لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها نجلا الرئيس
المخلوع في مكان عام، فيستقبلا بهذه الحفاوة، لكنها من المرات القليلة التي يظهر
فيها الابن الأكبر بمفرده، كما أنها المرة الأولى التي يكون فيها الظهور في بيت من
بيوت الله!
فمنذ خروجهما من السجن عقب الانقلاب العسكري، والأخوان
مبارك (علاء وجمال) لديهما حرص على التواجد بين الحين والآخر في الأماكن العامة
الخاصة بعوام الناس، وهو أمر لم يفعلانه عندما كان والدهما في السلطة، فلم يشاهدا الشعب
سوى "فيديو" وعبر الدراما التلفزيونية. فقد كانا في مرحلة الطفولة عندما
عُين والدهما نائباً للرئيس، ثم رئيساً لمدة ثلاثين عاماً، وإن كانت لهما محاولة
سابقة، لا بد أنهم أسقطاها من اعتبارهما، وهي في مباراة مصر والجزائر في السودان،
فقد قامت وسائل الإعلام بدق طبول الحرب، والدعوة للفتنة، وتحويل المباراة إلى قضية
وطنية، ليحمل حضور نجلي الرئيس وسط الجماهير وتفاعلهما معها على حساب انحيازاتهما
الوطنية، فالدور السياسي والحزبي للابن الأصغر (جمال) نفر الناس منه، وللأنظمة
المستبدة حياة في ساحات الملاعب!
وكان هذه هو الظهور الثاني للابن الأكبر (علاء) بعد
ظهوره الأول عقب وفاة نجله الأكبر، وعمد الإعلام إلى إثارة التعاطف معه، وكان
حضوره المكثف في المداخلات التلفزيونية يطرح سؤالاً: هل يفكر البيت الرئاسي بذلك
في نقل العطاء في عملية التوريث على "علاء"، لا سيما وأنه بدا غير متعالٍ
على الناس مثل أخيه؛ الذي يملك ملامح جادة ومحايدة وكان يتصرف على أنه
"ليمونة في بلد قرفانة"!
عملية التوريث كانت رغبة من حرم الرئيس، ومن نجله بطبيعة الحال، لكن من الواضح أن مبارك قاوم هذه الرغبة، على الأقل لم يكن يريد هذا في حياته
لدي وجهة نظر في عملية التوريث من أساسها، وظني أن ذلك
كان رغبة من حرم الرئيس، ومن نجله بطبيعة الحال، لكن من الواضح أن مبارك قاوم هذه
الرغبة، على الأقل لم يكن يريد هذا في حياته، وكان رأيي أنه إن لم يورث نجله الحكم
وهو في السلطة فإن التوريث لن يكون أبداً بعد وفاته!
وفي افتتاح الدورة البرلمانية لآخر برلمان في عهده
(برلمان 210) الذي أسقطته الثورة بعد شهور قليلة، بدا أن مبارك يقاوم هذه الضغوط،
عندما قال عبارة علقت عليها في حينها، ولم تلفت انتباه أحد إلى الآن!
لقد قال: "سأظل أحكم ما دام هناك نفس يخرج وقلب
ينبض"، والتفت بنظره أمامه بزاوية مرتفعة، فذهبت الكاميرا إلى هناك حيث شرفة
المجلس، وحطت كاميرا التلفزيون المصري على "جمال" ووالدته، في رسالة لا
تخطئ العين دلالتها!
الرسالة بهذا الشكل توحي بأن هناك ضغوطاً تمارس على
مبارك، وأنه يقاوم هذه الضغوط، لكن لم نكن نعرف قدرته على المقاومة، وقد تمددت
السيدة حرمه في المشهد السياسي حتى أصبحت تقيل وزراء وتعين آخرين، وخطف نجلها
الحزب الحاكم بعيداً عن سيطرة القيادات التاريخية له، والتي لم يبق في المشهد
السياسي منها سوى صفوت الشريف ويوسف والي، بعد وفاة الرجل القوي كمال الشاذلي
وعزله قبل وفاته، ولم تكن للشريف ووالي من قيمة سوى حرص مبارك الأب على استمرار
وجودهما!
واستعان جمال مبارك في هيمنته على الحياة السياسية، برجل
الأعمال أحمد عز بجانب بعض المنظرين، وكان أداته في التنفيذ هو وزير الداخلية "حبيب
العادلي"، لا سيما في الانتخابات!
