نفى القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،
تجريد اثنين من الرهبان بدير أبو مقار من رتبتهما الكهنوتية على خلفية مقتل الأنبا
إبيفانيوس، كاهن ورئيس الدير، قبل أيام.
وأكد
حليم، في التصريح الذي نقلته وسائل إعلام
مصرية، أن لجنة شؤون الرهبنة بالمجمع
المقدس لم تصدر أي قرارات تقضي بتجريد الراهبين من رتبتهما، وهو النفي الذي جاء به
تداول وسائل الإعلام لوثيقة تحمل شعار لجنة شؤون الرهبنة والأديرة، بتجريد الراهب
يعقوب المقارى والراهب اشعياء المقارى من رتبهما الكهنوتية؛ لعدم خضوعهما لقرارات
لجنة الرهبنة والأديرة، وعدم الطاعة للآباء الأساقفة المنتدبين من قِبَل البابا.
ويأتي
هذا التخبط داخل الكنيسة بعد 12 قرارا أصدرها الأنبا تواضروس الثاني بابا الأقباط
بمصر، الجمعة الماضية، على خلفية مقتل الأنبا إبيفانيوس كاهن ورئيس دير أبو مقار
الأسبوع الماضي، وهي القرارات التي اعتبرها المتابعون لنشاط الكنيسة محاولة لضبط
الأمور داخل الأديرة التي تحولت لساحة من
الخلافات العقائدية والمالية.
وكشفت
مصادر كَنَسِيَة أن قرار تواضروس بغلق حساباته على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي
محاولة منه لضبط الأوضاع الداخلية، بعد تسريبات بأن رئيس دير أبو مقار تم قتله على
يد كهنة آخرين مخالفين لسياسات تواضروس.
ويشير
الباحث المتخصص بالشؤون الكَنَسِيَّة، جرجس فهمي، لـ"
عربي21"، أن
الكنيسة شهدت تحركات واسعة خلال الأيام الماضية، بعد قناعة المسؤولين بها أن مقتل
الأنبا إبيفانيوس كان بيد داخلية، ولذلك جاءت قرارات المجلس الأعلى لشؤون الرهبنة
والأديرة التي أصدرها تواضروس كمحاولة لتقليل الاحتكاكات والخلافات المذهبية بين
الرهبان المنقسمين حول مناهج التعليم الكنسي.
ويضيف
فهمي أن تواضروس اتخذ 12 قرارا كلها متعلقة بعمل الأديرة، كان أبرزها وقف الرهبنة
بجميع الأديرة لمدة عام، وتجريد من يقوم بالعمل في الأديرة غير المعتمدة، وعدم
السماح باعتماد أديرة جديدة إلا التي تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، وتحديد
عدد الرهبان في كل دير، حسب ظروفه وإمكانياته، وعدم تجاوز هذا العدد حاجة الدير
لضبط الحياة الرهبانية.
ويؤكد
فهمي أن أخطر قرار تم اتخاذه هو وقف تنصيب الرهبان في الدرجات الكهنوتية لدرجتي
القسيس والقمص لمدة ثلاثة أعوام، وتجريد أي راهب من رتبته في حالة ظهوره الإعلامي،
أو تورطه في تعاملات مالية لم يكلفه بها ديره، مع مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول
في أي معاملات مادية مع الرهبان أو الراهبات، وعدم تقديم أي تبرعات عينية أو مادية
إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم.
ويرى
فهمي أن هذه القرارات تكشف عن وجود صراعات داخل الأديرة متعلقة بأموال التبرعات
والامتيازات التي تحصل عليها الأديرة، بعد أن شهدت توسعات كبيرة ومنافسة بين
مسؤوليها وصلت لحد تكفير بعضهم البعض.
ويضيف
الباحث المتخصص في شؤون التنظيمات الدينية، عبد الله حماد، لـ"عربي21"، أن هناك جناحين داخل
الكنيسة المصرية؛ الأول وهو الجناح المتشدد الذي كان يتبناه الأنبا الراحل شنودة
الثالث، في مواجهة جناح آخر وصفه المتشددون بالجناح العلماني، وهو الجناح الذي كان
يقوده الأب الراحل متى المسكين، والذي يعد دير أبو مقار أحد معاقله، ولذلك فإن
وجود شبهة تصفية للأنبا إبيفانيوس الذي ينتمي لمدرسة شنودة ليس مستبعدا.
وأرجع
حماد بروز خلافات الأقباط بهذا الشكل لحالة الانفتاح التي شهدتها الكنيسة في ظل
الانقلاب العسكري، الذي كان البابا تواضروس أحد أهم داعميه، وفي مقابل ذلك أغلقت
السلطات المصرية أعينها عن حالات التعدي على الأراضي، وإقامة
الكنائس والأديرة
التي أصبحت فيما بعد عبئا على الكنيسة، خاصة أن كل مجموعة من الرهبان لا يتواءمون
مع سياسة الكنيسة الأم قاموا بالاستيلاء على قطعة أرض، وأنشأوا عليها أديرة،
وحصلوا بسببها على كثير من التبرعات والمعونات.
ويوضح
حماد أن التوسع في إنشاء الأديرة أدى لزيادة الفجوة داخل الطائفة الأرثوذكسية
صاحبة الأغلبية بين أقباط مصر، وبالتالي كان هذا الخلاف الذي وصل لحد تكفير بعضهم
البعض، ثم امتد الآن لعمليات التصفية والقتل، ولذلك لم يكن غريبا أن يدعو سكرتير
المجلس البابوي عموم الأقباط إلى تنفيذ قرارات المجلس والبابا؛ لأنهم الأدرى
بأحوالهم وشؤونهم.
وحذر
الباحث المتخصص في التنظيمات الدينية من خروج الأوضاع داخل الكنيسة عن السيطرة،
لما تحويه الكنائس من أسلحة تم تخزينها بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011
لمواجهة الخلافات مع المسلمين، إلا أنه يبدوا أن هذه الأسلحة سوف يتم استخدامها في
الصراعات الداخلية، في ظل محاولة الكنيسة البابوية فرض سيطرتها باستخدام كل السبل
على الأوضاع الداخلية الملتهبة، بالإضافة لحرص الأجهزة الأمنية بأن تظل بعيدة عن
الخلافات داخل الكنيسة، على عكس ما كان يحدث في ظل نظام مبارك.