حذر خبراء من تنفيذ وزير
التعليم بحكومة الانقلاب بمصر، طارق شوقي، خطة يدعمها صندوق النقد والبنك الدوليين؛ لتسريح 80 في المئة من معلمي الوزارة وإلغاء مجانية التعليم التي يستفيد منها الملايين من أبناء الفقراء.
وكان وزير التعليم قد قال لصحيفة "أخبار اليوم" الحكومية، السبت، إن "ميزانية الوزارة تبلغ 80 مليار جنيه، منها 70 مليار مكافآت ومرتبات لأناس لست بحاجة إليهم، فأنا عندي مليون و700 ألف لا أحتاج منهم سوى 20 في المئة فقط، ولو جلس الباقون بمنازلهم لن يؤثروا على العملية التعليمية".
واتهم الوزير المعلمين بقوله: "نصف الوزارة إما حرامي والنصف الثاني حرامي وغير كفء أيضا"، مهددا بفصل "المدرس عالي الصوت".
تصريحات الوزير دفعت البعض للمطالبة بإقالته، كنقابة التعليم المستقلة، فيما أعلنت عضو لجنة التعليم بالبرلمان النائبة منى عبد العاطي، أنها ستتقدم بطلب استجواب للوزير لمعرفة السبب الحقيقي لتلك التصريحات.
هجوم على مجانية التعليم
وكانت قد انطلقت دعوات متعددة من أذرع النظام الإعلامية والسياسية؛ لإلغاء مجانية التعليم في عهد الانقلاب واتهامها بالتسبب في تراجع مستوى التعليم؛ لدرجة خروج
مصر من قائمة التصنيف العالمي في جودة التعليم، حسبما أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في أيار/ مايو الماضي.
وأشهر الدعوات المطالبة بإلغاء المجانية؛ كانت للعالم المصري بوكالة ناسا، فاروق الباز، خلال حوار بفضائية "mbc مصر" في كانون الأول/ ديسمبر 2016، حيث طالب بأن "يكون التعليم المجاني للمرحلة الابتدائية والتعليم الفني فقط"، معتبرا أن "جزءا من المجانية سبب خراب التعليم".
وبحسب الدساتير المصرية المتعاقبة، فإن التعليم مجاني وإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، كما حدد دستور الانقلاب، الصادر في 2014، ميزانية التعليم قبل الجامعي (نحو 20 مليون تلميذ) بنحو 4 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، وهو ما لم تلتزم به حكومة الانقلاب في موازنة العام المالي الجاري.
خطة السيسي
وتعليقا على تصريحات وزير التعليم، اتهم الكاتب كمال حبيب؛ الوزير طارق شوقي بالسعي لإلغاء مجانية التعليم، وقال إن "ما يعلنه الوزير هي خطة يتبناها عبد الفتاح السيسي".
وكتب حبيب عبر صفحته في "فيسبوك": "هناك نموذج تعليمي يريده البنك الدولي لكي يمول العملية التعليمية بالبلدان التي تأخذ بنموذجه"، موضحا أنه بعد تصريحات الوزير "نحن إذن أمام نموذج للتعليم من البنك الدولي تلغى فيه مجانية التعليم، ويُسرح 80 في المئة من المدرسين، وقبل ذلك يتم وصفهم بأنهم حرامية".
أجندة دولية
من جانبه، أكد رئيس حزب "الجيل"، ناجي الشهابي، أن "تصريح الوزير غير دقيق؛ لأنه جمع بين أعداد المعلمين والإداريين، كما أن المليون و200 ألف معلم تحتاج الوزارة أكثر منهم كي تقترب بنصاب المعلم إلى قرينه بالدول المتقدمة".
وأضاف الشهابي لـ"
عربي21": "يبقى كلام الوزير أنه لا يحتاج إلى 80 في المئة من المعلمين؛ يفتقر للصحة وخادعا للرأي العام، وعلينا أن نبحث لماذا قال الوزير هذا الكلام، وهل يمهد لاتخاذ قرار بإلغاء مجانية التعليم"، معربا عن اعتقاده بأن "القرار من المستحيل مروره بدون تداعيات على استقرار البلاد"، وفق تقديره.
واعتبر الشهابي أن "الوزير ليست له خبرات سابقة سوى عمله بعض الوقت في اليونسكو"، متهما إياه بتنفيذ "أجندة صندوق النقد والبنك الدوليين بإلغاء مجانية التعليم، وهو الإنجاز الوحيد الباقي للرئيس جمال عبد الناصر"، كما قال.
وخاطب الشهابي من يتحدثون عن علاقة مجانية التعليم بضعف رواتب المعلمين وارتباط ذلك بظاهرة الدروس الخصوصية بالمدارس الحكومية؛ بقوله: "الطلاب بالمدارس الخاصة والدولية يتعاطون الدروس الخصوصية بنسبة 100 في المئة".
مشروع ميجي
ويرى الباحث والمعلم بوزارة التربية والتعليم، محمد مسلم، أن الحل لإنقاذ التعليم ليس بإلغاء المجانية ولا تسريح المعلمين، معتبرا أن "تصريحات الوزير منافية للواقع، حيث أن هناك عجزا صارخا في المعلمين، وكل معلم يدرس أكثر من نصابه في عدد الحصص". وتساءل: "من أين أتى (الوزير) بهذا الكلام؟".
وأضاف مسلم لـ"
عربي21": "المعلم يعمل في أسوأ الظروف؛ حين يدرس في بعض الأحيان في فصول كثافتها ستون طالبا، ولا يجد مقعدا يرتاح فيه من الوقوف طوال اليوم"، وفق قوله.
وقال: "كي نصل لمعايير الجودة العالمية يجب وضع التعليم كأولوية أولى قبل التسليح والأمن، كما فعلت اليابان مطلع القرن التاسع عشر بمشروع الإمبراطور ميجي؛ الذي استهدف الارتقاء بالمجالات التسعة لمعايير الجودة وهي: المعلم، والمتعلم، ومحتوى المنهج، والقدرة الموسمية للمدرسة، والموارد البشرية، والمساءلة، والقيادة والحوكمة، والمشاركة المجتمعية، والمناخ التربوي".
وأكد مسلم أن "نجاح التعليم بمصر مرتبط بالمناخ العام؛ فلا صلاح له دون إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وإطلاق طاقات الإبداع، وتقريب المبدعين لا أهل الثقة والولاء من المتسلقين الوصوليين"، على حد وصفه، مشيرا في الوقت ذاته إلى دور "الأسرة والإعلام الهامين في دعم المعلم والعملية التعليمية".