وإذ قامت الثورة، فسجن مبارك ونجلاه وأركان حكمه، فوقع
الانقلاب فكان طبيعيا خروجهم من السجن. فقد حرص "جمال" و"علاء"
على التواجد وسط الجماهير، معاً في كثير من الأحيان، وإن كان "علاء"
يظهر في بعض الأماكن بمفرده، فقد حرص على تأدية العزاء في والد اللاعب المعروف "محمد
أبو تريكة"، والذي لم يتمكن هو من تشييع جنازته واستقبال المعزين في القاهرة،
لأسباب أمنية وسياسية، فسلطة الانقلاب تجعله هدفاً من أهدافها للتنكيل به، لحسابه
على الإخوان، دون أن تصدر منه كلمة تدين الانقلاب، أو حتى تدين المجازر التي
ارتكبها، فلم يذهب "أبو تريكة" إلى اعتصام "رابعة"، ولم يُضبط
متلبساً بإدانة فضه!
كان الاندفاع الجماهيري هذه المرة دافعاً للبحث في الدلالة السياسية، وكل يغني على ليلاه، فالذين قالوا بأن له دلالة سياسية تراوحت أراؤهم بين كونه كراهية من الناس للثورة، وإعلان فشل النظام القائم!
وكانت المرة الثانية التي ظهر فيها "علاء"
بمفرده في الأسبوع الماضي، عندما ذهب لصلاة الفجر في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة،
فاندفعت نحوه الجماهير في مشهد لافت، أجمع على إدانته المحسوبون على الثورة،
والمحسوبون على
السيسي الذين يعتبرون كل صيحة عليهم!
وكان الاندفاع الجماهيري هذه المرة دافعاً للبحث في الدلالة
السياسية، وكل يغني على ليلاه، فالذين قالوا بأن له دلالة سياسية تراوحت أراؤهم
بين كونه كراهية من الناس للثورة، وإعلان فشل النظام القائم!
لدى تساؤل أظنه مشروعا: هل هذا الاحتشاد عفوي؟
شيء ما بداخلي لا يتقبل بسهولة هذا الهرج والمرج الذي
حدث من المصلين في المسجد، بما يُخل بقدسية المكان، وكان يمكن للمظاهرة أن تكون
خارج المسجد بعد الانتهاء من الصلاة، لا سيما وأن مساجد آل البيت في مصر تحظى بزيارات
النجوم من كل المجالات، ومن يصلون فيها اعتادوا على وجودهم، ومن ثم فلا معنى لهذا
التدافع إذا تم النظر إلى علاء مبارك على أنه نجم، وأن كثيرين يستهويهم الاحتشاد
حول النجوم ومصافحتهم والتقاط الصور معهم!
الكاميرا التي نقلت الحدث لم تنقل كامل المشهد، فهل كل
المصلين اندفعوا للترحيب بنجل الرئيس المخلوع؟ أم أن منهم من واصلوا تعبدهم ولم
يخلوا بقدسية المكان، فلم تهتم بهم الكاميرا؟
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فأتذكر بهذه المناسبة يوم
أن دخل "كمال الجنزروي" المسجد القريب من مسجده لصلاة الجمعة بعد إقالته
من منصب رئيس الحكومة في عهد مبارك، وكانت قد نسجت حوله الأساطير، وكيف أنه يعامل "جمال
مبارك" بازدراء، وأنه لهذا تم عزله مما جعل له شعبية جارفة في الشارع، وقد
تبين بعد الثورة وبحسب كلامه هو نفسه أنها ضمن أساطير الأولين!
لم يحرك أحد من المصلين ساكناً بدخول الجنزوري، لكنه
عندما خرج من المسجد حملته الجماهير على الأعناق إلى منزله، وخشي هو من عواقب هذه
فتوقف عن الصلاة في جماعة!
سواء كان المشهد عفوياً أو مصطنعاً، فإن دلالته السياسية في كونه موجهاً للسلطة الحاكمة، ولا معنى لغضب من ينتسبون لثورة يناير
والدرس المستفاد من هذه الواقعة، أنه كان يمكن للمصلين
في الحسين أن ينتظروا الخروج من المسجد ليقوموا بما قاموا به، فهل وجدوا في المسجد
الحماية للقيام بالحفاوة بنجل الرئيس الأسبق وقد لا يجدوها خارجه، لا سيما وأن
الكاميرا لم ترصد احتشاداً جماهيرياً حوله عقب خروجه من المسجد إلى وصوله إلى
سيارته؟!
