هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بينما تنشغل النخب المصرية بصراع السلطة مع المعارضة حول الانتخابات الرئاسية وما يجري من اعتقالات للمرشحين وأنصارهم وللسياسيين المعارضين؛ يقوم إعلاميون من الصف الثاني بلفت انتباه ملايين المصريين (حزب الكنبة) إلى قضايا وأزمات وهمية، والتركيز على القضايا الجنسية والإباحية.
و"حزب الكنبة"، هو تعبير يطلق على ملايين المصريين الذين لا يهتمون بالسياسة ويرفضون المشاركة بالعمليات الانتخابية، ويكتفون لعقود بمشاهدة برامج التليفزيون ورغم أنهم الكتلة التصويتية الأكبر بالبلاد إلا أنه يتم شراء أصوات الكثير منهم برشى انتخابية.
ومن القضايا المفتعلة للفت انتباه ملايين المصريين بعيدا عن أزمات مصر الحقيقية؛ ما أثاره الثلاثاء الماضي، مدير قناة "العائلة" التابعة لماسبيرو، مختار أحمد، من تهديد علني باغتصاب صحفية لكشفها مخالفات يقوم بها، معترفا في مقطع مسجل له بجرائم جنسية ارتكبها.
والخميس الماضي، أذاع الإعلامي جابر القرموطي، التسريب الجنسي لمسؤول ماسبيرو مدير قناة "العائلة"، عبر برنامجه مانشيت بفضائية "النهار".
وفي نفس الليلة، عرضت الإعلامية بسمة وهبة، حلقة عن "الحرمان الجنسي للمرأة" أثار ضيوفها خلالها الكثير من الجدل.
الاغتصاب الجنسي
والجمعة 9 شباط/فيراير الجاري، عرضت الإعلامية منى عراقي، حلقة عن الاغتصاب الجنسي وسط وصلة سباب للرجل بألفاظ خادشة وإباحية.
والثلاثاء، 6 شباط/فبراير الجاري، أوقفت شرطة السياحة الراقصة الروسية "جوهرة"، بتهمة التحريض على الفسق، بسبب ملابسها ما شغل الرأي العام المصري، والبرلمان الذي أعلن أحد نوابه "إيهاب غطاطي" أنه سيعد تشريعا يتضمن مواصفات ملابس الراقصات.
اقرأ أيضا: من هي الشخصيات الثلاث التي تسيطر على السيسي؟
والأحد 11 شباط/فبراير الجاري، وعلى خلفية استخدام برنامج "SNL" بالعربي الذي يبث بفضائية "ON.E" ألفاظا وعبارات وإيحاءات جنسية؛ قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقف البرنامج.
وقام المجلس أيضا بوقف برنامج "الناس الحلوة" بفضائية "القاهرة والناس" بسبب ما قام ببثه من صور جنسية.
وبداية الشهر الجاري، نشرت صحف مصرية صورا فاضحة لسياسيين معارضين بينهم أيمن نور والمحامي الحقوقي طارق العوضي.
مهنية القائم بالاتصال
وحول استخدام الإعلام للقضايا والإيحاءات الجنسية والهدف منها، قال المدرب الإعلامي، عماد ناصف، إن "استخدام القائم بالاتصال لوسائل الإعلام للتأثير في الجمهور أمر غير مفاجئ"، مضيفا أن "استخدام رسالة بعينها لإحداث أثر معين في الجمهور يكون نجاحها في تحقيق الأهداف بقدر النجاح في تحديد الجمهور".
وأوضح الكاتب الصحفي المصري لـ"عربي21"، أنه "في حالة ما تبثه فضائيات مصرية الآن من عناوين مرتبطة بأمور مثيرة؛ جاء لأنه يعلم (القائم بالاتصال) طبيعة الجمهور الذي يخاطبه، ولديه إحصاءات تقول إن أكثر من نصف سكان مصر تحت سن 29 سنة منهم 34.2 بالمئة أقل من 15 سنة، و26.8 بالمئة ما بين 15 و29 سنة".
وأضاف: "لأنه يعرف جمهوره وتفاصيل تركيبته بدقة؛ فهو يعرف كيف يؤثر فيه وكيف يوجهه"، مشيرا إلى أنه "وعلى الرغم من نجاحه في تحديد جمهوره وبناء رسالته إلا أنه لم يكن مهنيا ولا أخلاقيا ولا أمينا في محتوى الرسالة الموجهة".
وأكد ناصف، أن هذا "الأمر يؤثر بالسلب على المجتمع ويحول الإعلام من المساهمة في الارتقاء بالمجتمع وتنميته إلى انهيار قيمه وصرفه عن قضاياه الحقيقية".
اقرأ أيضا: منظمات حقوقية تطالب بإعادة فتح باب الترشح لرئاسة مصر
وشدد على أهمية "وجود إعلام ناضج بالمقابل يقوم بدوره الحقيقي في الإخبار والتنوير"، مطالبا "الإعلاميين والمشاركين بهذه التوعية من المحتوى بمراجعة أنفسهم فيما يقدمونه، لأنهم يتخلون عن الحد الأدنى من القيم والمهنية التي ستظل نموذجا سيئا في أرشيفهم المهني سيسألون عنه بالمستقبل".
أداة الطغاة
ويرى الخبير الإعلامي، محمود جعفر، أن "الجنس كان دائما أحد أدوات الطغاة؛ إما لإشغال الناس بعيدا عن تجريف المجتمع سياسيا واقتصاديا والتغطية على جرائمهم وفشلهم بإقامة دولة حديثة أو لابتزاز المعارضين للنظام وإسكاتهم"، مؤكدا أن "مصر ليست استثناء من هذا الأمر".
وقال جعفر لـ"عربي21" إن "الأمر الخطير هنا هو أن النظام الحاكم هو الذي يكشف ويروج لهذا الأمر (الجنس) في رسالة لها مغزاها: كلكم مراقبون وتصرفاتكم تحت السيطرة ترسيخا لفكرة الدولة البوليسية أو بالأحرى (دولة جورج أورويل) التي صورها ببراعة في روايته الأشهر( 1984) -الروائي البريطاني كشف خلالها أساليب الرقابة الحكومية والتلاعب بالجماهير-".
وأضاف المستشار الإعلامي: "لاحظت أيضا زيادة جرعة الجنس ببعض برامج (التوك شو)"، موضحا أنها "تخدم نفس الغرض السابق بزعم أنها تناقش قضايا موجودة بالمجتمع وتحاول علاجها"، مشيرا إلى أن "اللغة المستخدمة بهذه البرامج فاحشة معظم الأحيان، لأننا لم نتعود على سماعها علنا ومن وسائل الإعلام".
ورأى جعفر، أن "الغرض الآخر الخفي لهذه البرامج هو إحداث ما يدعون أنه ثورة جنسية بالمجتمع المصري للوصول لحالة تتوافق مع المعايير الغربية بهذا المجال وتغيير النمط الأخلاقي الذي تربت عليه الأجيال والنابع أساسا من القيم الدينية".
وتوقع ألا "يتوقف الأمر (استخدام الجنس للإلهاء) مستقبلا عند هذا الحد بل أعتقد أن يتم الترويج لقضايا أخرى شائكة مثل الشذوذ الجنسي وإقامة العلاقات الجنسية غير المشروعة باعتبارها حرية شخصية"، مؤكدا أنه "وحين يغرق المجتمع بالجنس فلن يتحدث عن علاقات أخرى".