هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية مقالا للباحث في مؤسسة راند كولين كلارك، يتساءل فيه عما إذا كان تنظيم الدولة سيظهر مجددا في مكان آخر، بعد خسارته أهم معاقله في العراق وسوريا العام الماضي.
ويجد الكاتب أن أفضل مكان مرشح لظهور التنظيم فيه هو ميانمار، التي تتعرض فيها الأقلية المسلمة "الروهينغا" لعملية ترحيل وقتل وتطهير عرقي، مشيرا إلى أن الظروف، وإن توفرت، إلا أن أمام التنظيم تحديات كبيرة، من ناحية عدم توفر الملاجئ الآمنة وشبكات الاتصال.
ويقول كلارك إن "خسارة التنظيم لكل من الرقة والموصل لا تعني أنه فقد قدراته القتالية، فلا يزال يحتفظ بعشرة آلاف مقاتل في سوريا، أما زعيمه أبو بكر البغدادي فهو مختبئ في مكان ما، ولديه خطط للتوسع في الخارج".
ويشير الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أزمة الروهينغا يمكن أن تكون عاملاً محفزاً لتنظيم الدولة بالتوسع في جنوب شرق آسيا، لافتا إلى اعتقال سلطات ماليزيا في كانون الثاني/ يناير الماضي مواطنين إندونيسيين، قالت إنهم مرتبطون بتنظيم الدولة، ويخططون لقتل رهبان بوذيين؛ انتقاما لمسلمي إقليم أراكان.
ويقول الكاتب إن "هذا يستدعي قلقا دوليا بالغا لمنع وصول التنظيم إلى مناطق في ميانمار، التي تعد مثالية للتوسع، فهي دولة هشة تعاني صراعا أهليا مستمرا، يمكن أن يتعامل معها تنظيم الدولة على أنها أرضية خصبة".
ويلفت كلارك في مقاله، الذي نشر على موقع المجلة الإلكتروني، إلى وجود تشكيلات مهمة تابعة لتنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، في مصر ومناطق في ليبيا واليمن وأفغانستان ونيجيريا والسعودية وروسيا، بالإضافة إلى أن التنظيم حقق تقدما في جنوب شرقي آسيا، خاصة في الفلبين.
ويفيد الباحث بأنه مع استمرار الصراع في العراق وسوريا، فإن أمريكا وحلفاءها يقومون بعملية مسح على مستوى العالم، في محاولة لاستباق التهديدات المستقبلية التي قد تتطور بفعل التنظيم، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من أسباب الجماعات الإرهابية الأخرى وكيفية توسعها في السنوات الماضية.
اقرأ أيضا : ما تبقى من نفوذ "داعش" بسوريا واستفادة النظام منه (خريطة)
ويذهب الكاتب إلى أن الطريقة الأمثل لمعرفة كيف يمكن لتنظيم الدولة الاستمرار في التوسع، تتمثل في تتبع مسار تنظيم القاعدة، الذي اتبع نمطاً مماثلاً خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويعتقد كلارك أن "الجماعات الإرهابية تبحث عن فروع جديدة لها لعدة أسباب؛ من بينها توسيع مدى وحجم تأثيرها، والاستفادة من الخبرات المحلية وتشجيعها، وتقوية ونشر أساليب وتقنيات وأدوات مبتكرة، وأخيرا من أجل زيادة شرعية الجماعة، وإبعاد شبهة كونها جماعة غريبة، بالإضافة إلى أن التوسع في مجالات ومناطق أخرى يعطي صورة بأن التنظيم أقوى مما يبدو في الحقيقة".
ويرى الباحث أن "بناء فروع يقدم خبرات محلية، فمن خلال الاندماج مع حركة الشباب الإسلامي فإن تنظيم القاعدة انتقل إلى منطقة كان من الصعب، بل من المستحيل عليه بناء قاعدة له فيها، خاصة أن المقاتلين العرب سيجدون صعوبة في التحرك بين شبكة من العلاقات القبلية والتوسط في الخلافات العشائرية".