سواء كان المشهد عفوياً أو مصطنعاً، فإن دلالته السياسية
في كونه موجهاً للسلطة الحاكمة، ولا معنى لغضب من ينتسبون لثورة يناير. فالثورة لا
تحكم الآن، ومبارك نفسه ليس موضوعها، ومن خرج عليها هو عبد الفتاح السيسي، الذي ترعبه
هذه الحفاوة الجماهيرية بنجلي الرئيس المخلوع، وهو عندما خشي من ذلك، كان الحكم بإدانتهما
ووالدهما في قضية القصور الرئاسية، بعد البراءة من قضايا أكثر خطراً، فقد كان ما
يريده السيسي هو عتبة مانعة لأي منهما من الترشح، ولهذا فالنفوس فيها ما فيها!
بدأت الدولة القديمة تلملم أشلاءها للاستعداد للمرحلة القادمة، ولو بالوقوف في وجه تعديل الدستور بما يمكّن عبد الفتاح السيسي من الاستمرار في السلطة، وهو يدرك هذا
بيد أنه مع الدورة الأخيرة دستوريا للسيسي، بدأت الدولة
القديمة تلملم أشلاءها للاستعداد للمرحلة القادمة، ولو بالوقوف في وجه تعديل
الدستور بما يمكّن عبد الفتاح السيسي من الاستمرار في السلطة، وهو يدرك هذا!
وإذا كانت الدعاية التي قام بها قادة القوات المسلحة، من
أن الجيش حمى الثورة، أدخلت الغش والتدليس على الثوار فصدقوا هذا، فإن من دولة
مبارك من صدق هذه الدعاية أيضا، ويرى أن الثورة كلها من فعل قيادة الجيش، وأنهم
وراء اسقاط حكم مبارك، لذا فإنهم ينتظرون جولة يردون فيها الصاع لمن أسقط رئيسهم،
لا أناقش هنا قدرتهم على الفعل، فما يعنيني هو توافر الرغبة!
بحسب الفقرة الخامسة من قانون الانتخابات الرئاسية، فإن
الباب مغلق تماماً في وجه نجلي الرئيس الأسبق للترشح، وهو نص يستهدفهما بالذات،
كما يستهدف أحمد عز وعدداً من وجهاء دولة مبارك!
النص يقر بأنه من شروط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ألا
يكون قد حكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف. والطبيعي أن تكون التكملة ما لم
يرد إليه اعتباره، لكن ما جاء في النص هو "حتى وإن رد إليه اعتباره"،
والخيار الوحيد هو قرار من البرلمان بإسقاط العقوبة تماماً، والبرلمان الحالي
صنيعة السيسي، لكن الصحفي المقرب منه "ياسر رزق" يرى أنه يمكن في لحظة
تراخٍ للدولة أن يتم تمرير هذا!
هل دولة مبارك تستطيع أن تقلب الموازين، وتتمكن في البرلمان الجديد، ليس فقط من إسقاط العقوبة، ولكن من تعديل هذا النص في قانون الانتخابات الرئاسية؟!
وهناك ما هو أهم، ففي خلال الدورة الرئاسية الحالية
للسيسي من المفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية، فهل يتمكن السيسي من أن يصطنع
برلمانا كالبرلمان الحالي يسمع ويطيع؟ أم أن دولة مبارك تستطيع أن تقلب الموازين،
وتتمكن في البرلمان الجديد، ليس فقط من إسقاط العقوبة، ولكن من تعديل هذا النص في
قانون الانتخابات الرئاسية؟!
وبعيداً عن هذا فقد تقف هذه الدولة ضد تعديل الدستور
الذي لن يتم إلا بالاستفتاء الشعبي، وقد تساند مرشحا منافسا في الانتخابات الرئاسية،
وقد تدفع بمرشحين للانتخابات البرلمانية، فيكون البرلمان الجديد ليس كسلفه!
وفي جميع الأحوال، فإن الدلالة السياسية في الحفاوة
بعلاء مبارك قائمة ولا يمكن نفيها، وإن كان الاندفاع مفتعلاً، فهو بافتعاله رسالة،
وهو بدون ذلك رسالة أيضاً بأن المصريين فاض بهم الكيل، فلا يعرف قيمة أمه إلا من
يتعامل مع زوجة أبيه، وهو ما أخاف السيسي، فكان التحذير لجمال مبارك بأن يلزم بيته،
وقد نقله "ياسر رزق" في مقال منشور بجريدة "الأخبار"!
القصة لم تتم فصولاً.