هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي يستعد الفلسطينيون والإسرائيليون لسماع أخبار جديدة
حول تهدئة متوقعة بين الجانبين، في ظل المباحثات المكثفة غير المباشرة بين غزة وتل
أبيب بواسطة القاهرة، يبدو من الجدير استعادة الأجواء ذاتها التي عاشها الجانبان
في ذروة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مثل هذه الأيام من 2014.
فقد
خرج الجيش الإسرائيلي إلى حرب غزة، واستمر فيها طيلة الـ50 يوما بهدف تدمير البنية
التحتية لحماس، وتحييد قدراتها الصاروخية، ولو تطلب ذلك الاستمرار فيها لوقت طويل،
حتى تحقيق كافة الأهداف باستعادة الأمن، ولذلك جاءت الحرب محفوفة بالمخاطر؛ لأنها
كانت تتقدم وتتوسع حسب الظروف، وقد تمتد مدى طويلا.
ومع
مرور الوقت، يرى مراقبون أن حالة التخبط تعمقت وازدادت لدى الوسط السياسي
الإسرائيلي، كما هي الحال اليوم في ظل مسيرات العودة، مع فشله بتحقيق أيّ من أهداف
العدوان على غزّة، فيما تكرست إخفاقات الجيش بسبب قدرة المقاومة على مفاجأته
ميدانيا.
ولم
تعد الخيارات الإسرائيلية في التعامل مع معضلة غزة تتراوح بين الانفصال النهائي
عنها، كما طالب بعض الوزراء، أو إعادة احتلالها من جديد للتخلص من قدراتها
العسكرية، كما ألح وزراء آخرون، لأن المقاومة أظهرت لصانع القرار الإسرائيلي أن
هناك خيارات غير مفضلة، في ضوء الخسائر المتوقعة، التي لا يقوى الرأي العام
الإسرائيلي على تحملها أو استيعابها.
ولذلك؛ طالب وزراء في المجلس الأمني والسياسي المصغر بفتح تحقيق جاد
حول تسريب تفاصيل المعطيات والشروح التي عرضتها قيادة الجيش، وتلخص التكلفة
البشرية والمالية والسياسية لاحتلال غزة، وتقويض حماس، لأنه تسريب متعمد، يضر بأمن
الدولة وسمعتها، وبمثابة عملية تخريب إستراتيجية ألحقت ضررا كبيرا بها، وتسببت
بإهانة بالغة للجيش، وأعطت حماس معلومات مجانية بأنه لا يضع أمامه خيار تقويض
سلطتها.
ورفض
"أفيخاي رونتساكي"، الحاخام الأكبر السابق للجيش، قرار المجلس الوزاري
المصغّر بوقف إطلاق النار في غزة، "لأن التهدئة مع حماس تعني أنها نجحت
بتركيع دولة بأكملها على ركبتيها، وأنها باتت رهينة بيدها، فهي تطلق النار وتوقفها
وقتما تشاء، ويضحكون علينا وفي وجوهنا، ويبدو بأننا نفكر بالهدوء أكثر من تفكيرنا
بالنتائج، حماس آخذة بالتعاظم من مواجهة لأخرى، والجيش لم ينجح بتصفية أي من
قياداتها في القطاع؛ فلماذا نخاف من حماس، ونظهر للمرة الثانية وكأننا خائفون من
المواجهة معها"؟.
وأقر
الإسرائيليون بأن ما يحصل في غزة هي حرب معقدة ومكثفة وعميقة، ورغم أنها حظيت بدعم
دولي، لكن زيادة أعداد القتلى في صفوف الجنود أربك المستوى العسكري، بالتزامن مع
إصرار نظيره السياسي على المضي قدما في مهمة القضاء على تهديد حماس عبر هدم وتدمير
الأنفاق الأرضية، وتوجيه ضربات متتالية للحركة، ما حدا بالجيش للتهديد بحملة طويلة
تفضي للقضاء على الأنفاق، ونزع سلاح المقاومة.
الواضح
أن المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب ظهرا في ورطة لا تخطئها العين، كما هو
الحال اليوم في 2018، في ظل انقسام المجلس الوزاري الأمني بين من يؤيد توسيع
العمليات البرية، وإعادة اجتياح غزة، وآخر يعارض ذلك.
وهو ما دفع بـ"ليئور أكرمان"، أحد كبار قادة الشاباك،
للقول إنّ حماس أُضعفت من الناحية العسكريّة بسبب المواجهة الأخيرة، لكنّ الجيش لم
يتمكّن من حسم المعركة، وحتى لو تمكّن من نزع سلاحها، فلا يُمكن لأي قوة في العالم
من نزع إرادتها بمواصلة محاربتنا عسكريًّا، ما يعني أنها سجلت انتصارين علينا:
الأوّل في الوعي الجمعي للفلسطينيين بضرورة المُقاومة،
والثاني
الانتصار الباهر الذي حققته في الرأي العام العالميّ.
ولذلك جاءت مهاجمة تجاهل الحكومة الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية
لمشكلة غزة، وعدم وجود رؤية واضحة لكيفية التعامل مع هذا التحدي، وبالتالي خرجت
للحرب بعد هذه السنوات الماضية من أي طرح منطقي لديها يتعلق بالسؤال الملح: ماذا
نريد من غزة؟
كما لم يُطرح خلال جلسات الحكومة المتتالية البدائل الجدية السياسية
أو العسكرية في غزة، ولم يعترض أحد على خطط الجيش، لكن بات واضحا أنه لا توجد لدى
الحكومة أي خطة دبلوماسية أو إعلامية أو قانونية أو حتى إنسانية.
وبالتالي فما جرى في القطاع خلال الحرب الأخيرة في 2014، يتكرر اليوم
بعد أربع سنوات في 2018، هو نتاج للسياسة العرجاء التي انتهجتها في أعقاب عدم
وضعها لأي سيناريوهات جديدة لسير العمليات العسكرية في القطاع، واعتمادها على
السيناريو المجرب، المتمثل بانتظار الجيش خارج القطاع من 4-10 أيام، ثم يدخل بعدها
ليعطي الأعداء الفرصة للاستعداد، ويفقد الجيش عنصر المفاجأة.