من جهته، قال المحلل السياسي عبد المنعم الحشاش، لـ"
عربي21"، إن "ملف الهجرة غير الشرعية ظهر بقوة في السنوات الأخيرة في أعقاب الصراعات والحروب الدائرة رحاها في المنطقة خاصة في سوريا وليبيا"، مضيفا: "هذا الملف بالنسبة للنظام الحالي يقلقه كثيرا؛ فهو يتمنى أن يهاجر نصف الشعب المصري إلى أي مكان حتى يرتاح من أعبائهم"، على حد قوله.
وبيّن أن "مصر استغلت ورقة المهاجرين لتحقيق مكاسب من الدول الأوروبية الجاذبة للهجرة غير الشرعية، وذلك مقابل تخفيف هذه الدول من ضغوطها على ملف حقوق الإنسان في مصر".
لكنه استدرك قائلا: "نحن نعول كثيرا على الغرب في فتح ملفات حقوق الإنسان؛ إن هؤلاء يكتالون بألف مكيال في هذا الملف بالذات ويتعاملون بمبدأ "قتل امرئ في غابة قضية لا تغتفر، وقتل شعب بريء قضية فيها نظر"، والأمثلة على ذلك كثيرة في سوريا واليمن، ومؤخرا ما يحدث لمسلمي الروهنجيا من قتل واغتصاب وحرق وتهجير قسري"، بحسب تعبيره.
وأكد أن "دول أوروبا تتغاضى عن فتح ملف حقوق الإنسان في مصر لتحقيق مصالحها الخاصة، فهي حريصة على التعاون مع الانقلاب وديمومة نظامه للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط".