للمرة الأولى منذ توليه منصبه، وعبر صحيفة سعودية تصدر من لندن، يكشف المبعوث الأممي إلى
اليمن مارتن غريفيث عن مضمون الحل الذي يراه مناسباً للأزمة والحرب اللتين تعصفان باليمن منذ أربعة أعوام، والمقرر أن تنتهي إليه مشاورات جنيف التي ستنطلق في السادس من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل والتي ستليها مفاوضات تفضي إلى اتفاق.
فاستناداً إلى حديث غريفيث لصحفية "الشرق الأوسط"، فإن ما تريده
الأمم المتحدة هو أن "تتفق حكومة اليمن وأنصار الله على القضايا الضرورية لوقف الحرب، والاتفاق على حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف وفقاً للقرار 2216، وثانياً سيتطلّب وضع ترتيبات أمنية لانسحاب جميع المجموعات المسلحة من اليمن ونزع سلاحها، بطريقة تضمن امتثالها للوعود التي قطعتها".
الإشكالية الجوهرية في خطة جريفيث تتمثل في اعتماد التسلسل المرحلي للمهام السياسية والأمنية التي يتعين إنجازها للوصول إلى السلام، فهو هنا يكرر تقريباً ما سبق لسلفه إسماعيل ولد الشيخ؛ الذي مرر خطة مشابهة عبر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وأعطيت أولوية للجانب السياسي أكثر من الخطوات الأمنية؛ لأن بقاء السلاح بيد الحوثيين سيبقيهم أكثر صلابة في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي تقترحها الخطة.
ذلك أن تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الحوثيون وأطراف سياسية أخرى؛ سينهي ميزة احتكار المشروعية المعترف بها دولياً، والتي هي اليوم من نصيب السلطة الشرعية التي تقاتل من أجل إنهاء تمرد الحوثيين بإسناد من السعودية والإمارات، لتصبح المرجعية السياسية ادعاء يخص جميع الأطراف المتصارعة.
والأخطر من ذلك، أن الحوثيين يمكن بكل بساطة أن يلجأوا إلى طريقتهم المفضلة في الانقلاب على الشركاء، والتي رأيناها أثناء وبعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في عامين 2013 و2014، وفي الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2017، عندما انقلبوا على شريكهم في سلطة الأمر الواقع علي عبد الله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، والذي انتهى بتصفية صالح وتغييب جثته حتى اليوم.
فالمبعوث الأممي فيما يخص هذا الأمر لا يقدم أية ضمانات، ولم يزد عن التذكير بوجوب "أن يعرف الناس أن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأي اتفاق هي إرادة الأطراف، وأنّ المجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية".
كان المبعوث الأممي هذه المرة واضحاً أكثر مما كان متوقعاً؛ بحديثه عن النتيجة المباشرة المتوقعة عن مساعي الأمم المتحدة الحثيثة لإعادة بناء سلطة شرعية جديدة، وهي أن "التسوية تحتاج إلى العودة إلى حالة الحق الحصري في استخدام القوة التي هي من صلاحيات السلطة الشرعية الحالية، والتي ستؤول وفقاً لخطة جريفيث إلى حكومة التوافق الجديدة التي ستنبثق عن العملية السياسية، في مقابل تفكيك ما أسماها المجموعات المسلحة، والذي قال إنه سيستغرق وقتاً.
إننا أمام خطة كارثية للحل كل ما تعد به؛ هو أنها تسعى حثيثاً إلى مكافأة الطرفين اللذين اعتديا على واحدة من أنجح عمليات التغيير والانتقال السياسي في الوطن العربي.
أحد هذين الطرفين هو تحالف الحوثي صالح الانقلابي، أما الطرف الثاني فيمثله تحالف الرياض-أبو ظبي الذي يعمل منذ ثلاثة أعوام على إضعاف السلطة الشرعية، ويواصل بناء الهياكل العسكرية والسياسية الانفصالية في جنوب البلاد، ويغض الطرف، بل ويشجع على تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المناطق المحررة.
لقد اعتبر غريفيث أن الأوضاع في الجنوب تغيرت، ولكنه في الحقيقة تغير حدث بالكيفية ذاتها التي تغير بها الواقع في الشمال، أي على وقع التمرد المسلح على الشرعية والدولة.
ومن هنا تأتي خطورة تصريح كهذا، حيث يمثل إقراراً أممياً بالقبول بالحالة الجديدة التي يمثلها المجلس الانتقالي ذي الأهداف الانفصالية، والذي تجاوز المشروع الجنوبي وتشكيلاته السياسية، وبات أداة حادة بيد أبوظبي؛ تستطيع أن تتحكم من خلالها في مسار المفاوضات المقبلة.
لكن يجب أن لا ينسى تحالف الرياض- أبو ظبي، أن خطة غريفيث بقدر ما تتجاوز هادي، فإن هدفها الأساس هو دفع اليمن إلى صيغة أكثر تعقيداً من الصراع، أساسها تحويل السلطة الشرعية مشاعاً بين جميع الأطراف بما يسمح لأي طرف بأن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع في أي وقت يشاء، والحوثيون كما أدوات التحالف في الجنوب هم الطرف الأكثر تسليحاً، والذي بوسعه أن ينهض بهذه المهمة الكارثية على مستقبل التسوية والسلام في اليمن.