ويبين الكاتب أن "توسع تنظيم القاعدة في اليمن سمح بالاستفادة من الخبرات المحلية، حيث استثمر تنظيم القاعدة خبرات إبراهيم حسن العسيري، صانع المتفجرات الذي وصفه مدير المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) السابق ديفيد بترايوس بأنه (أخطر رجل في العالم)، فعندما لم يستطع تنظيم القاعدة تنظيم هجمات كبيرة، كتلك التي نفذها في أيلول/ سبتمبر 2001، فإنه استعان بالعسيري، حيث حاول تنظيم عمليات ضد أمريكا انتهت كلها بالفشل".
ويقول كلارك إن "التوسع يمنح التنظيمات الإرهابية الشرعية، كما حدث في سوريا، حيث استطاع فرعه هناك بناء قاعدة دعم له، من خلال توفير الخدمات للسكان المحليين، مثل الماء والكهرباء، ودعم المخابز المحلية، وتسعير المواد الأساسية؛ في محاولة لإظهار اهتمامه بالسكان المحليين، إلا أن الاندماج لا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى نتائج إيجابية، فتوسيع عمليات الجماعة الإرهابية يحمل معه الكثير من المخاطر، وتنطوي عليه مظاهر قصور غير متوقعة".
ويضيف الباحث أن "تنظيم القاعدة في العراق كان مثالا واضحا على هذه النزعة، حيث شن زعيم الفرع العراقي أبو مصعب الزرقاوي حربا طائفية، وحاول الفرع الأم في أكثر من حالة تذكيره بضرورة التوسط، لكنه تجاهل دعوات زعيم التنظيم أسامة بن لادن ونائبه في ذلك الوقت أيمن الظواهري، ولأن تنظيم الدولة يقوم على الفكرة ذاتها التي بناها الزرقاوي فلا حاجة لأن تقلق فروعه من ارتكاب أفعال متجاوزة".
اقرأ أيضا : التحالف يخفق بحسم مصير مقاتلي "داعش" المحتجزين بسوريا
ويستدرك الكاتب قائلا إن "على التنظيم القلق من (التنصل) من أفعال الفروع، خاصة أن بعض الجماعات تستفيد من اسمه دون أن تقدم له شيئا مقابلا، وبالنسبة لتنظيم القاعدة فإنه كان هناك توتر بين الأجندات المحلية والعالمية، أو ما بين (العدو القريب) و(العدو البعيد)، وبدأ تنظيم الدولة بتحويل الكثير من مصادره للخارج؛ في محاولة لتقوية الفروع القائمة، التي تقلد أساليبه في العراق وسوريا، من خلال زيادة العمليات الانتحارية في أفغانستان، والعمليات في سيناء، وستزيد هذه الموجة عندما تتبنى هذه الفروع الأيديولوجية والحكم كما حدث في ليبيا".
وينوه كلارك إلى أنه "منذ ظهور تنظيم الدولة فإنه قام بتوسيع وزيادة تعهداته لتحقيق أهدافه بشكل مستمر، فالفروع الحالية تعد خطيرة، وأثبتت أنها قاتلة وقوى تعمل على زعزعة الاستقرار في المناطق التي تعمل فيها".
ويختم الباحث مقاله بالتساؤل عن الفرع المقبل للتنظيم ومكان ظهورة، ويجيب قائلا إن "هذا مرتبط في جزء منه بقرار القيادة التي تبقت للتوسع في المكان الذي ترى أنه سيظل مهما، حيث ظهر وضع مماثل مع تنظيم القاعدة عام 2003، بعد الغزو الأمريكي للعراق، وشعر المنظرون فيه أن التنظيم سيهمش ضمن الحركة الجهادية العالمية، إن لم يقيموا فرعا لهم في بلد مسلم (تحت الحصار) من بلد غير مسلم".